لا يعرف أحدٌ بماذا يفكّر الرئيس ميشال عون وصهره بعد ما أصاب رئيس سريلانكا. ولِمَن لا يعلم فرئيس سريلانكا ما كان أسهل من عون، فقد قاوم، ومن ورائه ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند، لسنوات. وبالإضافة إلى التأمين الهندي الحافل بالمعاني (مثل تأمين حزب السلاح للجنرال الرئيس)، دأبت الهند على إمداد سريلانكا بالقروض والهبات. ولأنّ رئيس الوزراء (على الرغم من أنّه من الحزب الحاكم أيضاً) أظهر ميولاً “صينويّة”، فإنّ الصين لم تقصّر أيضاً. وإلى الهند والصين، بقي الجيش كما بقيت القوى الأمنية متماسكةً من خلف الرئيس، لأنّه على الرغم من إفلاس الدولة الذريع، فإنّ المرتّبات والمعدّات كانت وما تزال تأتي من الهند. إنّما حتى الهند تعبت من دعم الرئيس والدفاع عنه، فضلاً عن صندوق النقد الدولي والدول الثماني (التي لم تنسَ سريلانكا في مؤتمرها الأخير).
شبهان بين الوضع في سريلانكا والوضع في لبنان: الفساد الفظيع وسوء استعمال السلطة إلى أقصى حدّ. أمّا الشبه الثاني، إنْ كان، فيتعلّق بما لو اضطرّ الرئيس وصهره إلى الهرب
لذلك، وعلى مشارف استعداد الجماهير (المنظَّمة) للإغارة النهائية على القصر، اختفى الجيش من حول القصر، وتظاهرت القوى الأمنية بالحماية، ثمّ انضمّت إلى نهّابي القصر بعد اختفاء الرئيس. إنّما لا يظنّنّ أحدٌ أنّ المتنافسين على سريلانكا الخامدة الأنفاس يمكن أن يتركوها وشأنها في ساعة الحشرة: فكما اجتيح قصر الرئيس، الهنديّ التبعيّة، جرى إحراق منزل رئيس الوزراء المتّهم بميول صينية. وفي حين ركّز إعلاميون يساريون على العزّ الذي يعيش فيه رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه داخل قصورهم، أنِف “الديمقراطيون” السلميّون من إقبال الغوغاء على النهب والسلب.
شبهان بين الوضع في سريلانكا والوضع في لبنان: الفساد الفظيع وسوء استعمال السلطة إلى أقصى حدّ. أمّا الشبه الثاني، إنْ كان، فيتعلّق بما لو اضطرّ الرئيس وصهره إلى الهرب. رئيس سريلانكا عنده الهند. ورئيس وزرائها عنده الصين، فمَن الذي سيُؤوي جماعتنا هذه المرّة؟ في السابق آوتْهم فرنسا، فهل تؤويهم في مقبل الزمان، وبخاصّةٍ أنّ صداقتها مع حزب السلاح باقية؟!
إنّما دعونا من هذه الآمال البائسة والأحلام التي تحتاج إلى ناس مختلفين عن ثوار عام 2019 في بلادنا الغرّاء. لو تأمّلنا الثوار العظام والثائرات العظيمات لوجدناهم اليوم وبعد الانتخابات قد انقسموا إلى أربع فئات:
– فئة غادرت الصفوف وقد تكون غادرت البلاد إلى غير رجعة، وهؤلاء أشرف الناس.
– الفئة الثانية لاذت بحزب السلاح وبالعونيين وقد كانت تلعنهم.
– الفئة الثالثة لاذت بتجّار التهريب.
– أمّا الفئة الرابعة، وبعضهم يسمّي نفسه “مستقلّاً”، فتراوح مواقفهم بين مناسبةٍ وأُخرى!
هكذا: لا أحد من هؤلاء سيُغير على القصر أو يحاول، بل ولا أحد سيضرب جبران العظيم بوردة كما يُقال.
إنّما أخيراً خذوني على قدّ عقلي، كما يقول اللبنانيون أيضاً: ماذا لو تخلّى حزب السلاح عن عون وصهره وسليمان وابنه وفلان وابن عمّه.. إلخ، فهل سيهجم “الثوار” على القصور والمرابع؟
بالطبع لا، وبسبب عطلٍ أساسيٍّ لا يعرفه غير اللبنانيين أو بالأحرى لا يعرفه غير موارنة لبنان، كما سيرد في القصة اللاحقة.
الموارنة والرئاسة
قرأت في الأيام الماضية تصريحين لسياسيَّين لبنانيَّين. وفي الحقيقة أنا لا أكاد أقرأ أو أشاهد شيئاً عن لبنان من زمان. لكنّني تابعت تصريحَيْ السياسيَّين لأنّني أحترمهما:
– التصريح الأول للنائب الكتائبي إلياس حنكش، وهو يشدّد على صلاحيات الرئيس وحقوقه واستنكار التعرّض له شخصاً أو صلاحيات، فهو ليس “باشكاتب”، كما قال.
– والتصريح الثاني للدكتور فارس سعيد، وهو يقول إنّه لو خُيّر بين فراغ منصب الرئاسة أو انتخاب رئيس من أنصار حزب الله، فهو يفضّل رئيساً تابعاً للحزب على شغور المنصب السامي.
فلنبدأ بكلام النائب الكتائبي الماروني. ولحزب الكتائب موقف تاريخي من رئاسة الموارنة للبنان, فهو دائماً مع الرئيس القائم أيّاً تكن مواصفاته وكفاياته وحيثيّات وصوله لسدّة الرئاسة. كلّ هذا الكلام ليس لأنّني أريد معذرة النائب الكتائبي، بل على العكس. الرئيس عون ما بقي شيء إلّا وخاض فيه، من المال العامّ إلى الدستور إلى المناصب العامّة إلى التبعيّة المسرفة لحزب السلاح، ودائماً صلاحيّاته أكبر وأكبر. ولنتأمّل قصّة حقل كاريش وكيف تلاعب به، ثمّ تراجع ليتبيّن أنّ الحزب بمسيَّراته ما يزال عنده كلام وأفعال في المسألة.
وزير خارجية الرئيس زار رئيس الحكومة بطلب من رئيس الجمهورية بالطبع، ثمّ صرّح بأنّه لا مصلحة للبنان بالصواريخ والمسيّرات مع وجود الوساطة الأميركية التي تتقدّم، فماذا كانت النتيجة؟ ما بقي أحدٌ من الحزب المسلَّح إلّا وهجم على المسؤولين الأتباع، فهو المؤتمن وحده على المصلحة الوطنية، وما استأذن في المقاومة أحداً (!): فهل ردَّ على هؤلاء عون أو ميقاتي؟ أبداً أبداً.
ملخَّص الأمر أنّه لم يبقَ شيء إلّا وجرى التدخّل فيه من جانب الرئيس، فماذا يفعل الواحد منّا وماذا يبقى له غير الكلام الدستوري والقانوني والسيادي والأخلاقي والإنساني في ما فعله الرئيس وغيره؟
هل يمكن أن يُقال كلام أقلّ من كلام البطريرك الراعي؟
إنْ أردتَ، سواء أكنت رئيساً أو وزيراً أو نائباً، أن تُحترَم ولا يجري التعرّض لك شخصاً أو منصباً فينبغي أن تلتزم بالحدّ الأدنى لِما يتطلّبه منصبك، وفي الحقّ أنّ الرئيس ما التزم بشيء من ذلك طوال حياته السياسية، وليس خلال رئاسته فقط. لقد تجاوز السوءُ الرئيسَ إلى الرئاسة. ولولا التكرار وخوف العثار لكرّرت شيئاً أو أشياء ممّا قاله أستاذنا سمير عطالله، الماروني القحّ، عن الرئيس والرئاسة المارونية المجيدة، وكيف جنت على لبنان الذي يتصدّع وينتهي دونما نائحٍ في عزائه.
فارس سعيد: ما هذا المنطق؟
ولنذهب إلى تصريح الصديق الدكتور فارس سعيد. فبين فراغ الرئاسة والتبعيّة للحزب المسلّح يقبل تابعاً للحزب في الرئاسة. طيّب يا أخي. لقد جرّبتَ وجرّبنا معك رئيساً بهذه المواصفات. وأنت أوّل مَنْ طالب بإقالته قبل أكثر من سنتين. وأنت رئيس المجلس الوطني لإزالة الاحتلال الإيراني عن لبنان وإن متأخراً عن غيرك، وتريد إعطاء المحتلّين سلفاً الرئيس الجديد إنْ كان.
ما هذا المنطق؟
لا شكّ أنّك تسمع من الفرنسيين ذوي السياسة المضطربة تجاه لبنان أنّه إن لم نوافق على رئيس “متأيرن”، فقد يكون عون آخر رئيساً مارونيّاً للبنان.
إنّ مشكلتك يا أخي أنّك تظنّ أنه ما يزال هناك رئيس ورئاسة. الرئيس موجود شكلاً ليبرعط وسط المستنقع الذي نغوص فيه جميعاً إلى رقابنا. أمّا الرئاسة فقد انتهت من زمان. قل لي ما فائدة الرئيس الماورني إذا كان الحاكم زعيم الحزب المسلَّح؟!
إقرأ أيضاً: مسيَّرات الخراب.. لا تمنع المستقبل
ستقول كما قال عشرات السياسيين: نصبر حتى تتغيّر الظروف الإقليمية أو السياسات الأميركية بالمنطقة، طيّب: لماذا لا نصبر بدون رئيس حتى تتغيّر الظروف؟ وقد حصل ذلك من قبل، فانفرد بنا نصر الله، بدلاً من الحزب المسلَّح والرئيس المجنّح كما يحصل منذ عام 2016. ثمّ إنّ التغيير يمكن أن يحصل، إنّما قل لي لماذا لا يتّفق الأميركيون والفرنسيون مع الإيرانيين على الرئيس اللبناني، كما يحاولون الآن الاتفاق مع الحزب المسلّح على ملفّات الغاز والبترول في حقل كاريش وغيره؟
وعلى أيّ حال: أُنطُرْ يا كديش لينبت الحشيش!