حين كشف صائب سلام.. عمّن اغتال المفتي حسن خالد

مدة القراءة 6 د

تتيح قراءة مذكّرات صائب سلام، التي خرجت إلى النور، فرصة نادرة لمواكبة مرحلة مهمّة من تاريخ لبنان بين عامَيْ 1970 و1982. فعلى مدى ثلاث حلقات نشرتها “الشرق الأوسط” من هذه المذكّرات ونقلها أساس، نعود مع الزعيم اللبناني إلى حقبة صاخبة مرّ بها هذا البلد وما زالت آثارها قائمة حتى اليوم. ولعلّ من ميزة هذه المذكّرات لِمَن كان على معرفة بصاحبها ولو بحدود متواضعة، ككاتب هذه السطور، أنّها تضيء على خفايا كانت من حولنا تتّصل بشخصيات كبرى مرّت في ما دوّنه الرئيس الراحل.

من بحر هذه المذكّرات التي يجب الإبحار فيها، ما كتبه الرئيس سلام عن ثلاث شخصيات هي: الرئيس رشيد كرامي، مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد، وزعيم الحزب التقدّمي الاشتراكي كمال جنبلاط. وهنا لا بدّ من مواكبة ما جاء في هذه المذكّرات عن هذه الشخصيّات.

تبقى مذكّرات صائب سلام مدرسة يجب التعلّم منها جرأة القول، التي يحتاج إليها لبنان بشدّة اليوم

عشيّة التدخّل العسكري السوري في لبنان عام 1976، كتب الرئيس سلام: “في تلك الآونة، شعر “أبو عمّار” ورفاقه في المقاومة بضيقٍ شديد، فطلبوا عقد قمّة في عرمون، وتقرّر إيفاد السيّد موسى الصدر إلى دمشق في محاولة لإبلاغ السوريين مشاعر القلق التي تعترينا من جرّاء تدخّلهم العسكري، ولا سيّما بسبب ما حصل في طرابلس. وعند نهاية اجتماع القمّة المذكورة، جرت مشادّة بيني وبين المفتي الشيخ حسن خالد، كنت فيها شديد القسوة عليه، خصوصاً أنّني كنت متألّماً من موقفه (وموقف الرئيس رشيد كرامي) المتملّق لسوريا”…

هنا، لا بدّ من مراجعة واقع علاقة الرئيس كرامي والمفتي خالد بسوريا، وكيف كانت وأين انتهت؟

في كتاب “حسن الرفاعي حارس الجمهوريّة” يروي العلّامة الدستوري الكبير بعضاً من جوانب علاقة الرئيس كرامي بالرئيس حافظ الأسد. وممّا قاله الرفاعي: “قاد الفريق حافظ الأسد “حركة تصحيحية” في سوريا أوصلته إلى الحكم عام 1971. على الأثر، زاره وفد من “الجبهة الديمقراطية النيابية” الشهابية لتهنئته. وقد ضمّ الوفد: الرئيس رشيد كرامي، خليل بشارة الخوري (نجل أول رئيس جمهورية للبنان بعد الاستقلال عام 1943)، جوزيف أبو خاطر، رينيه معوّض (الذي انتُخب رئيساً للجمهورية عام 1989 بعد مؤتمر الطائف، وقُتل في انفجار في 22 تشرين الثاني من العام نفسه بعد عدّة أسابيع من انتخابه)، قبلان عيسى الخوري والرفاعي”.

 

“عروبة” كرامي “الديمقراطية”

يروي الرفاعي أنّ أول المتكلّمين في اللقاء كان خليل الخوري، فخاطب الأسد: “نحن، يا سيادة الرئيس، من أصل عربي. ووالدي كان من مؤيّدي الوحدة العربية التي نريدها أن تتمّ اليوم قبل الغد”. ثمّ تبعه في الكلام أبو خاطر، فقال: “أنا مولود في سوريا يا سيادة الرئيس”، وكان يقصد بقوله إنّه من البقاع، أي من الأقضية الأربعة التي سلخها الانتداب الفرنسي عن سوريا الطبيعية، وضمّها إلى لبنان الكبير عام 1920. عندها التفت الأسد بنباهته المعهودة إلى كرامي الذي كان صامتاً في تلك الجلسة، وسأله: “لم نسمع رأيك يا دولة الرئيس”، فأجابه كرامي: “نحن في بلد ينتمي إلى الجامعة العربية ومواثيقها التي تنصّ على المحافظة على استقلال كلّ بلد. نحن من طلّاب الوحدة العربية، لكن بعد أن يسود جميع الدول العربية نظام ديمقراطي مثل نظام لبنان، على أن يبقى لبنان آخر دولة عربية تنضمّ إلى كيان الوحدة العربية”. على أثر ذلك، سأل الرفاعي زميلَيْه رينيه معوّض وقبلان عيسى الخوري: “بالله عليكما، مَن هو الأكثر حرصاً على استقلال لبنان؟”.

