إيران “استعادت” العراق… فماذا ستفعل به؟

مدة القراءة 6 د

عندما بدأ زعيم التيار الصدري السيّد مقتدى الصدر أواسط العام الماضي 2021 نسج تحالفاته السياسية والانتخابية بهدوء وتأنٍّ وعمق مع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، أبرز أقطاب المكوّن الكردي، ومع زعيم حزب “تقدّم”، رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، أحد قادة المكوّن السنّيّ، والسعي إلى تكريسها حقيقة سياسية عبر الانتخابات البرلمانية المبكرة التي دعت إليها الحكومة الانتقالية برئاسة مصطفى الكاظمي في 10/10/2021، كان فاعلون إقليميون معنيّون بالساحة العراقية يراقبون المشهد واتّجاهاته. خاصة أنّ الانتخابات وما سينتج عنها من المفترض أن تؤسّس لخروج وإخراج العراق من تداعيات الأزمة التي نشأت نتيجة الحراك الشعبي الذي انطلق تحت مسمّى “اعتراضات تشرين”، وأُعطِي اسم “ثورة تشرين” العراقي.

حاول هؤلاء الفاعلون الإقليميون، وتحديداً الفاعل الإيراني، تلمّس المآلات التي قد تذهب إليها الأمور في حال أصرّ الصدر، بناء على الحوارات التي جرت معه، على الذهاب في خيار بناء تحالفات وائتلافات على حساب المكوّن الشيعي أو ما دأب المعنيّون بالساحة العراقية من الإيرانيين على أن يسمّوه “البيت الشيعي” ووحدته. خاصة أنّ الصدر ابتعد مبكراً عن اللقاء الذي كان يجمع أقطاب القوى الشيعية المكوّنة لهذا البيت الذي عُرف باسم “الإطار التنسيقي”، الذي أصبح المسمّى البديل لـ”البيت”، ومعتمَداً في الأدبيّات السياسية اليومية.

بذل الفاعل الإيراني جهوداً كبيرة، واستخدم كلّ ما لديه من تأثير ونفوذ للحفاظ على وحدة الموقف وتماسك الإطار التنسيقي

لم تبخل إيران على مدى الأشهر التسعة الماضية التي تلت الانتخابات المبكرة، ببذل الجهود لتدوير الزوايا في المواقف بين قيادات “الإطار التنسيقي” المحسوب على طهران، وزعيم التيار الصدري، على أمل التوصّل إلى صيغة وسطية تساعد على توفير الحدّ الأدنى الذي يرضي الطرفين ولا يذهب إلى كسر أيّ منهما، وإلى توليفة وزارية توفيقية تحقّق مطلب الصدر لحكومة أغلبية. لعلّ هذا يقلّل من مخاوف الإطار بإخراجه من العمليّتين السياسية والإدارية، آخذةً بالاعتبار سقف الشراكة في التسمية والدور والحكومة الذي طالب به، ويساعد في الحفاظ على وحدة المكوّن الذي يشكّل الهاجس الأبرز لدى القيادة الإيرانية.

الاستقالة الصدرية من البرلمان شكّلت صدمة لكلّ الأطراف العراقية، من حلفاء الصدر ومن خصومه. فشركاء الصدر من المكوّن الكردي المتمثّل بالحزب الديمقراطي والزعامة البارزانية، ومن المكوّن السنّيّ في تحالف السيادة الذي يشترك في قيادته رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وزعيم حزب “العزم” خميس الخنجر، وجدوا أنفسهم في مواجهة حقيقة جديدة جعلت من “الإطار” شريكاً لا يمكن التخلّص منه أو الالتفاف عليه في حال قرّروا الذهاب إلى خيار تفعيل الاستحقاقات الدستورية. خاصة أنّ المقاعد التي تخلّى عنها الصدر سيتمّ توزيعها على مكوّنات “الإطار”، وفق ما تقرّره المحكمة الاتحادية ومفوضيّة الانتخابات.

 

“الإطار” تحت الضوء

في المقابل، لا يبدو المشهد داخل “الإطار التنسيقي” أقلّ تعقيداً. فعلى الرغم من تحوُّله إلى الطرف المقرّر في استحقاق رئاسة الحكومة، فإنّ الإرباك يبدو واضحاً بين قياداته المنقسمة. فهناك فريق يريد المضيّ في تفعيل الاستحقاقات والتعامل مع نتائج الحدث وتلقّف الفرصة التي أتاحها الانسحاب الصدريّ من البرلمان، وأبرز مَن يمثّل هذا التوجّه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وزعيم عصائب أهل الحقّ قيس الخزعلي. وفريق آخر يتخوّف من تداعيات هذا الحدث، ويلتزم الثوابت التي شكّلت أداة ومادّة المواجهة مع مشروع الصدر، وتقضي بضرورة عدم استثناء أيّ من أطراف المكوّن الشيعي في العملية السياسية وتشكيل الحكومة. وهو تيّار يمثّله رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي والسيد عمّار الحكيم وزعيم تحالف الفتح هادي العامري ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض.

