هذا النصّ كتبه الرئيس فؤاد السنيورة، الذي يملك الخرائط والوثائق المرفقة، ننشره على 3 حلقات، في الحلقة الثانية يستعرض الرئيس السنيورة كيف أكّدت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في عام 2011 على ما قامت به حكومته في أعوام 2007 و2008 و2009، وكيف أصدرت المرسوم 6433 بوجود ممثّلين عن حزب الله، بثقل أكبر ممّا كان في حكومته، على طاولة حكومة ميقاتي أيضاً.
في 14 تموز 2010 بادر لبنان إلى إيداع الأمم المتحدة إحداثيات حدود منطقته الاقتصادية الخالصة الجنوبية مع فلسطين المحتلّة (العدوّ الإسرائيلي)، أي خطّ الناقورة – النقطة رقم 23، بشكل منفرد، وذلك لاستحالة التفاوض مع العدوّ الإسرائيلي.
أودع أيضاً لبنان لدى الأمم المتحدة إحداثيات الحدود الشمالية مع سوريا في النقطة 7، وهي النقطة التي جرى تحديدها أيضاً بشكل منفرد من قبل لبنان لعدم رغبة الجانب السوري في التفاوض مع لبنان آنذاك.
مسوّدة الاتفاقية الموقّعة بين قبرص وإسرائيل لا قيمة قانونية لها إذا لم يوافق ويوقّع عليها لبنان، لكن يبدو أنّ إسرائيل قصدت من ذلك إرباك لبنان وإشغاله فقط
الغدر القبرصيّ
أوّلاً: المؤسف والمستغرَب أنّ الدولة القبرصية خالفت نصّ ومضمون الاتفاقية المؤقّتة الموقّعة معها، إذ عمدت إلى عدم الالتزام بها لأسباب واهية، وحجّتها في ذلك، كما قال لي الوزير القبرصي عندما التقيته خلال زيارة لي لقبرص في عام 2011 لإلقاء محاضرة هناك، أنّ المسؤولين القبارصة لم يتمكّنوا من التواصل مع المسؤولين اللبنانيين آنذاك. فبغضّ النظر عن تلك الأعذار الواهية، فإنّ قبرص نكلت بالفعل عمّا وقّعت عليه مع لبنان.
إذ قامت بتاريخ 17 كانون الأول 2010 بالتوقيع مع العدو الإسرائيلي على اتفاقية ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما، من دون إبلاغ أو استشارة الدولة اللبنانية، وذلك كما تنصّ عليه مسوّدة مشروع الاتفاقية المؤقّتة الموقّعة بين لبنان وقبرص بتاريخ 17/1/2007، وبالتحديد في المادة الثالثة منها. عُقدت تلك الاتفاقية بين قبرص وإسرائيل بعد خمسة أشهر على قيام لبنان بإيداع إحداثيات النقطتين 23 و7 لدى الأمم المتحدة.
صحيح أنّ مسوّدة الاتفاقية الموقّعة بين قبرص وإسرائيل لا قيمة قانونية لها إذا لم يوافق ويوقّع عليها لبنان، لكن يبدو أنّ إسرائيل قصدت من ذلك إرباك لبنان وإشغاله فقط.
فور علم لبنان بهذا الأمر، اعترض على تلك الاتفاقية بموجب رسالة وجّهها وزير الخارجية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بتاريخ 20 حزيران 2011 إلى الأمين العامّ للأمم المتحدة، وذلك بسبب اعتماد إسرائيل النقطة رقم “1” كنقطة فصل مشتركة بين لبنان وفلسطين المحتلّة بدلاً من النقطة “23”، التي كانت الحكومة اللبنانية (حكومتي الثانية) قد حدّدتها في عام 2008، وذلك على عكس ما كان يشيعه حزب الله والأحزاب المتحالفة معه من أنّ حكومتي قد حدّدت نهاية خط الوسط بالنقطة رقم 1، وأنّ الآخرين هم الذين حدّدوا نهاية هذا الخط بالنقطة 23. (انظر الملحق رقم أربعة).
ثانياً: بتاريخ 12 تموز 2011 رسّمت إسرائيل حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة البحرية مع لبنان من جانب واحد، أي خط الناقورة – النقطة رقم “1”، وأودعت إحداثيات نقاط ذلك الترسيم لدى الدوائر المختصّة في الأمم المتحدة، بعد سنة كاملة من تاريخ إيداع لبنان إحداثيات حدوده البحرية مع العدوّ الإسرائيلي من جانب واحد، أي خط الناقورة – النقطة “23”، وذلك بتاريخ 14 تموز 2010.
