ماذا يريد باسيل مقابل الطاقة؟

مدة القراءة 9 د

فعلها الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي بتقديمه تشكيلته الوزارية إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بعد 15 ساعة على انتهاء استشاراته مع الكتل النيابية للاطّلاع على تصوّراتها للحكومة المقبلة، في سرعة قياسية مقارنة مع المدّة التي يستغرقها الإقدام على خطوة كهذه، وفق تجارب السنوات الماضية، ولا سيّما خلال عهد الرئيس ميشال عون. لكنّ هذه السرعة لا تعني حكماً أنّ الحكومة سترى النور. وهناك مَن يرى أنّها جاءت في سياق “المماحكة” بينه وبين الفريق الرئاسي ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، وتسجيل النقاط.

إذا كانت السرعة التي تحرّك فيها ميقاتي تحقّق أهدافاً عدّة في وقت واحد، فإنّها توخّت حسب أوساط رئيس حكومة تصريف الأعمال “تضييق هامش المناورة وتقييد لعبة الشروط” التي يطرحها الفريق الرئاسي وباسيل على تشكيل الحكومة. ولذلك فضّل تسريع الخطى لرفع التهمة عنه بأنّه سيتمهّل في طرح تصوّره الحكومي، مطمئِنّاً إلى أنّه سيواصل إدارة الأمور من خلال حكومة تصريف الأعمال التي تواصل عملها خلال ما تبقّى من عمر العهد، على أن تتولّى هي صلاحيّات الرئيس في حال لم يُنتخب خليفة عون قبل 31 تشرين الأول المقبل. وهي “تهمة” أكثر من يروِّج لها من الفرقاء هو “التيار الوطني الحر”، الذي يلوّح بعدم شرعية تولّي صلاحيات الرئيس من قبل حكومة غير مكتملة الصلاحيات لأنّها مستقيلة منذ 22 أيار تاريخ بدء ولاية البرلمان الجديد.

يراهن مقرّبون من ميقاتي على اتّساع الخلاف بين “الثنائي” وباسيل إذا أصرّ فريقه على تغيير طائفة وزير المال

نزع “الطاقة” من يد باسيل

مع أنّ توقّع بقاء حكومة تصريف الأعمال لا يقتصر على “التيار الوطني الحر”، بل يشمل القوى السياسية قاطبة، نظراً إلى اقتناعها بصعوبة، إذا لم يكن استحالة، قبول عون بتوقيع مراسيم تأليف حكومة لا تلبّي مطالبه ومطالب صهره منها ومن القرارات التي يصرّان على اتّخاذها فيها، فإنّ الهدف الثاني الذي قد يتقدّم على سائر الأهداف، والذي أراده ميقاتي من وراء مفاجأته الفريق الرئاسي بسرعة تقديمه مسوّدة الحكومة العتيدة، هو انتزاع حقيبة الطاقة من “التيار الوطني الحر”، بعدما تفرّد بتولّيها منذ عام 2009، وهي مسألة جوهرية تشير إلى الحدّة التي سيكون عليها الخلاف على خطة الكهرباء في الأشهر المقبلة.

وعلى الرغم من أنّ تشكيلة ميقاتي لن ترى النور، فإنّ الرئيس المكلّف لبّى رغبات أكثرية القوى السياسية اللبنانية بإيكال هذه الحقيبة إلى وزير لا يأتمر بتوجيهات باسيل، ويخالف تصوّراته لتأهيل هذا القطاع الذي يشكّل النهوض به، وفق مقاييس مهنية وشفّافة تعتمد الحوكمة، المعيار الأساسي لجدّية السلطة اللبنانية في الإصلاحات البنيوية. وهذا المعيار هو نفسه الذي يصرّ عليه المجتمع الدولي منذ مؤتمر “سيدر” في نيسان 2018، إذ يعتبر مشكلة الكهرباء في لبنان “فضيحة مدوّية” لأنّها أحد الأسباب الرئيسة لتنامي العجز، وتفاقم الدين وفجاجة الفساد، واستطراداً لانزلاق البلد نحو الأزمة الاقتصادية والمالية الكارثية التي يمرّ فيها منذ 2019، وذلك نتيجة إصرار وزراء “التيار الوطني الحر”، بتوجيه من باسيل، على رفض اعتماد المقاييس المذكورة بدءاً بتشكيل الهيئة الناظمة للقطاع من اختصاصيين ذوي كفاية لإدارته، بدلاً من إطلاق يد الوزير فيه، وإخضاعه لطموحات السلطة السياسية.

