الصدريون في الشارع: نهاية المالكي و “الإطار”؟

مدة القراءة 6 د

شكّل قرار مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، الانسحاب من الحياة البرلمانية، والطلب من نواب كتلته الثلاثة والسبعين تقديم استقالاتهم من البرلمان، صدمةً للأوساط السياسية، وأحدث إرباكاً في المشهد الذي كان يعيش صراعاً حادّاً بسبب الشروط المتبادلة لإيجاد معادلة توافقية بين مطالب الصدر بتشكيل حكومة أغلبية وطنية، ومطالب التجمّع المنافس له داخل المكوّن الشيعي المعروف بقوى “الإطار التنسيقي” المحسوب على إيران.

على الرغم من الفرصة التي سنحت أمام قوى “الإطار التنسيقي” لتصدُّر المشهد والإمساك بقرار تشكيل الحكومة الجديدة، بعد خروجهم من دائرة الضغوط التي كان يمارسها الصدر لإقصائهم أو إقصاء جزء منهم، وتحديداً تحالف “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، إلّا أنّ الأمور لا تسير بما يشتهون. فانسحاب الصدر الطوعي، ظاهراً، من العملية السياسية، أدخلهم في دوّامة البحث عن الأسباب التي دفعت الصدر إلى مثل هذا القرار، وعن الخطوة التالية التي يمكن أن يلجأ إليها زعيم التيار الصدري في حال قام “الإطار” بخطوات استكمال الاستحقاقات الدستورية.

حالة من الترقّب ما تزال تسيطر على المشهد الداخلي العراقي، خاصة في ما يتعلّق بتداعيات الخطوة التي قام بها الصدر

يُتوقَّع، في أفضل التقديرات، أن يكون “الإطار التنسيقي” قادراً على تشكيل حكومة في الأسابيع المقبلة، وقد يكون أيضاً تحت ضغط إنجاز هذا الاستحقاق في الأيام التي تسبق قمّة الرياض بين الرئيس الأميركي جو بايدن وقيادات GCC+3 (دول مجلس التعاون ومصر والأردن والعراق). وإلا فإنّ العراق سيتمثّل فيها برئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي، فتكون مشاركته غير ملزِمة للعراق بوجود رئيس مكلّف في بغداد. خاصة أنّ قيادات “الإطار” في لقاء مع الكاظمي طالبوه بعدم التوقيع على أيّ اتفاقية أو بيان يصدر عن هذه القمّة، بالإضافة إلى رسالة وجّهها عدد من النواب إلى رئاسة البرلمان يطلبون فيها إلزام رئيس الوزراء بالموقف نفسه، لأنّ الهدف من قمّة الرياض قد يضع العراق في مواجهة مباشرة مع إيران.

حكومة “الإطار” الهشّة

ستكون الحكومة المرتقبة، التي من المفترض أن يشكّلها “الإطار”، حكومةً “هشّة” ومحكومةً بالسقوف التي سبق أن رسمها الصدر قبل الانسحاب من العملية السياسية، وستسيطر عليها “مخاوف” من انفجار الشارع ضدّها، ومن اتّهامها بالعودة إلى دائرة المحاصصة وتقاسم المغانم. وهو اتّهام لا يبدو مجحفاً حتى الآن لِما تشهده حالياً أروقة “الإطار” من صراعات بين أقطابه على منصب النائب الأوّل لرئيس البرلمان، ووصول الخلافات إلى مستويات متقدّمة دفعت زعيم “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي إلى وضع إطار محدّد لمهمّة الحكومة الجديدة، خلاصته تعديل قانون الانتخابات والدعوة إلى انتخابات مبكرة جديدة. وهو خيار ذهب إليه بلغة مختلفة كلّ من زعيم “ائتلاف النصر” رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وزعيم “تيار الحكمة” عمّار الحكيم لتبنّي خيار أن تكون الحكومة الجديدة حكومة انتقالية.