القيادة الإيرانية بحاجة إلى الورقة العراقية في قبضتها، ولذا تمنع كلّ الجهود التي يبذلها الفاعلون الإقليميون الآخرون، وتحديداً الفاعل الإسرائيلي، من أجل إحداث تغيير

بعدما انتقل “الإطار التنسيقي” من ضفّة المعطّل إلى ضفّة الدعوة إلى تحمّل المسؤولية، بات أمام تحدّي السعي إلى أن يكون المكوّن الشيعي القادر على تقديم شخصية متوازنة تستطيع قيادة البلاد في هذه المرحلة الدقيقة والحسّاسة، إذ صار من مسؤولية الإطار، خاصة أنّ التوجّه المسيطر بين مكوّناته يغلّب ضرورة العمل على تشكيل حكومة في الشهرين المقبلين على أبعد تقدير، تأليف حكومة تعتمد على بعد وطني وتضمّ جميع المكوّنات والقوى السياسية، بالشراكة مع القوة الجديدة الناهضة التي يمثّلها المستقلّون.

وإذا ما كانت مخاوف الإطار من المرحلة المقبلة تبدو حقيقية لجهة جهله بما يمكن أن يلجأ إليه الصدر في القادم من الأيام، فإنّ السؤال الأبرز يبقى: هل يلجأ إلى تحريك الشارع الذي عمل على تحشيده وتأطيره في الأسابيع الأخيرة بشكل لافت وعبر رسائل واضحة مهّدت لقرار الاستقالة والانسحاب من البرلمان، ثمّ يعمل على إسقاط الحكومة في الشارع وفرض انتخابات مبكرة جديدة، يكون هو المتحكّم بنتائجها وتوجّهاتها بالحصول على الأكثرية التي لا لبس فيها داخل البرلمان الجديد؟

 

دور إسرائيلي؟

على الرغم من هذه الصورة التي تبدو مربكة للقوى العراقية، إلا أنّ الفاعل الإقليمي الإيراني يبدو أكثر ارتياحاً وأقلّ إرباكاً في الظاهر، على قاعدة القدرة على تجاوز المرحلة وإدارة المخاطر المحتمَلة بأقلّ الخسائر الممكنة، تحت سقف الموقف الحاسم الرافض لأيّ شكل من أشكال الاقتتال الداخلي. وهو لن يسمح لأيّ طرف بالتفريط بهذا المستجدّ السياسي، خاصة أنّه لم يضع الأزمة مع الصدر على مستوى الصراع معه ومَن يمثّل، بل حاول التوصّل معه إلى تسوية تُبعد العراق في هذه المرحلة عن أن يكون مصدر تهديد لأمنها ومشروعها الاستراتيجي في الإقليم.

بذل الفاعل الإيراني جهوداً كبيرة، واستخدم كلّ ما لديه من تأثير ونفوذ للحفاظ على وحدة الموقف وتماسك الإطار التنسيقي، ومنع بكلّ قوّة كلّ محاولات اختراق صفوفه، ومنع انسياق البعض وراء مغريات الشراكة والمشاركة التي قدّمها الصدر للبعض منهم، ولذلك لن يسمح الآن بفشل الإطار في استكمال الاستحقاقات الدستورية وانتخاب رئيس جمهورية واختيار رئيس وزراء.

إقرأ أيضاً: الصدر ينسحب.. ويحضّر “لانتفاضة شعبية”

القيادة الإيرانية بحاجة إلى الورقة العراقية في قبضتها، ولذا تمنع كلّ الجهود التي يبذلها الفاعلون الإقليميون الآخرون، وتحديداً الفاعل الإسرائيلي، من أجل إحداث تغيير في موازين القوى، ونقل العراق إلى معسكر معادٍ لها، بعدما تحوّلت الساحة العراقية إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين هذين الفاعلين. وهي لن تتردّد في وضع كلّ قدراتها لإنجاح الحكومة المقبلة، والحفاظ على المعادلة القائمة على الأقلّ لمدّة سنة يتّضح خلالها مصير الحوار والجدل بين إيران والولايات المتحدة المتّصلين بأزمة الاتفاق النووي والعقوبات الاقتصادية، إضافة إلى ما يمكن أن يترافق مع هذا الحوار من نقاشات وتفاهمات في الملفّات الإقليمية الأخرى.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…