علاوة على تكريسه مبدأ نزع هذه الحقيبة من “التيار الوطني الحر”، باقتراح مسوّدته الحكومية تغيير الوزير وليد فياض، بحجّة أنّه اختلف معه على سحب بندين يتعلّقان بإطلاق تأهيل الكهرباء في آخر جلسة لمجلس الوزراء قبل أن يتحوّل إلى تصريف الأعمال، وأن يتولّى الوزارة الاختصاصي في مجال الطاقة وليد سنّو، فإنّ الأهداف الأخرى التي توخّاها ميقاتي من خلال مسوّدته لها دلالاتها أيضاً. ويمكن تعدادها كالآتي:

– فضّل الرئيس المكلّف هذه المرّة القفز فوق التشاور مع باسيل، خلافاً لِما حصل عند تشكيل حكومته المستقيلة، حين اضطرّ إلى أن يلتقيه بعيداً عن الأضواء، وتولّى وسيط نقل الاقتراحات بينهما، تطبيقاً للقاعدة التي ابتدعها عون مع كلّ رئيس حكومة بالطلب إليه “روح شوف جبران” في ما يخصّ تسمية الوزراء المسيحيين وتوزيع الحقائب. وكان باسيل قد اعتاد التدخّل في كيفيّة توزيع الحقائب حتى على الوزراء المسلمين، والمسيحيين غير المنتمين إلى تيّاره. لكنّ تجاوز هذه القاعدة لن يمرّ من دون اعتراض عوني، خصوصاً أنّ باسيل كرّر قبل الاستشارات النيابية غير الملزمة، التي التقى خلالها هو وتكتّله النيابي ميقاتي الثلاثاء الماضي، استعداده “للتعاون من أجل التأليف”، على الرغم من أنّه أعلن، قبل الاستشارات وبعدها، عدم الرغبة في المشاركة في الحكومة. ويأمل رئيس الحكومة أن يسجّل عدم انجراره إلى التشاور مع باسيل في التأليف نقطة لمصلحته في العلاقة مع المراجع والقيادات السنّيّة التي كانت أبدت انزعاجها من فرض هذا الشرط على الموقع السنّيّ الأوّل في السلطة، ومن الافتئات على صلاحيات رئاسة الحكومة، مثلما حصل مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الذي اضطرّ إلى الاعتذار عن عدم التأليف العام الماضي لهذا السبب وغيره.

وإذ نقل البعض إلى ميقاتي ملاحظة الفريق الرئاسي أنّه قدّم تشكيلته من دون التشاور مع جبران، كان ردّه بأنّه لم يتشاور مع أحد. إلا أنّ أوساط “التيار الوطني الحر” روّجت لاتفاق ميقاتي مع رئيس البرلمان نبيه برّي، ومساعد الأمين العام لـ”حزب الله” الحاج حسين الخليل، وبالواسطة مع رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط.

إسناد المسوّدة حقيبة الطاقة إلى وليد سنّو السنّيّ، الذي حلّ في التوزيع الطائفي مكان السنّيّ الآخر في وزارة الاقتصاد أمين سلام، أدّى إلى احتجاج “التيار الوطني الحر”

جائزة ياسين جابر

– مقابل حصر نزاعه بالفريق العوني عبر اقتراحه نزع الطاقة منه، أبقى على أسماء وحقائب “الثنائي الشيعي”، ولم يغيّر منهم سوى وزير المال يوسف الخليل الذي يرغب في ترك الحكومة لأسباب خاصة، والذي حلّ محلّه الوزير والنائب السابق ياسين جابر. وهو أمر يرضي برّي الذي كان وعد جابر، بعد عزوفه عن الترشّح للانتخابات النيابية، بأنّه سيسمّيه وزيراً في أوّل حكومة من جهة، ولأنّه يرفض طلب باسيل وعون إيكال المال إلى غير شيعي، في إطار مداورة كاملة في الحقائب من جهة ثانية. وبقي الوزيران المحسوبان على “حزب الله” في موقعيهما (الأشغال والعمل)، فضمن ميقاتي بذلك عدم تضامن الأخير مع حليفه باسيل وتحييده. وتردّد أنّ ذلك جاء نتيجة لقاء بين ميقاتي وحسين الخليل ليل الإثنين الماضي. ويراهن مقرّبون من ميقاتي على اتّساع الخلاف بين “الثنائي” وباسيل إذا أصرّ فريقه على تغيير طائفة وزير المال. وبالإبقاء على المال لوزير شيعي يقطع ميقاتي الطريق على إلحاح باسيل وعون على إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي كرّر باسيل مطالبته بالتعهّد بتغييره، أثناء لقائه ميقاتي الثلاثاء، فكان ردّ ميقاتي أنّ هذا أمر يتوقّف على ما يقترحه وزير المال “وليس عندي”. والمعروف أنّ الرئيس برّي يرفض طلب الفريق الرئاسي هذا خشية تعيين بديل موالٍ له في الموقع الماليّ الأوّل في البلد.

