سفيرة السعوديّة في واشنطن: لا يمكن مواجهة التحدّيات الحاليّة من دون تحالف أميركيّ سعوديّ فعّال
أكّدت سفيرة السعودية في واشنطن ريما بنت بندر آل سعود أنّ المخاطر الوجودية اليوم لا يمكن حلّها من دون تحالف أميركي سعودي فعّال، واعتبرت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمملكة لحظة مهمّة لوضع رؤية مشتركة لكيفيّة مواجهة هذه المخاطر. وقالت: “نحن نتصوّر مستقبلاً لا تغرق فيه منطقتنا في الصراع، بل تركّز بالأحرى على التعاون الاقتصادي الإقليمي والتنمية الاجتماعية والمشاريع المتعدّدة الجنسيّات التي تعود بالفوائد على الجميع. ونريد أن تكون الولايات المتحدة جزءاً من هذا المستقبل”.
كتبت السفيرة السعودية في مجلة “بوليتيكو”: “لقد مرّ ما يقرب من 80 عاماً منذ أن التقى مؤسّس بلدي، الملك عبد العزيز، بالرئيس فرانكلين روزفلت لوضع الأساس لشرق أوسط ما بعد الحرب. منذ ذلك اليوم، عمل بلدانا معاً لهزيمة الشيوعية السوفياتية، وضمان أمن الطاقة العالمي، واحتواء إيران الثورية، وطرد صدّام حسين من الكويت، وأخيراً تدمير “القاعدة” و”داعش”. ولكن ما يزال الكثير الذي يمكن لبلدينا القيام به معاً كشريكين، خاصة في هذه الأوقات المحفوفة بالمخاطر”.
وأضافت: “مع التطوّر الذي تشهده دولتي، لا بدّ أن تتطوّر الشراكة الأميركية السعودية أيضاً. وهذا هو السبب في أنّ الزيارة المرتقبة للرئيس جو بايدن للمملكة العربية السعودية محورية جدّاً. لكي تحقّق علاقتنا السلام والازدهار لشعبينا وللعالم الأوسع، يجب علينا إعادة تحديد معالم العقود الثمانية المقبلة لهذا التحالف المفصلي المهمّ. لقد ولّت الأيام التي كان يمكن فيها تعريف العلاقة الأميركية السعودية من خلال النموذج البالي والمختزل لـ”النفط مقابل الأمن”. لقد تغيّر العالم. والمخاطر الوجودية التي نواجهها جميعاً، بما في ذلك الأمن الغذائي وأمن الطاقة وتغيّر المناخ، هي مخاطر لا يمكن حلّها من دون تحالف أميركي سعودي فعّال. يجب أن توجِّه هذه الأولويّات الشراكة الأميركية السعودية في القرن الحادي والعشرين، ونحن نعتبر زيارة الرئيس بايدن لحظة مهمّة لوضع رؤيتنا المشتركة لكيفيّة مواجهة التحدّيات التي تنتظرنا”.
سنواجه أزمات كبيرة، ليس لدينا مجال للتنبّؤ ببعضها، لكن يجب على دولتينا العظيمتين مواجهة المجهول بثقة. يجب أن نتصدّى لأعظم تحدّيات اليوم
وأشارت السفيرة السعودية في واشنطن في مقالها إلى أنّه “اليوم بالكاد يمكن التعرّف على المملكة العربية السعودية مقارنة بما كانت عليه في السابق، بل حتى قبل خمس سنوات فقط. اليوم، لسنا قوة عالمية رائدة في مجال الطاقة وحسب، بل وفي مجالَيْ الاستثمار والتنمية المُستدامة. لقد أطلقنا من خلال استثمارات بمئات المليارات من الدولارات في التعليم والتكنولوجيا والتنويع الاقتصادي والطاقة الخضراء، أجندة تحوُّليّة تُطلق العنان للإمكانات الهائلة لشبابنا وشابّاتنا”.
