اتصالات هوكستين – الحزب: قبل المسيّرات وبعدها

مدة القراءة 7 د

في 2 تموز، أطلق حزب الله المسيّرات الثلاث غير المسلّحة فأسقطها الجيش الإسرائيلي، وتسبّب ذلك بتحذيرات إسرائيلية واتّهامات للحزب بأنّه يسعى إلى الحؤول دون حصول اتفاق على ترسيم الحدود مع لبنان، كما قال رئيس الوزراء يائير لابيد قبيل لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 5 تموز.

وفي حين لم يصدر الحزب بياناً عن “المقاومة الإسلامية” إلا بعد إفراج الجيش الإسرائيلي عن الخبر للصحافة العبرية، عمّمت أوساط “حزب الله” إنه كان أطلق مسيرات قبل ذلك، يوم الأربعاء في 29 حزيران نحو الوجهة نفسها وأنّه جرى إسقاط عدد منها وعاد العدد الآخر بعد تصوير المواقع المستهدفة. من دون أن تفصح هذه الأوساط عن عدد تلك المسيرات ولا عن عدد ما أسقط منها. كما أنّ تسريب الحزب هذا الخبر  لم يرافقه إصدار بيان رسمي. وما ترك تساؤلات حول أهداف هذا التسريب أنّ أي نبأ لم يصدر عن إسرائيل في هذا الخصوص، مثلما حصل بالنسبة إلى المسيّرات التي أطلقت في 2 تموز.

تفيد المعطيات، التي لدى الحزب عن الردّ الإسرائيلي الذي نقله هوكستين والسفيرة شيا على الاقتراح اللبناني، أنّه “ليس إيجابياً ولا يحمل تقدّماً في المفاوضات”، خلافاً لِما حاول بعض المسؤولين اللبنانيين إشاعته

في كل الأحوال، سبق إطلاق مسيّرات 2 تموز بيومين جولة للسفيرة الأميركية دوروثي شيا على الرؤساء الثلاثة نقلت خلالها معطيات من هوكستين تفيد بأنّ أجواء المفاوضات تأخذ منحى إيجابياً ما دام التشاور قائماً، وأنّ هناك سلسلة من الاتصالات لتوضيح ملاحظات طرحها الجانب الإسرائيلي حول اقتراح لبنان المرتبط برسم الخط 23 (الذي أُطلقت عليه تسمية 23 +)، بحيث يحصل لبنان على حقل قانا كاملاً على أن تُنقل معطيات التوضيح هذه في أقرب وقت ممكن إلى شيا التي بدورها ستبادر إلى نقلها إلى هوكستين.

ما نقلته شيا صاغه مصدر قريب جدّاً من المفاوضات بقوله لـ”أساس” إنّ إسرائيل لم ترفض الاقتراح الذي سلّمه لبنان لهوكستين في 14 حزيران، بل يمكن القول إنّ ردّها عليه كان شبه قبول به مع إبداء بعض الملاحظات التي سيردّ عليها لبنان، طالباً أن يكون ما نقله هوكستين مكتوباً.

استهداف لأوروبا

دفع إرسال المسيّرات الثلاث هوكستين إلى الاتّصال بالوسيط ناقل الرسائل بينه وبين “حزب الله”، سائلاً عن أسباب هذا التصعيد فيما المفاوضات متواصلة، ومؤكّداً أنّ واشنطن لا تريد مواجهةً أو حرباً قد يتسبّب بها إطلاق المسيّرات. وممّا نقله الراوي عن هوكستين (وعن السفيرة شيا التي واكبت اتصالاته)، أنّه أبلغ الوسيط بأنّ عمليّة المسيّرات واستهداف سفينة “إنرجين باور” اليونانية هما “استهداف لأوروبا” باعتبار أنّ الأخيرة تعوّل على استخراج الغاز، وتراهن على سدّ جزء من حاجتها إلى الغاز الذي تستورده من روسيا والذي ستستغني عنه بفعل العقوبات الأوروبية والأميركية على موسكو. وكان دبلوماسيون أوروبيون قد سبقوه إلى التواصل مع الحزب، وكرّروا الموقف نفسه وأنّ استهداف السفينة اليونانية استهداف لأوروبا.

ليس من عادة الجانب الأميركي أن يسرّب معطيات عن الخطوط الخلفية التي يعتمدها في التواصل مع “حزب الله” لأسباب تتعلّق بتصنيفه منظمة إرهابية من قبل واشنطن. ولذلك فإنّ بعض المعطيات التي كُشف عنها في هذا الصدد مصدرها متّصلون بالحزب قالوا إنّ الاتصالات مع الحزب أدّت إلى نقل جوابه إلى الجانبين الأميركي والإسرائيلي، وفيه أنّ ما يحصل في حقل كاريش واستعداد السفينة لمباشرة الإنتاج هما غير ما تمّ الاتفاق عليه من أنّه ما دامت المفاوضات لم تنتهِ إلى اتفاق فإنّ حقل “كاريش” يقع في منطقة متنازَع عليها، فيما كان الجواب الأميركي بأنّ “كاريش” خارج الخط 23 وليس في منطقة متنازَع عليها.

 

“تضغطون علينا وعلى إيران ولا شيء نخسره”

كان البارز في الرسالة التي نُقلت عن “حزب الله” أنّه أبلغ ناقل الرسائل بينه وبين هوكستين بعدما طلب الأخير “جواباً رسميّاً” من الحزب، كي ينقله إلى إسرائيل، بأن “ليس لدينا شيء نخسره نحن وإيران في الوضع الحالي، فأنتم تحاصروننا هنا وتضربوننا هناك وتواصلون الضغط علينا في مكان آخر” (وهو تكرار لِما نُقل إلى هوكستين خلال زيارته قبل إطلاق المسيّرات). وشمل جواب الحزب تذكيراً بأنّ لدى هوكستين “علماً بالرسالة إلا إذا كان لا يريد أخذها بجدّية ويريدون الذهاب بعيداً في تجاهل ما نقوله”. وشدّد الحزب في جوابه على أنّه “لا يمكن لإسرائيل استخراج النفط والغاز من دون أن يتمكّن لبنان من ذلك”.

تفيد المعطيات، التي لدى الحزب عن الردّ الإسرائيلي الذي نقله هوكستين والسفيرة شيا على الاقتراح اللبناني، أنّه “ليس إيجابياً ولا يحمل تقدّماً في المفاوضات”، خلافاً لِما حاول بعض المسؤولين اللبنانيين إشاعته.

إلا أنّ الوقائع عن الرسائل المتبادلة بين الوسيط والحزب وهوكستين الذي كان ينقلها بدوره إلى إسرائيل، كما كان يفعل دبلوماسيون أوروبيون، كشفت أهدافاً لإرسال المسيّرات أبعد من التأثير على التفاوض على ترسيم الحدود البحرية وبدء استخراج النفط والغاز من حقل كاريش. لطالما تجنّب الحزب الانخراط في هذه المفاوضات، وحين كانت تصدر إشارات من بعض قياديّيه تنتقد الوسيط الأميركي وتعلّق على تحرّكه، كان محيط الرئيس عون يسأل قيادة الحزب هل ترغب في أن تتوقّف المفاوضات، فكان يأتيهم الجواب: “تابعوا التفاوض ولا تتوقّفوا عند ما يصدر من المواقف والخطابات والتصريحات”.

إلا أنّ تطرّق الرسائل بين الحزب والجانب الأميركي إلى الضغوط الأميركية على إيران والضربات (الإسرائيلية) كان المقصود به تلك التي يتعرّض لها الحزب والميليشيات الموالية لإيران في سوريا، فضلاً عن الاغتيالات التي تستهدف ضباطاً في الحرس الثوري في إيران نفسها، واستمرار العقوبات على طهران والحزب أينما كان، وهو ما يعطي عملية 2 تموز بعداً إقليمياً دولياً، ويضعها في إطار أكثر شمولية.

ما نقلته شيا صاغه مصدر قريب جدّاً من المفاوضات بقوله لـ”أساس” إنّ إسرائيل لم ترفض الاقتراح الذي سلّمه لبنان لهوكستين في 14 حزيران، بل يمكن القول إنّ ردّها عليه كان شبه قبول به مع إبداء بعض الملاحظات

المناخ الإقليميّ المحيط بعمليّة المسيّرات

تعطي الوقائع المسرّبة عن تلك الرسائل المتبادلة صدقيّة للقراءة التي تربط إطلاق المسيّرات الثلاث في 2 تموز بالمشهد السياسي الإقليمي والدولي وبما سبق تلك العملية التي نفّذها الحزب، والتي يمكن تعداد بعضها كالآتي:

– قصف إسرائيل مطار دمشق في 10 حزيران واستهداف مدرج يستخدمه الإيرانيون في شكل دائم، الأمر الذي أدّى إلى وقفه عن العمل، ونشر معلومات عن توقيف مجموعة من الحرس الثوري في تركيا كانت تخطّط لقتل سيّاح ورجال أعمال إسرائيليين والقنصل الإسرائيلي في أنقرة.

– نشر مجلّة “دير شبيغل” معلومات عن مداخيل النظام السوري و”حزب الله” من تجارة المخدّرات.

– انتهاء مفاوضات الدوحة النووية لإنقاذ صيغة فيينا في 30 حزيران إلى فشل إثر رفض الجانب الأميركي مطالب إيران رفع العقوبات.

– اجتماع “مجموعة تنسيق إنفاذ القانون” التي تضمّ 30 دولة في الشرق الأوسط وأميركا الجنوبية وأميركا الوسطى وأوروبا وإفريقيا والهند والمحيط الهادئ وأميركا الشمالية، إلى جانب منظمة يوروبول، في واشنطن في 29 و30 حزيران “لمكافحة الأنشطة الإرهابية لميليشيا حزب الله”.

– القصف الإسرائيلي في صباح 2 تموز لمستودعات في مرفأ طرطوس السوري يستخدمها الحرس الثوري في تخزين أسلحة وموادّ عسكرية.

إقرأ أيضاً: مسيرات إيران.. هدّدت وحدة موقف لبنان

– اجتماع وزراء الخارجية العرب في بيروت في 2 تموز الذي اعتبر مراقبون أنّ مغزاه الرمزي هو الحضور العربي في بيروت مقابل النفوذ الإيراني.

– زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لدمشق التي رأى فيها مراقبون عرب في العاصمة السورية محاولةً لإحداث توازن مع الحضور العربي في لبنان.

– التمهيد لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة بدءاً بإسرائيل والضفة الغربية في 13 و14 تموز، ووصولاً إلى السعودية في 15 و16 تموز، حيث سيعقد بايدن اجتماعاً مع دول مجلس التعاون الخليجي، بمشاركة قادة مصر والأردن والعراق، وسيتناول خطوات خفض سعر النفط ورفع الإنتاج، والتعاون مع هذه الدول، وعنواناً كان خلافياً في السنوات الأخيرة يتعلّق بتدخّلات إيران الإقليمية. 

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…