– إنّ إسناد المسوّدة حقيبة الطاقة إلى وليد سنّو السنّيّ، الذي حلّ في التوزيع الطائفي مكان السنّيّ الآخر في وزارة الاقتصاد أمين سلام، أدّى إلى احتجاج “التيار الوطني الحر” على إسناد الاقتصاد إلى أرمني هو وزير الصناعة الحالي جورج بوشيكيان، ممثّل حزب “الطاشناق” في حكومة تصريف الأعمال، الحليف المفترض لـ”التيار الوطني الحر” في “تكتّل لبنان القوي” والراغب في التمايز عنه. فـ”التيار”، من باب الجدل والاعتراض على مقاييس التوزيع، رأى أنّه يجب أن يحلّ أرثوذكسيّ يسمّيه هو مكان سلام، مقابل تسمية سنّيّ بدلاً من فياض في الطاقة. وهذا خلق مزيداً من الحساسية بين الفريق العوني والحزب الأرمني. وهناك من يقول إنّ باسيل سيُحرَج أيضاً أمام وليد سنّو، لأنّه سبق أن تواصل معه قبل سنة من أجل اقتراحه وزيراً لحقيبة الاقتصاد في حكومة ميقاتي المستقيلة، لكن لم يكن متحمّساً، فاقترح أمين سلام بديلاً.

– بإمكان ميقاتي أن يزعم أنّه أخذ نتائج الانتخابات في الاعتبار، إذ إنّه في تغيير أسماء 4 وزراء وإبقاء القديم على قدمه في تشكيلة الـ24 وزيراً، أنقص حصّة “التيار الحر” وزيراً واحداً هو فياض بعد انخفاض عدد نوّابه. وبدّل الوزير الدرزي الثاني عصام شرف الدين المنتمي إلى النائب طلال أرسلان، الذي سقط في الانتخابات، بوزير درزي لا يعترض عليه جنبلاط، في محاولة لاستيعاب انتقادات الأخير لأدائه في بعض القرارات، ومنها تلزيم رصيف الحاويات في مرفأ بيروت لشركة فرنسية له مصالح عمل معها.

لكنّ هذه الأهداف أو النقاط مجتمعة التي يمكن تسجيلها لمصلحة مناورة ميقاتي لن تنتج حكومة في نظر أحد السياسيين البارزين. فمهما حصل يبقى البلد عالقاً بمشنقة توقيع عون على أيّ مسوّدة حتى تصبح شرعيّة. وهو لن يوقّع على مسوّدة ميقاتي، والنتيجة أنّ الملفّات الأساسية، التي يشتكي الوسط السياسي من التأخُّر في تحقيق أيّ تقدّم فيها، ولا سيّما الطاقة، ستبقى في يد وزراء موالين لـ”التيار الحر”، من موقع تصريف الأعمال. ويتوقّع السياسي نفسه أن يصنّف عون مسوّدة ميقاتي في سياق استمرار المماحكة السياسية في البلد، فيبقى البلد مشلولاً إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. بل إنّ بعض أوساط ميقاتي يرصدون ما سينويه “التيار الحر” من خطوات تصعيدية ضدّه عبر الوزراء الموالين له في حكومة تصريف الأعمال، يهيّئ لها باسيل في لقاءات يعقدها معهم، ومنها رفض المشاركة في أيّ اجتماع لمجلس الوزراء قد يدعو إليه للضرورة لمناقشة ملفّات مهمّة، مثل ملفّ الكهرباء.

إقرأ أيضاً: باسيل “يستغني” عن وزير الطاقة.. وعون يريد جريصاتي؟

هناك وجهة نظر أخرى تتبناها جهة نيابية نافذة في عديدها. يقول أصحاب وجهة النظر هذة أنّ باسيل يعلم أنّه لا يستطيع الاحتفاظ لتياره بوزارة الطاقة في أيّة حكومة جديدة سواءً المطروحة الآن، أو التي ستشكّل بعد انتخابات رئاسة الجمهورية مهما تأخّرت. ويعلم أيضاً أنّ لا أحد سيجاريه في إقالة رياض سلامة حتى انتهاء ولايته في أيار 2023. لذلك فإنّه يطالب بوزارة “سياديّة حساسة” ومهمّة مقابل التنازل عن الطاقة.

هل يقبل ميقاتي بالمبادرة؟

المفاضلة هنا صعبة جداً على الرئيس ميقاتي.. حتى الآن..

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…