قمّة جُدّة (1): 4 استثناءات بالثّنائيّات العربيّة – الأميركيّة

مدة القراءة 7 د

منذ اللحظة الأولى لانطلاق طائرة الرّئاسة الأميركيّة  Air Force One نحوَ مطار الملك عبد العزيز في مدينة جدّة، انشغل المُتابعون بشكل الاستقبال الذي سيحظى به الرّئيس الأميركيّ جو بايدن في زيارته الأولى إلى السّعوديّة كرئيسٍ للولايات المُتّحدة الأميركيّة: من يكون باستقباله؟ هل يُصافحه وليّ العهد؟ كيف سيصافحه؟ هل سيجتمعان… وغيرها من الأسئلة التي سيطرت على مزاج وسائل الإعلام والصحافيين.

جاءَت لحظة اللقاء بين الأمير محمّد بن سلمان والرّئيس بايدن. هُنا انشغل المُتابعون مُجدّداً بمشهد الـFist bump، والسلام بالقبضة، بحجّة “الحذر الكوروني”، بين وليّ العهد والضّيف الأميركيّ، وبالاستقبال “السّريع” الذي قامَ به الأمير محمّد بن سلمان بعد ترجّل بايدن من السّيارة الرّئاسيّة على مدخل قصر السّلام في جدّة… وراحوا يقارنون بينه وبين الاستقبال بالأحضان لعدد من الزعماء العرب، وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي.

على الرّغم ممّا تعكسه المشاهد البروتوكوليّة من رسائل سيّاسيّة، إلّا أنّ المُتابعين غفلوا عن قراءة سطور البيانات المُشتركة التي صدرَت بعد اللقاءات الثّنائيّة، بعدما جمعت بايدن بالزّعماء العرب، كلّ على حدة، رئيس دولة الإمارات الشّيخ محمّد بن زايد، الرّئيس السّيسي، الملك الأردنيّ عبد الله الثّاني، ورئيس الوزراء العراقيّ مُصطفى الكاظميّ.

من يقرأ البيانات التي خرجت من اللقاءات الثّنائيّة، سيكتشف أنّ أميركا – بايدن رسمت خطوط تحالفات ثنائية كبيرة مع دول المنطقة

من يقرأ البيانات التي خرجت من اللقاءات الثّنائيّة، سيكتشف أنّ أميركا – بايدن رسمت خطوط تحالفات ثنائية كبيرة مع دول المنطقة. إذ يشرح كلّ بيانٍ ثنائيّ كيف أنّ واشنطن تعترف بدور كلّ دولةٍ وبهواجسها وبحقوقها في ملفّاتها الاستراتيجيّة الخاصّة.

رُبّما تكون حصّة دولة الإمارات هي الأضخم، إذ توّجها بايدن بدعوة رئيس الدّولة الشّيخ محمّد بن زايد إلى زيارة عاصمة القرار واشنطن، وساوى بين المكانة الدبلوماسية للبلدين. في حين حصل الرّئيس عبد الفتّاح السّيسي على الدّعم الذي يُريده بملف سدّ النهضة. وحصل الملك الأردنيّ على 9 مليارات دولار تقريباً لدعم ميزانيّة بلاده العاجزة. وتلقّى رئيس الوزراء العراقي مديحاً كبيراً على جهوده للتوفيق بين السّعوديّة وإيران.

 

لقاء بن زايد – بايدن: اعتراف بالدّور الإماراتيّ

بُعيدَ اللقاء الثّنائي بين الرئيسيْن الأميركيّ والإماراتيّ، كان بيانٌ مُشتركٌ على قدرِ الدّور السّياسيّ الكبير الذي تلعبه الإمارات على الصّعيديْن الإقليميّ والدّوليّ.

حمل البيان عبارات استثنائيّة، أهمّها “التزام الرئيسين بمواصلة استخدام مكانتهما الدبلوماسية الجماعية لتهدئة النزاعات وإنهائها في أماكن أخرى من المنطقة”.

تحمل العبارة هذه دعماً أميركيّاً مُطلقاً لا لُبسَ فيه للدّور الذي تلعبه أبو ظبيّ على صعيد السّياسة الخارجيّة. إذ تنشط الآلة الدّبلوماسيّة الإماراتيّة على أكثر من صعيد لترسيخِ الاستقرار في المنطقة.

لم تكُن المكاسب في دعم السّياسة الإماراتيّة فحسب، بل وصلت إلى الالتزام الأمنيّ تجاه أبو ظبيّ. إذ جاءَ في البيان الصّادر عن الرّئيسيْن الإماراتي والأميركيّ أنّ “الولايات المتحدة هي الشريك الأمني ??الأساسي لدولة الإمارات”.

السّيسي – بايدن: سدّ النّهضة.. والدور الإقليميّ

بدوره لم يكن البيان المُطوّل الصّادر عقب اللقاء الثّنائي بين الرّئيسيْن عبد الفتّاح السّيسي وجو بايدن إلّا ليدلّ على حجم مصر، الدّولة الكبرى في المنطقة. فكان أطول البيانات وأكثرها تفصيلاً.

أهمّ ما نالته القاهرة في اللقاء كان الدّعم الأميركيّ لموقفها في قضيّة سدّ النّهضة. إذ جاءَ في البيان المُشترك: “أكّد الرئيس بايدن دعم الولايات المتحدة للأمن المائي لمصر وأهميّة صياغة قرار دبلوماسي يحقّق مصالح جميع الأطراف ويساهم في منطقة أكثر سلاماً وازدهاراً. وجدّد الزعيمان التأكيد على ضرورة إبرام اتفاق من دون مزيد من التأخير بشأن ملء وتشغيل سدّ النهضة على النحو المنصوص عليه في بيان رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتاريخ 15 أيلول 2021، وبما يتوافق مع القانون الدولي”.

غابت اللغة التهديدية والحديث عن حقوق الإنسان، الذي اقتصر على 3 جمل عامّة في بيان من 4 صفحات. واعترف البيان بالدور الإقليمي لمصر، وبأحقّيّتها في المشاركة بالقرارات المرتبطة بالانتخابات في ليبيا، والتطوّرات في السودان، ومستقبل سوريا، والحلول الممكنة في لبنان، والأهمّ الصراع العربي الإسرائيلي ودورها في فلسطين.

عبد الله – بايدن: تثبيت الوصاية الهاشميّة

لم يكُن الأردن بعيداً عن الدّعم الأميركيّ الذي اختلفت أشكاله بين دولةٍ عربيّة وأخرى. لكنّ أهمّ ما نالته عمّان من لقاء الملك عبدالله الثّاني والرّئيس الأميركيّ نقطتان رئيسيّتان:

الأولى: تنوي واشنطن الالتزام بتقديم ما مجموعه 8.7 مليارات دولار على 6 سنوات، لدعم المملكة الهاشميّة، التي ترزح تحت ضغط أزمة اقتصاديّة خانقة. وهو ما يدلّ على الأهميّة التي توليها الولايات المُتحدة لأمن الأردن واستقراره ولحماية العرش الهاشميّ في رمال المنطقة المُتحرّكة.

الثّانية: الإقرار الأميركيّ بدور الأسرة الهاشميّة في الوصاية على المُقدّسات في مدينة القدس المُحتلّة، إذ عبّر عنها البيان بالآتي: ” ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي الراهن للمقدّسات في القدس، وشدّد الرئيس بايدن على الدور الرئيسي الذي تلعبه الوصاية الهاشمية في هذا الصدد”.

الكاظمي – بايدن: دعمٌ بلا حدود..

بدا لافتاً إصرار الرّئيس الأميركيّ على الثّناء على الدّور الذي يقوم به رئيس الوزراء العراقيّ في الحوار بين المملكة العربيّة السّعوديّة وإيران. إذ تكرّرَ ذكر هذا الثّناء مرّتيْن في البيان الواحد الصّادر عن اللقاء: “ناقش الرئيس بايدن ورئيس الوزراء الكاظمي دور العراق في المنطقة، ولا سيّما في تسهيل التواصل وبناء الثقة بين دول المنطقة. وأشاد الرئيس بايدن على نحو خاص بالجهود الدبلوماسية الكبيرة التي يقودها رئيس الوزراء الكاظمي لجعل المنطقة أكثر استقراراً وازدهاراً وترابطاً”.

وفي خاتمة البيان: “رحّب الرئيس بايدن بمبادرة رئيس الوزراء الكاظمي إلى الجمع بين السعودية وإيران لإجراء محادثات في بغداد. وأعرب الرئيس عن تقديره لدبلوماسية رئيس الوزراء التقدّميّة من أجل منطقة أكثر أمناً واستقراراً. وأشاد بقمّة بغداد وبالعلاقة الفريدة بين العراق والأردن ومصر، التي تقف الولايات المتحدة على أهبة الاستعداد لدعمها. وأكّد رئيس الوزراء الكاظمي التزامه بمواصلة المبادرات من أجل الجمع بين جيران العراق وأصدقائه لإيجاد حلول محلّية للتحدّيات الإقليمية وتحقيق الاستقرار المستدام”.

يؤكّد هذا الثّناء على الدّعم الأميركيّ لرئيس الوزراء العراقيّ، في إشارة واضحة إلى إيران. ويعترف بأهميّة دور الكاظمي باعتباره ضمانة دبلوماسيّة وضرورة للعراق والمنطقة. هذا عدا عن اعتراف واشنطن بأهميّة الحوار بين الرّياض وطهران في ترسيخ أمن الإقليم.

على الجانب اللبناني، علم “أساس” أنّ بند دعم الجيش والقوى الأمنية في لبنان، أُضيف إلى فقرة لبنان في البيان الختامي المشترك، باقتراح من الرئيس الكاظمي.

إقرأ أيضاً: قمّة جدّة: دفتر شروط دولي – عربي للبنان وإلاّ فالموت السريري..

في المُحصّلة، لم تكن قمّة جدّة إقليميّة ودوليّة وحسب، بل تمدّدت وغاصت في تفاصيل الملفّات التي تشغل بال القادة العرب، إن كان داخل بلادهم مثل أزمة الأردن الماليّة، أو متّصلة بأدوارهم مثل حركة الكاظمي الحواريّة، وصولاً إلى كلّ منزلٍ مصريّ ينشغلُ بمياه النّيل المسجونة خلف سدّ النّهضة، وليسَ انتهاءً بإعلاء شأن “المكانة الدّبلوماسيّة” والدّور الإماراتيّ المُتصاعدِ في المنطقة.

يبقى أنّ السّعوديّة هي النجم الأكبر… للبحث صِلة.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…