كُتب الكثير عن جرائم الاغتيال التي ارتكبها النظام السوري في لبنان. ولعلّ الوقت سيأتي بمذكّرات مرموقة، كمذكّرات صائب سلام، تكشف خفايا جرائم الاغتيال

هذا عن الرئيس رشيد كرامي، فماذا عن المفتي خالد الذي استشهد عام 1989 بانفجار أثناء مغادرته بسيّارته دار الفتوى؟

خلال حوار أجراه كاتب هذه السطور مع وزير سابق كان على إلمام كامل بتلك المرحلة، على هامش حوار يتناول مذكّرات الرئيس سلام، قال الوزير إنّ المفتي الشهيد جاهر بانتقاداته للوصاية السورية مراراً قبل أن يلقى حتفه.

بالعودة إلى مذكّرات سلام، وتحت عنوان “اغتيال كمال جنبلاط وارتداداته،” سأل سلام: “مَن قتل كمال جنبلاط؟”، ثمّ أجاب: “كنّا نسمع بين الحين والآخر أسماءَ تتردّد على شفاه العالمين بالأمور، على أساس أنّها مُعرّضة للاغتيال. وكان في مقدّمة تلك الأسماء اسم ريمون إدّه واسمي واسم كمال جنبلاط واسم كميل شمعون … والآن لا أحسّ أنّ اغتيال كمال جنبلاط كان مفاجأة لي. السؤال الآن: مَن صاحب الاسم التالي على اللائحة؟”. وبعدما أورد عدداً من الاحتمالات تتعلّق بمَن يقف وراء قتل جنبلاط، روى سلام ما سمعه من الرئيس المصري أنور السادات، إذ قال: “حذّرني الرئيس السادات من خطر تعرّضي للاغتيال في لبنان، كما طلب منّي أن أبلّغ التحذير نفسه إلى الرئيس الياس سركيس، لأنّ مَن اغتال كمال جنبلاط، لن يتورّع عن اغتيالكما. وعندما انتهت المقابلة، وفي حين كان الرئيس السادات يودّعني، حذّرني مرّة أخرى من احتمال اغتيالي، وقال لي إنّني يجب أن أنتبه من السوريين”.

 

الأسد والاغتيالات

كُتب الكثير عن جرائم الاغتيال التي ارتكبها النظام السوري في لبنان. ولعلّ الوقت سيأتي بمذكّرات مرموقة، كمذكّرات صائب سلام، تكشف خفايا جرائم الاغتيال في زمن الوصاية الإيرانية أيضاً بدءاً من عام 2005، وكان افتتاحها باغتيال الرئيس رفيق الحريري.

خلال إحياء ذكرى أربعين وفاة النائب والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون الأحد الماضي، بدعوة من لقاء “سيدة الجبل”، تحدّث النائب مروان حمادة عن عقود من معرفته الوثيقة بصاحب المناسبة، وقال: “كان محمد نجم حركة أمل، وكان شريكاً في حلّ الميليشيات وجمع السلاح الثقيل والدفاع عن الجنوب. ثمّ حصل الطلاق مع هذا المناخ عندما أصبح محمد مزعجاً للحركة والوصاية السورية والإيرانيين المتأهّبين للحلول مكانها. ولو لم ينكفئ محمد لكان استشهد.”

إقرأ أيضاً: مذكرات صائب سلام (1): صارحت حافظ الأسد بمآخذي على دور سوريا في لبنان

رحم الله الرئيس صائب سلام، الذي أعادتنا مذكّراته اليوم إلى وهج الصراحة الجارحة والمثيرة للجدل. لكن تبقى المذكّرات مدرسة يجب التعلّم منها جرأة القول، التي يحتاج إليها لبنان بشدّة اليوم.

مواضيع ذات صلة

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…

السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

 لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس…