يتزايد الحديث عن احتمال عودة طاولة المفاوضات غير المباشرة في ملفّ ترسيم الحدود البحرية مع قرب تسليم الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الجواب الإسرائيلي على الاقتراح اللبناني.
لكن بأيّ وفد سيعود لبنان إلى مفاوضات الناقورة؟
الوفد العسكري التقني اليوم “مُحال إلى التقاعد”. ومعلومات “أساس” تفيد أن ليس من جهة سياسية أو رئاسية راجعت قيادة الجيش في شأن إعادة تشكيل الوفد اللبناني المفاوِض.
وفق مصادر باسيل ترك رئيس التيار الوطني الحر “ورقة الـ 29 خياراً أخيراً في حال وصول وساطة هوكشتاين إلى حائط مسدود، حيث إنّ توقيع مرسوم الـ 29 سيدشّن مرحلة مواجهة سياسية وعسكرية
لا يتوقّف موضوع “تطيير” الوفد اللبناني على معطى أساسي هو إحالة رئيسه العميد بسام ياسين إلى التقاعد في تشرين الأول الماضي وعدم تعيين بديل عنه حتى الآن، بل ثمّة توجّه بَرَزَ في الأشهر الماضية قضى بإبعاد الجيش عن الواجهة بالتزامن مع توقّف مفاوضات الناقورة منذ أيار 2021 وعودة كرة التفاوض “مركزياً” إلى قصر بعبدا.
في هذا السياق لا يمكن تجاهل معادلة فاقعة أفرزتها إدارة ملف الترسيم البحري منذ بدء المفاوضات: فمقاربة الجيش للمفاوضات تركّزت على الدفاع المستميت عن الخط 29 الذي يمنح لبنان 1430 كيلومتراً مربعاً إضافية في مياهه، وضرورة “تشريع” وجوده كورقة تفاوض قويّة في الأمم المتحدة.
لكنّ “إدارة” بعبدا للملف تركّزت في المقابل على “شيطنة” هذا الخيار في مراحل التفاوض الأولى وصولاً إلى حدّ اتّهام الجيش بجرّ لبنان إلى صراع غير محسوب النتائج، واتّهامه “بالضغط على رئيس الجمهورية لتوقيع مرسوم ملغوم أو محاولة إيقاعه في الفخّ عبر دفعه إلى أن يبعث رسالة إلى الأمم المتحدة في شأن تعديل الحدود”. هي تهمة طالت مباشرة الجيش ومستشار الرئيس ميشال عون السابق طوني حداد، وكلّ من يدور في فلك المناداة بحقوق لبنان الضائعة.
انتهت مهمّة الجيش بعد إثباته بالأدلة وبمنطق القوانين الدولية وجود حقوق للبنان تتخطّى الخط 23، لكنّ الرهان الرئاسي بقي قائماً على دور الوسيط الأميركي في حلّ النزاع اللبناني-الإسرائيلي. ومع قرب الإفصاح عن موقف تل أبيب من اقتراح لبنان القائم على معادلة “الخط 23 + حقل قانا”، أطلق باسيل منذ أيام موقفاً تحذيرياً “بضرورة المبادرة والذهاب نحو الخط 29”.
تفيد المعلومات في هذا السياق أنّه إثر كلام باسيل جرى تواصل بين النائب الياس بو صعب والوسيط الاميركي أبلغه فيه أن كلام رئيس التيار يأتي ضمن إطار الاستثمار الداخلي لا أكثر!
مصادر باسيل… والورقة الأخيرة
وفق مصادر باسيل ترك رئيس التيار الوطني الحر “ورقة الـ 29 خياراً أخيراً في حال وصول وساطة هوكشتاين إلى حائط مسدود، حيث إنّ توقيع مرسوم الـ 29 سيدشّن مرحلة مواجهة سياسية وعسكرية، وهو الأمر الذي حاولت السلطة السياسية تجنّبه سابقاً”.
انتهت مهمّة الجيش بعد إثباته بالأدلة وبمنطق القوانين الدولية وجود حقوق للبنان تتخطّى الخط 23، لكنّ الرهان الرئاسي بقي قائماً على دور الوسيط الأميركي في حلّ النزاع اللبناني-الإسرائيلي
تضيف المصادر: “لكن ليس الخط 29 الذي سوّق له الجيش. فباسيل تحدّث بوضوح عن خط معدّل ينطلق من الناقورة، أي الخط 23، ويتوسّع جنوباً ليضمّ حقل قانا، ومساحات إضافية لا تصل إلى حدود الخط 29. أي هناك التزام لبناني بمساحة متنازَع عليها بين الخطّين 23 و29 لا يدخل حقل كاريش من ضمنها”.
شكّل إعلان قيادة الجيش قبل أشهر انتهاء “مهمّته التقنية” في ترسيم الحدود البحرية نقطة تحوُّل في الملف. وقد أعاد العماد جوزف عون في 13 حزيران الجاري من كلية فؤاد شهاب التذكير بالأمر، مؤكّداً وقوف الجيش “خلف السلطة السياسية في أيّ قرار تتّخذه، ولسنا معنيّين بأيّ تعليقات أو تحليلات أو مواقف، سواء أكانت سياسية أم إعلامية”.
في واقع الأمر، ليس من وفد رسمي لبناني اليوم إلى مفاوضات الناقورة. من جهة الجيش كان رئيس مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش المقدّم عفيف غيث يحضر اجتماعات بعبدا التقنية التي سبقت “طبخ” لبنان موقفه الموحّد بشأن العرض الإسرائيلي المتعلّق بالخط المتعرّج الذي ينتقص من مساحة الخط 23.
وفد مدني؟
يستبعد متابعون للملف إعادة تفعيل الطاقم القديم للوفد المفاوض في ظل التغيير في استراتيجية التفاوض. إذ لا يمكن إسقاط القراءة القديمة التي اتبعت في منهجية التفاوض في ضوء المتغيرات السياسية التي استجدت في طرح هوكشتاين والرد اللبناني عليه. وفي منظار هؤلاء أنّ أي مطلع على الملف من الناحية التقنية لا يمكن أن يتبنى الطروحات الجديدة والتنازلات المفترضة.
سبق لباسيل قبل نهاية مهمّة الوفد العسكري المفاوض أن طالب بـ”تشكيل لبنان سريعاً وفد تفاوض جديداً برئاسة ممثّل عن رئيس الجمهورية وعضوية ممثّلين عن رئيس الحكومة ووزارات الخارجية والأشغال والطاقة والجيش لاستكمال التفاوض مع إسرائيل، ومراجعة التفاوض مع قبرص، وبدء التفاوض مع سوريا، وفق معيار واحد وطريقة واحدة في ترسيم الحدود”.
إقرأ أيضاً: حكومة ميقاتي: “تفعيل” لا تأليف!
لا يزال إعطاء أيّ طابع مدني للوفد المفاوض يصطدم بممانعة حزب الله الذي أعلن بعد صمت طويل استعداده لخوض مواجهة عسكرية في ملف الترسيم بالتزامن مع تكليف النائب السابق نواف الموسوي الإشراف على ملف ترسيم الحدود البحرية على رأس فريق كبير من أصحاب الخبرة في الحزب.
الجدير ذكره أنّ التركيبة القديمة للوفد تألّفت من كلّ من العميد بسام ياسين (رئيساً)، وعضويّة العقيد مازن بصبوص والخبير نجيب مسيحي وعضو هيئة قطاع البترول وسام شباط.