ولفتت ريما بنت بندر آل سعود إلى أنّ “المرأة السعودية تتمتّع اليوم بالضمانات القانونية للمساواة في الأجر وعدم التمييز في مكان العمل، فيما بعض الدول الغربية لم تتّخذ مثل هذه الخطوات. اليوم، يفوق عدد النساء السعوديات عدد الرجال في معاهد ومؤسّسات التعليم العالي لدينا. وتحصل النساء على نفس حصة روّاد الأعمال في المملكة العربية السعودية كما هو الحال في الولايات المتحدة. نحن ندخل قطاعات مثل البناء والتعدين والجيش. نؤسّس شركات ونصبح رؤساء تنفيذيين ونتولّى مناصب حكومية عليا. تدعمنا حكومة مصمّمة على رؤيتنا نحقّق النجاح. وبصفتي أوّل امرأة سعودية تمّ تعيينها سفيرة، لكن لست الوحيدة، يمكنني التحدّث بشكل مباشر عن عالم الاحتمالات الجديد الذي ننشئه. إنّها قصة نجاح نأمل أن يحاكيها الآخرون”.
وأكّدت: “نحن نشجّع التسامح والحوار بين الأديان لتحقيق قدر أكبر من الاستقرار في المنطقة. ونعمل على تطوير رؤية للازدهار الاقتصادي المشترك كبديل للصراع. إنّ المملكة العربية السعودية تعيد بالفعل النظر في كيفية التعبيرعن أنفسنا والانخراط مع العالم كمجتمع وثقافة. إنّ شراكتنا مع الولايات المتحدة هي محور جهودنا، وتزداد أهميّتها الآن أكثر من أيّ وقت مضى. إذا تمّت إدارتها بشكل مسؤول، يمكننا معاً قيادة انتقال عالمي إلى مصادر الطاقة المتجدّدة، مع دفع الشرق الأوسط إلى مركز جديد لسلاسل التوريد العالمية. يمكننا ويجب علينا أن نواصل تعاوننا المهمّ في الحرب ضدّ الإرهاب، لكن ينبغي أن نتجاوز الجهود الحالية ونذهب إلى ما هو أبعد منها. لن يكتمل عملنا إذا اقتصر على قمع الإرهابيين وحسب. يجب أن نمنح شعوب هذه المنطقة أملاً أكبر في ما يتّصل بالمستقبل، وهذا هو السبب في أنّ شراكتنا المُعاد تصوُّرها تشمل التعاون الذي يراوح بين التكنولوجيات الناشئة واستكشاف الفضاء المشترك. وبالنظر إلى مكانة المملكة العربية السعودية بما هي مهد الإسلام، فإنّ الأصداء لا بدّ أنّها ستتردّد من نيجيريا إلى أفغانستان”.
وتابعت السفيرة السعودية كلامها في مقالتها بالقول: “نحن نتصوّر مستقبلاً لا تغرق فيه منطقتنا في الصراع، بل تركّز بالأحرى على التعاون الاقتصادي الإقليمي والتنمية الاجتماعية والمشاريع المتعدّدة الجنسيات التي تعود بالفوائد على الجميع. نريد أن تكون الولايات المتحدة جزءاً من هذا المستقبل، تماماً كما كانت جزءاً من بناء أمّتنا قبل ثمانية عقود. نحن الحكومات نحتاج إلى توسيع تفكيرنا لتشجيع وإثراء هذا التعاون. إنّ تحدّيات القرن الحادي والعشرين معقّدة، من الحفاظ على السلام والاستقرار الدوليَّين إلى معالجة تغيّر المناخ. ونحن في السعودية نأتي إلى طاولة المفاوضات بأفكار. دعونا ندمج أسواق منطقتنا، ونستخدم الاقتصاد لتعزيز الصداقة بين جميع جيراننا، ونؤكّد الوعد بالنموّ والازدهار كبديل للوضع الراهن”.
وأضافت: “لقد أظهر العامان الماضيان التقلّبات المتأصّلة في عصرنا، من الأوبئة العالمية إلى أزمات الغذاء والطاقة وسلسلة التوريد. نحن في المملكة العربية السعودية نتعامل مع هذه التحدّيات بعقليّة جديدة. نعتقد أنّ التحوّل العالمي إلى مصادر الطاقة المتجدّدة لا يمكن أن يحدث إلا إذا عملنا جميعاً معاً لإدارة هذا التحوّل بطريقة تضمن أمن الطاقة والنموّ الاقتصادي العالمي. لقد تبنّينا التحوّل إلى الطاقة الخضراء والتزمنا تحقيق صافي انبعاثات صفريّة بحلول عام 2060، جنباً إلى جنب مع هدف تحويل أكثر من نصف صناعة الطاقة لدينا إلى مصادر الطاقة المتجدّدة بحلول نهاية هذا العقد. كانت هذه الالتزامات تُعتبر ذات يوم غير قابلة للتصوّر بالنسبة إلى البنك المركزيّ للنفط في العالم”.
نشجّع التسامح والحوار بين الأديان لتحقيق قدر أكبر من الاستقرار في المنطقة. ونعمل على تطوير رؤية للازدهار الاقتصادي المشترك كبديل للصراع
وأكّدت السفيرة أنّنا “في الوقت نفسه نواجه أيضاً تهديدات إرثية للنظام الدولي تشكّلها الدول والمنظمات الإرهابية. ويجب أن تركّز الجهود الأميركية السعودية لضمان السلام والأمن على تعزيز التعاون وتقوية نظام قائم على القواعد، بحيث يحقّق فوائد ملموسة للجميع. وبهذه الطريقة يمكننا مواجهة رؤية الفوضى التي تروِّج لها إيران برؤية تعاون يمكن لشعوب المنطقة أن تراها وتشعر بها”.
وقالت السفيرة السعودية: “بالطبع أدرك أنّ العلاقات الأميركية السعودية مرّت ببعض الاضطرابات. ولا شكّ أنّ مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي كان فظاعة شنيعة ليس لها أيّ مبرّر. لكنّ المملكة العربية السعودية أوضحت استهجانها لهذه الجريمة على أعلى المستويات، وتمّ تحقيق العدالة في محاكمنا بأحكام صدرت ضدّ جميع المعتدين. وخرجنا من هذه المأساة الرهيبة أكثر قوّة، مع ضمانات أكثر صرامة بأنّ مثل هذه الفظائع لن تتكرّر مرّة أخرى. ونحن على ثقة تامّة بأنّ إصلاحاتنا ستثبت فعّاليتها لأنّ ما حدث قبل أكثر من ثلاث سنوات في إسطنبول لا يتوافق مع ما نحن عليه. هذا أمر لا نفعله. ولا يمكنه تحديد العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية في المستقبل”.
وأوضحت السفيرة في مقالها أنّ “العلاقة بين بلدينا صمدت أمام اختبار الزمن. وأظهر لنا التاريخ أنّ الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية خرجتا من كلّ تحدٍّ أقوى معاً، ويجب ألّا يكون المستقبل مختلفاً. عندما نتّحد، نكون قوّة هائلة من أجل الخير. وكوني نشأت في الولايات المتحدة بصفتي ابنة سفير ولديّ علاقات شخصية في كلّ من بلدينا، أرى أفقاً من الإمكانات غير المحدودة في تعاوننا. تقف المملكة العربية السعودية عند نقطة التقاء ثلاث قارّات، آسيا وأوروبا وإفريقيا، لكنّ أميركا هي الأقرب إلى قلوبنا. في غضون أسابيع قليلة، سيرى الرئيس بايدن دولة تاريخية ذات وجه جديد أصغر سنّاً. وسوف نشارك معه ومع العالم رؤية المملكة العربية السعودية للتقدّم والشراكة”.
إقرأ أيضاً: رسالات بايدن في قمّة جدّة؟
وختمت ريما آل سعود مقالتها: “إنّني على يقين من أنّنا سنواجه أزمات كبيرة، ليس لدينا مجال للتنبّؤ ببعضها، لكن يجب على دولتينا العظيمتين مواجهة المجهول بثقة. يجب أن نتصدّى لأعظم تحدّيات اليوم، من الأوبئة القاتلة وانعدام الأمن الغذائي إلى الانتقال المسؤول إلى الطاقة المتجدّدة، بالحماسة نفسها التي نجحنا بها ذات مرّة في احتواء العدوان الشيوعي والتهديدات التي تعرّض لها إنتاج الطاقة العالمي. من خلال العمل معاً يمكننا بناء المستقبل الذي نحلم به جميعاً، مستقبل يفخر به شبابنا، مستقبل نستحقّه جميعاً”.
* ريما بنت بندر آل سعود هي سفيرة المملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة منذ عام 2019.