هذا النصّ كتبه الرئيس فؤاد السنيورة، الذي يملك الخرائط والوثائق المرفقة، ننشره على 3 حلقات، وفي الحلقة الثالثة يفصّل الرئيس السنيورة ازدواجية معايير حزب الله في الاعتراض على ما فعلته إسرائيل ضدّ لبنان، وإغفاله ما فعله النظام السوري، وهو متطابق مع الادّعاء الإسرائيلي. ويقترح “أن تبادر الحكومة اللبنانية إلى طلب استشارة من اثنتين أو حتى ثلاث من كبريات المؤسّسات الدولية المعتبرة والعاملة في مجال تحديد الحدود الدولية بين الدول من أجل أن تعطي رأيها بتحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان في الجنوب وكذلك في الشمال”.
في 2 شباط 2017، بعد أسبوع واحد من إعلان لبنان فتح البلوكات البحرية الحدودية 8، 9، و10 للمزايدة ضمن دورة التراخيص الأولي، قام العدوّ الإسرائيلي بتوجيه رسالة إلى الأمم المتحدة يعترض فيها على الخطوة التي قام بها لبنان لناحية البدء بالإجراءات المتعلّقة بالأنشطة البترولية في المنطقة البحرية المتنازَع عليها، ويؤكّد أنّه لن يسمح لشركات النفط القيام بأعمال الاستكشاف، الحفر، واستثمار الثروة النفطية في تلك المنطقة.
بادرت بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة بتاريخ 20 آذار 2017 إلى توجيه رسالة إلى الأمم المتحدة تعترض فيها على الرسالة الإسرائيلية الأخيرة التي تهدّد لبنان. أكّدت تلك الرسالة اللبنانية أنّ البلوكات البحرية 8، 9، و10 تقع كليّاً ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان.
ذكّرت أيضاً الرسالة بإحداثيات نقاط الحدود البحرية مع فلسطين المحتلّة التي أودعها لبنان لدى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 14/7/2010 وبتاريخ 17/10/2011، وبالرسالتين السابقتين بتاريخ 20/6/2011 وتاريخ 3/9/2011 التي اعترض لبنان بموجبهما على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين قبرص وإسرائيل في كانون الأوّل من عام 2010، وعلى إيداع إسرائيل لإحداثيات نقاط حدودها الشمالية مع لبنان في تموز من عام 2011.
كان همّ الحزب من ذلك حرف انتباه اللبنانيين وتشتيت انتباههم كيلا يركّزوا على اعتماد الإصلاحات الحقيقية لإيجاد الحلول الصحيحة لمشكلاتهم المتفاقمة
خلال السنوات القليلة الماضية، حرص حزب الله على أن يسعِّر هجومه ويوجّه الاتّهامات لي ولحكومتي، وأن يشنّ معركة مزايدات ويدّعي بطولات ويزيد من حدّتها من أجل إظهار أنّه هو الذي يدافع عن مصالح لبنان الوطنية في وجه مَن يتّهمهم زوراً وبهتاناً بأنّهم يحاولون التفريط بحقوق لبنان في وجه إسرائيل.
في تلك الفترة اتّخذت إسرائيل موقفاً مخادعاً كان القصد منه إرباك لبنان ليس إلّا. إذ قسّمت المناطق العائدة لمنطقتها الاقتصادية الخالصة المتاخمة لحدود لبنان الجنوبية ولمنطقته الاقتصادية الخالصة إلى بلوكات تقع كلّها في داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة التي تقول إنّها تابعة لها. وبذلك احترمت إسرائيل حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان، وذلك على أساس الخط الذي رسمه لبنان لحدود منطقته الجنوبية، أي الخطّ الذي رسمه لبنان انفرادياً والمنطلِق من رأس الناقورة حتّى النقطة 23 في ما خصّ منطقته الاقتصادية الخالصة من ناحية الجنوب.
ومن جانب آخر، قامت إسرائيل بعد ذلك بالمطالبة بالمساحات الفاصلة بين النقطة 1 والنقطة 23 والبالغة مساحتها 860 كلم مربّعاً كوسيلة للضغط على لبنان وإرباكه. وهي أصرّت على موقفها في المفاوضات غير المباشرة التي ما تزال مستمرّة حتى الآن. والقصد من ذلك إعاقة جهود لبنان للبدء بالتنقيب عن مكامن النفط والغاز في منطقته الاقتصادية الخالصة، ولا سيّما في البلوكات 8 و9 و10 التابعة له.
أوّلاً: الطريف في موقف حزب الله ونوّابه ادّعاءاتهم وتهجّمهم على حكومتي وعليّ شخصيّاً في ما خصّ تحديد حدود المنطقة الجنوبية لحدود لبنان في منطقته الاقتصادية الخالصة، واتّهامي واتّهام حكومتي بالتفريط.
المفارقة الكبيرة أنّ الحزب تعمّد إغفال المسألة المماثلة، التي تمثّل الجانب الآخر من هذه القضية، والمتعلّقة بشمالي المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، والتي تقع بمحاذاة المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للجمهورية العربية السورية.
هنا تجدر الإشارة إلى أنّ سوريا، بعدما رسّم لبنان منفرداً وبشكل مؤقّت حدود منطقته الاقتصادية الخالصة الشمالية المحاذية لها، مارست ما مارسته إسرائيل في ما يخصّ ادّعاءها ملكيّة قسم من المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان.