وإذا ما استطاع “الإطار التنسيقي” تجاوز خلافاته الداخلية، والتوافق على حجم الدور لكلّ واحد من أقطابه، فإنّ الانتقال إلى خطوة الاتفاق على اختيار رئيس وزراء جديد يبقى معلّقاً بانتظار حصول التوافق داخل قطبَيْ المكوّن الكردي على مرشّح توافقي لرئاسة الجمهورية، وتوصُّلهما إلى تسوية بين حزب الاتحاد الوطني بقيادة بافل طالباني المتمسّك بمرشّحه برهم صالح، والحزب الديمقراطي بقيادة مسعود بارزاني الذي اختار ريبر أحمد بارزاني مرشّحاً للتحالف الثلاثي مع الصدر ومحمد الحلبوسي “إنقاذ وطن”.

في إطار الإعداد الجدّيّ لنقل المنطقة إلى مرحلة جديدة سيحاول الجانب الأميركي من خلالها بناء توازن بين أقطاب هذه المنطقة بما يسمح بتخفيف التوتّر وحالة التصعيد القائمة، خاصة بين إسرائيل وإيران. وهنا تأتي التطوّرات السياسية الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة، والحراك الدبلوماسي، وهناك أيضاً الاستعدادات المكثّفة لقمّة الرياض التي ستبحث إمكانية إقامة مظلّة إقليمية لضمان أمن اسرائيل.

 

جولة الكاظمي… الوسيط

من هنا، فإنّ الجولة التي قام بها الكاظمي وشملت السعودية وإيران، والتي تصبّ في صلب الترتيبات الجديدة في المنطقة، لم تخرج عن إطار دور الوسيط بين الطرفين الذي يقوم به رئيس حكومة تصريف الأعمال. وفي الإطار عينه يأتي  سعي الرياض وطهران إلى تسريع المباحثات الثنائية، بعيداً عن تأثيرات المفاوضات الأميركية الإيرانية، ولإخراجها أيضاً من دائرة النتائج التي قد تصدر عن القمّة الثنائية السعودية الأميركية في حال حصلت. خاصة أنّ أبرز النتائج التي أسفرت عنها جولة الكاظمي هي التفاهم على نقل المباحثات من المستوى الأمني إلى المستوى السياسي والتمهيد لإعادة التبادل الدبلوماسي.

إلا أنّ الكاظمي لم يستطع تسويق إعادة اختياره رئيساً للحكومة المقبلة، لاعتبارات إيرانية ترفض الدخول المباشر على خط الحوارات والمفاوضات العراقية حول الاستحقاقات الدستورية، وبسبب رفض أقطاب أساسيّين في “الإطار التنسيقي” إعادة تكليفه من جديد. فضلاً عن ضعف الإحتمال الذي يجعله مرشّح تسوية مدعوماً من التيار الصدري. إضافة إلى نوايا جدّيّة وإشارات واضحة من قطبَيْ التحالف الثلاثي، “إنقاذ وطن” من المكوِّنين الكردي (بارزاني) والسنّيّ (الحلبوسي وخميس الخنجر – “تحالف السيادة”)، إلى إمكانية التفاهم على صفقة استكمال الاستحقاقات الدستورية مع “الإطار”، وهو ما يعني تغييراً في مواقف هذين المكوّنين وإعادة ترتيب أولويّاتهما.

إقرأ أيضاً: إيران “استعادت” العراق… فماذا ستفعل به؟

بناء على هذه المعطيات والتطوّرات المتسارعة، فإنّ حالة من الترقّب ما تزال تسيطر على المشهد الداخلي العراقي، خاصة في ما يتعلّق بتداعيات الخطوة التي قام بها الصدر. وإذا ما كانت إحدى القراءات ترى أنّ الصدر أدرك صعوبة الذهاب في مشروع الأغلبية، وفضّل الخروج من المشهد بانتظار نضوج الأرضية في المستقبل، فإنّ ثمّة مخاوف، خاصة داخل “الإطار التنسيقي”، من أن تكون استقالة الصدر من باب المناورة السياسية والتحوّل إلى استخدام الشارع والأزمات المتراكمة لإسقاطهم أو إفشالهم، مع ما يعنيه ذلك من التأسيس لإخراجهم نهائياً من الحياة السياسية.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…