تجدر الإشارة إلى أنّ إسرائيل اعتبرت بموجب رسالتها إلى الأمم المتحدة واعترفت بأنّ الترسيم الذي قامت به لِما تعتبره حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة، هو “غير نهائي”، ويمكن تعديل إحداثيات النقطة رقم “1” المذكورة في الاتفاقيّتين اللبنانية – القبرصية والإسرائيلية – القبرصية، وذلك بعد الاتفاق النهائي على ذلك بين الدول المعنيّة. (انظر الملحق رقم خمسة).
على الرغم من ذلك، بادر لبنان مجدّداً إلى الاعتراض على ذلك الترسيم بموجب رسالة وجّهها وزير الخارجية اللبناني بتاريخ 3 أيلول 2011، وفيها طلب من الأمين العام للأمم المتحدة تكليف مَن يلزم لرسم خط يتناسب مع الحدود البحرية اللبنانية التي أودعها لبنان في الأمم المتحدة، وذلك على غرار الخط الأزرق البرّي. لكنّ الرسالة لم تُشِر إلى البند العاشر من القرار 1701، الذي يعطي صلاحية للأمم المتحدة للمساعدة في هذا الشأن، وذلك بناء على طلب لبنان (انظر الملحق رقم ستة).
جاء جواب الأمين العام للأمم المتحدة بموجب رسالة وجّهها إلى وزير الخارجية اللبناني بتاريخ 18 تشرين الأول 2011، مفادها أنّ ذلك الأمر يتطلّب اتفاق الأطراف المعنية و/أو ولاية خاصة من قبل مجلس الأمن. (انظر الملحق رقم سبعة).
تألّفت اللجنة الجديدة بناء على قرار مجلس الوزراء رقم 75/2012 تاريخ 11/5/2012. وهي اللجنة التي خلصت إلى تأكيد العمل الذي قامت به اللجنة اللبنانية المؤلّفة في عام 2008
ميقاتي يصدر المرسوم 6433
ثالثاً: بتاريخ 18 آب 2011 صدر القانون رقم 163 القاضي بتحديد وإعلان المناطق البحرية للجمهورية اللبنانية. وعلى أساس من ذلك فقد أُنيط بالحكومة إصدار مرسوم تعيين الحدود البحرية اللبنانية. (انظر الملحق رقم ثمانية).
قبل إصدار ذلك المرسوم كانت حكومة الرئيس ميقاتي قد كلّفت حينذاك المكتب الهيدروغرافي البريطاني (UKHO) مجدّداً بإعداد دراسة لترسيم الحدود البحرية اللبنانية، وذلك قبل إصدار المرسوم المتعلّق بذلك. ولقد صدرت تلك الدراسة بتاريخ 17 آب 2011. (انظر الملحق رقم تسعة).
في ضوء ما تقدّم، قرّرت الحكومة اللبنانية آنذاك الإبقاء على ما تمّ التوصّل إليه من قبل اللجنة الخاصة التي صدرت نتائج أعمالها في عام 2009، والتي أكّدت على ما قامت به الحكومات اللبنانية قبل ذلك في الأعوام 2007- 2008- 2009. هكذا صدر المرسوم رقم 6433 تاريخ 1/10/ 2011 عن حكومة الرئيس ميقاتي، التي تبنّت أعمال اللجنة المؤلّفة في نهاية عام 2008 والقرار الذي صدر عن مجلس الوزراء رقم 51 في عام 2009 (انظر الملحق رقم عشرة).
كان يشترك في عضوية تلك الحكومة أيضاً ممثّلون عن حزب الله. وكان يتمتّع بثقل وازن فيها. وقد أكّد قرارها من جديد، بمعرفة وإقرار حزب الله بشكل مباشر، على صحّة ما قامت به الحكومة اللبنانية من خطوات وقرارات منذ عام 2007 حتى عام 2011.
رابعاً: في عام 2012 شكّلت حكومة الرئيس ميقاتي لجنة خاصة أخرى لإعادة درس موضوع ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة اللبنانية.
تألّفت اللجنة الجديدة بناء على قرار مجلس الوزراء رقم 75/2012 تاريخ 11/5/2012. وهي اللجنة التي خلصت إلى تأكيد العمل الذي قامت به اللجنة اللبنانية المؤلّفة في عام 2008، وذكرت أنّ ما قامت به الحكومة اللبنانية واللجنة المؤلّفة من قبلها في عام 2008 بالنسبة لترسيم حدود لبنان الجنوبية في المنطقة الاقتصادية الخالصة “كان في الأصل من أجل تأمين موقع متقدّم للبنان في الدفاع عن موقفه في حال التفاوض مستقبلاً على الحدود النهائية” (انظر تقرير تلك اللجنة في الملحق رقم أحد عشر)، أي أنّ هذه اللجنة الجديدة قد أكّدت أيضاً على صوابيّة ما قامت به الحكومة اللبنانية ولجنة عام 2008، التي درست مسوّدة مشروع الاتفاقية بين لبنان وقبرص، وأكّدت على صحّته، واستكملت الترسيم من جانب واحد من جهة الشمال مع سوريا ومن جهة الجنوب مع فلسطين المحتلّة بتحديد النقطتين 23 في الجنوب وسبعة في الشمال.