إلا أنّ الحزب في الجانب الآخر، التزم الصمت والسكوت المطبق في ما خصّ موقف سوريا التي اعترضت على الترسيم المنفرد الذي قام به لبنان لمنطقته الاقتصادية الخالصة في الشمال، وذلك عبر توجيه رسالة احتجاج إلى الأمين العام للأمم المتحدة في عام 2014. ادّعت سوريا في تلك الرسالة ملكيّة جزء من المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان تقول سوريا إنّه يعود إليها، وذلك مثلما فعلت إسرائيل من ناحية الجنوب.
يؤكد ذلك كلّه بالفعل أنّ موقف حزب الله لم يكن إلا عملاً شعبوياً ودعائياً، القصد منه فقط اختلاق وافتعال قضية يتمسّك بها الحزب من أجل حرف انتباه اللبنانيين عن مشكلاتهم الحقيقية وادّعاء الطهرانية، وأنّه هو الذي يدافع عن حقوق لبنان في منطقته الاقتصادية الخالصة، وتوجيه الاتّهامات للآخرين بالتفريط بحقوق لبنان.
أكثر من ذلك، كان همّ الحزب من ذلك حرف انتباه اللبنانيين وتشتيت انتباههم كيلا يركّزوا على اعتماد الإصلاحات الحقيقية لإيجاد الحلول الصحيحة لمشكلاتهم المتفاقمة من جهة أولى، ومن جهة أخرى للتعمية واحتفاظ الحزب بمبرّرات الإبقاء على سلاحه، وهو الأمر الذي كان وما يزال مصدر القلق الأساس للحزب الذي يتحكّم بمجمل مواقفه وقراراته.
هناك حاجة إلى التوصّل إلى حلّ عادل لحدود لبنان في منطقته الاقتصادية الخالصة في الجنوب وبعدها في الشمال
جهات تحكي إضافية
ثانياً: هذه القضية إلى أين؟
هناك حاجة إلى التوصّل إلى حلّ عادل لحدود لبنان في منطقته الاقتصادية الخالصة في الجنوب وبعدها في الشمال.
استناداً إلى ما تقدّم وفي مسألة تحديد لبنان لحدود منطقته الاقتصادية الخالصة من ناحية الجنوب، فإنّ من الضروري وضع صيغة من خلال مفاوضات غير مباشرة ترعاها الأمم المتحدة وتتمّ فيها الاستعانة بمحكِّم أو جهة دولية منصفة للتوصّل إلى حلّ حقيقي منصف للبنان. وهي القاعدة التي يمكن اللجوء إليها أيضاً في تحديد الحدود النهائية للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان من ناحية الشمال عند الحدود مع الشقيقة الجمهورية العربية السورية.
ما حصل أخيراً هو أنّ لبنان وافق على صيغة للتفاوض غير المباشر مع العدوّ الإسرائيلي برعاية أميركية وبحضور الأمم المتحدة في مركز هذه الأخيرة في الناقورة.
على ما يبدو حتى الآن، فإنّ الضغوط تزداد من أجل تعديل المرسوم الصادر عن مجلس الوزراء، الذي أقرّ بشكل منفرد تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان في القسم الجنوبي بالنقطة 23، وذلك بتعديلها لتصبح النقطة 29. والتبرير المقدّم لذلك هو تعزيز القوة التفاوضية للبنان، وهو أمر، كما يبدو حتى الآن، يفتقر إلى الموضوعية، ويظهر أنّ الهدف الأول منه خدمة أهداف شخصية لبعض المسؤولين اللبنانيين، والهدف الثاني أن يخدم أغراض مَن يريدون عدم التوصّل إلى حلّ عادل ونهائي لهذه المشكلة المستعصية، وإيجاد الذرائع لحزب الله من أجل أن يستمرّ في الاحتفاظ بسلاحه.
في هذا الخصوص، ودفعاً لأيّ احتمال لأن يكون هناك سوء تقدير لحدود لبنان في منطقته الاقتصادية الخالصة، كما سبق أن أُقرّت في النقطة 23، ومنعاً لاستغلال هذا الأمر في السجال السياسي المحتدم في لبنان، فقد يكون الحلّ الأمثل أن تبادر الحكومة اللبنانية إلى طلب استشارة من اثنتين أو حتى ثلاث من كبريات المؤسسات الدولية المعتبرة والعاملة في مجال تحديد الحدود الدولية بين الدول من أجل أن تعطي رأيها بتحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان في الجنوب، وكذلك في الشمال.
إقرأ أيضاً: السنيورة يروي (2): قبرص غدرت بنا… والحزب وافق على 6433
بذلك يمكن للبنان أن يستنير بتلك الاستشارة المهنية، وأن يتسلّح باستشارة إضافية علمية تكون موضوعية وغير متحيّزة، وتمكّنه من تعزيز موقفه التفاوضي في المفاوضات غير المباشرة التي يمكن أن تجري مع العدوّ الإسرائيلي بشأن حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان مع المنطقة الاقتصادية الخالصة لفلسطين المحتلّة، وذلك برعاية مشتركة من الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة.
تواريخ مهمّة على مسار مسلسل ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان