باستثناء المطالبة الصريحة لنواب “تكتّل الاعتدال الوطني” بالتمثّل بوزيرين أو ثلاثة في الحكومة المقبلة لا ضغوط علنية للتوزير على الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي رُصِدت في يومَيْ الاستشارات النيابية غير الملزمة.
لكنّ الأخير يتحرّك فعليّاً ضمن هامش ضيّق وصعب في ظلّ المقاطعة الواسعة لحكومته وما تضعه رئاسة الجمهورية والنائب جبران باسيل وقوى سياسية من “شروط” عليه في ما يتعلّق بشكل الحكومة و”صلاحيّاتها الاستثنائية” والتعديلات الوزارية المقترحة والتوازنات فيها ودخول قوى سنّيّة مضارِبة له في التسمية، وصولاً إلى يوم الثقة الذي قد يكون محفوفاً بمخاطر سقوط حكومته في مجلس النواب.
باتت ثقة الـ 85 نائباً، التي نالتها حكومة ميقاتي السابقة، من “الذكريات” الحكومية. وفي مقابل 15 نائباً حجبوا الثقة في أيلول 2021 يُقدّر حاجبو الثقة راهناً بأكثر من 70 نائباً لن يمنحوا الثقة للرئيس المكلّف بـ 54 صوتاً. والجدير ذكره أنّ الكتل السياسية التي منحت حكومة ميقاتي السابقة ثقتها كانت “لبنان القوي”، “التنمية والتحرير”، “الوفاء للمقاومة”، “اللقاء الديمقراطي”، تيار “المردة”، الحزب القومي، “الوسط المستقلّ”، وستّة نواب مستقلّين.
قد لا يذهب وليد جنبلاط بعيداً في “التمرّد” الحكومي فيطلب من “اللقاء الديمقراطي” منح الثقة لحكومة ميقاتي، وهو ما لوّح به فريق جنبلاط من خلال الحديث عن “التعاون وتسهيل التشكيل”.
يقول قريبون من باسيل إنّ رئيس التيار “لن يقبل بحكومة “معدّلة” أو حكومة جديدة لا تأخذ قرارات حاسمة في الفترة الفاصلة عن انتخاب رئيس الجمهورية في ملفّات أساسية
لكنّ قوى “الممانعة” لنجيب ميقاتي، تكليفاً وتشكيلاً، باتت معروفة، وهي ستقسِم مجلس النواب إلى ثلاثة أرباع مقابل ربع، خصوصاً في حال قرّر باسيل حجب الثقة هذه المرّة.
ستكون النتيجة ثقة هزيلة شبيهة بـ “ثقة التكليف”، ولا شيء سينتقص من قانونيّتها إذا تدنّت عن نسبة النصف زائداً واحداً، لكن بالتأكيد ستتكفّل بوضع اللمسات الأخيرة على مراسم دفن “الميقاتية الحكومية” مع نهاية العهد، مشيرةً إلى صعوبة عمل الحكومة في الفترة الفاصلة عن انتخابات رئاسة الجمهورية.
الثقة الأكثر هزالةً
يقول مصدر مختصّ لـ”أساس” إنّ هذه الثقة قد تكسر الرقم القياسي الذي نالته حكومة عمر كرامي عام 2004 بنيلها ثقة 59 نائباً، وأقلّ من سكور الثقة لحكومة ميقاتي عام 2011 الذي بلغ 63 نائباً، والذي تكرّر مع الرئيس حسان دياب الذي نالت حكومته ثقة 63 نائباً في شباط 2020.
يُذكر أنّ الدستور لم ينصّ على أكثرية محدّدة لتنال الحكومة الثقة على بيانها الوزاري، ولذلك الأكثرية المطلوبة هي الأكثرية العاديّة من مجموع الحضور. فيما نصّت المادّة 34 من الدستور على أن “لا يكون اجتماع المجلس قانونياً ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلّفونه” (نصاب الحضور 65 نائباً).
يبقى كلّ هذا السيناريو افتراضياً بسبب عدم حسم فرضيّة نجاح نجيب ميقاتي أصلاً في تشكيل حكومته. تفيد معلومات في هذا السياق أنّ موقف النائب جهاد الصمد أمس لم يأتِ من عبث، وقد يكون الأقرب إلى طريقة تفكير ميقاتي لجهة “تفعيل الحكومة الحالية، إمّا عبر إعطائها الثقة مجدّداً أو عبر التوسّع في تصريف الأعمال على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات”، لكن بعد استنفاد سبل التوافق.
هذان الخياران هما الأقرب إلى “هدف” الرئيس المكلّف، مع تعديلات وزارية محدودة جدّاً تطول أربعة أو خمسة وزراء، ثمّ تنال الحكومة الثقة مجدّداً أمام مجلس النواب في حال سقوط مسعى توسّع حكومة تصريف الأعمال في صلاحياتها. وهو مسار يعمل عليه، كخيار محتمل، الفريق القانوني الاستشاري للرئيس المكلّف.
يتقاطع هذا الموقف بوضوح مع موقف حزب الله الذي نَصَحَ على لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم “بأسهل الطرق لتشكيل حكومة جديدة ولو عبر تعديل بعض الأسماء لإدخال من يرغب إلى التركيبة الحكومية الحالية”.
لكنّ موقف النائب باسيل أمس تراوح بين حدّين:
– الأوّل هو التلويح بأنّ قرار المشاركة في الحكومة “قيد الدرس”، فيما أعلن الطاشناق، حليف التيار الوطني الحر، أنّه سيشارك في الحكومة. وبدا لافتاً في هذا السياق إعادة باسيل التذكير بعدم ميثاقية التكليف (مسيحياً)، “لكنّنا تغاضينا عن ذلك بسبب وضع البلد”، مع أنّ باسيل نفسه هو صاحب معادلة “الميثاقية في التأليف وليس التكليف” التي طرحها خلال تشكيل ميقاتي حكومته السابقة.
وقد استدعى موقف باسيل ردّاً “على الحامي” من محيط ميقاتي الذي رفض ادّعاء التيار الوطني الحر والقوات تمثيلهما المسيحيين، وقال: “التكتّل الوطني المستقلّ الذي سمّى ميقاتي ويضمّ طوني فرنجية وفريد هيكل الخازن وميشال المر يمثّل نحو 50 ألف صوت مسيحي”.
– الثاني هو الردّ على احتمال بقاء حكومة تصريف الأعمال أو “روتشتها” بتأكيده رفض “بقاء الحكومة كما هي منزوعة الصلاحيات”.
يقول قريبون من باسيل إنّ رئيس التيار “لن يقبل بحكومة “معدّلة” أو حكومة جديدة لا تأخذ قرارات حاسمة في الفترة الفاصلة عن انتخاب رئيس الجمهورية في ملفّات أساسية مرتبطة بالتعيينات، وعلى رأسها حاكمية مصرف لبنان، أو في ما يتعلّق بالكربجة في ملف تحقيقات المرفأ وملف ترسيم الحدود وملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي”.
أمّا احتمال تفعيل حكومة تصريف الاعمال القائمة فأمر مرفوض بالمطلق من جانب باسيل. أما آلان عون فذهب باتجاه معاكس لباسيل، بقوله إنّ “المطلوب حكومة شبيهة بالحالية وتأتي لمرحلة معيّنة. هناك احتمال كبير لتشكيل حكومة جديدة، والمطلوب أن يتمّ التعاطي معنا كما باقي القوى السياسية”.
كما أشار عون إلى “احتمال إضافة ستة وزراء دولة إلى الحكومة الحالية!”.
إقرأ أيضاً: باسيل “يستغني” عن وزير الطاقة.. وعون يريد جريصاتي؟
في المقلب الآخر يتوقّع راصدو باسيل أن يضع سلّة من الشروط مرتبطة بالحقائب وأسماء الوزراء، حتّى في حال قرار عدم المشاركة المباشرة، متذرّعاً، برأيهم، بضرورة توافر الميثاقية في التأليف.