لدولة القبرصية خالفت نصّ ومضمون الاتفاقية المؤقّتة الموقّعة معها، إذ عمدت إلى عدم الالتزام بها لأسباب واهية
بدء وساطة هوف.. وخطّه
خامساً: ماذا جرى لاحقاً؟
1- على صعيد أوّل، في ذلك الوقت بادر المبعوث الأميركي فريدريك هوف (Hoff) إلى اقتراح حلّ لذلك الخلاف المستعر بين لبنان وإسرائيل حول المنطقة الواقعة ما بين النقطتين الجنوبيّتين 1 و23، والتي تبلغ مساحتها قرابة 860 كلم مربّعاً، وذلك بأن يحصل لبنان على ما يعادل 500 كلم مربّع من تلك المنطقة، وتحصل إسرائيل على 360 كلم مربّع منها.
ذلك ما اعترض عليه لبنان وطالب بأن يتمّ التوصّل إلى اتفاقية عبر الأمم المتحدة.
2- على صعيد ثانٍ، جرت اتصالات على مستويات متعدّدة مع الأمين العام للأمم المتحدة من أجل حثّه على التدخّل والمساعدة لترسيم الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان. وجرت اتصالات مع المسؤولين الأميركيين الذين كانوا مولجين بمتابعة هذا الأمر، وهم أيضاً اتّصلوا برئيس مجلس النواب نبيه برّي واتّصلوا بي. وكنّا ننسّق معاً موقفنا في هذا الخصوص مع الرئيس برّي، وأبدينا وجهة نظر موحّدة بهذا الشأن.
3- في هذا الصدد، وبمبادرة شخصية منّي، وبحكم صداقتي الوثيقة بالأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون (انظر الملحق رقم اثني عشر)، فقد أكّدت له في رسالة بعثتها إليه، في 29/3/2014، تأكيداً على طلب سابق قدّمته له في عام 2012، ضرورة أن تبادر الأمم المتحدة استناداً إلى القرار 1701، ولا سيّما في المادة العاشرة منه، وهي المادة التي تتيح للأمم المتحدة المساعدة في ترسيم الحدود البحرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، وكرّرت عليه ذلك في أكثر من مناسبة خطّيّاً وشفاهيّاً.
4- قبل تسلّم الأمين العام الجديد أنطونيو غوتيريس، تمنّيت عليه أيضاً في رسالة وجّهتها إليه أن يهتمّ بمسألة ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، وذلك أيضاً استناداً إلى ما تتيحه المادة العاشرة من ذلك القرار لتحديد حدود لبنان الجنوبية. (انظر الملحق رقم ثلاثة عشر).
5- على صعيد ثالث، استمرّت الحملات الإعلامية الشعبوية عليّ، والمقصود منها، كالعادة، الإثارة الشعبوية وادّعاء الطهرانية والبطولات الزائفة، واحتكار الموقف الوطني وتخوين الآخرين واتّهامهم بالتفريط بالحقوق الوطنية من أجل تشويه السمعة، فأعلنت تلك الحملات أنّ لبنان على غير استعداد للتفريط بحقوقه في المنطقة الجنوبية من حدود منطقته الاقتصادية الخالصة، واتّهمت الآخرين بالتفريط، وهو ما يدّعيه الحزب بشأن ما قامت به حكومتي.
إقرأ أيضاً: السنيورة يروي (1): حكومتي رسّمت الخطّ 23.. بموافقة الحزب
لقد حصل ذلك على الرغم من تأكيد حكومة الرئيس ميقاتي، التي كان حزب الله يتمتّع بثقل وازن فيها، على صوابية ما قامت به حكومتي في هذا الصدد من خلال إصدار المرسوم رقم 6433 تاريخ 1/10/2011 المتعلّق بتحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، واستناداً إلى أعمال اللجنة التي شكّلتها حكومة الرئيس ميقاتي بتاريخ 11/5/2012 للتدقيق وإعادة درس موضوع ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة اللبنانية (انظر الملحق رقم أحد عشر).
في الجزء الثالث والأخير غداً:
هكذا بدأ الصراع على الخطّ 29