عودة الإخوان.. صناعة الوهم

مدة القراءة 6 د

استقبلت القاهرة بترحاب كبير زيارة وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وفي الطريق من فندق فورسيزونز القاهرة حيث أقام وليّ العهد، حتى قصر الاتحادية في حيّ مصر الجديدة، كانت هناك لافتات وصور تحيّي الزيارة، وترحّب بالزائر الكبير.

في أثناء الزيارة التقيتُ الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود وزير الثقافة السعودي في حفل غداء مصغّر بالقاهرة. كان الأمير متفائلاً جدّاً بمستقبل العلاقات المصرية السعودية، وبآفاق التعاون في شتّى المجالات من الطاقة إلى السينما، ومن الاقتصاد إلى اللغة العربية.

كانت هذه الزيارة ونتائجها صدمة لجماعة الإخوان، التي فوجئت باستمرار التحالف الفكري لمكافحة التطرّف ومواجهة الإرهاب. ولمّا ذهب وليّ العهد إلى تركيا، تواصلت صدمة الجماعة، وراحت تروّج لقيام وليّ العهد بوساطة بين القاهرة والإخوان عبر الوساطة بين القاهرة وأنقرة.

لقد جرى اختزال تلك التحوّلات الإقليمية المهمّة، التي تأتي في أعقاب حرب أوكرانيا، وآثارها الاقتصادية العالمية، وقبيل زيارة الرئيس الأميركي، في جملة واحدة: الوساطة بشأن الإخوان!

لم يكن ذلك صحيحاً بأيّ حال، بل إنّه كان غريباً إلى الحدّ الذي لم يلقَ أيّ تعليق من أيّة عاصمة، وكأنَّ أحداً لم يقُل شيئاً

كان لافتاً جدّاً أنّ رسالة أمير قطر لم تتضمّن تأييد الثورة فحسب، بل وتجاوزتها إلى الإشادة بدور القوات المسلّحة في حماية الثورة

الشيخ تميم في القاهرة

في صدمة أكبر لجماعة الإخوان وتيارات الإسلام السياسي، استقبلت القاهرة الشيخ تميم آل ثاني أمير قطر، الذي أشاد بالعلاقات مع مصر، وبمستقبلها الكبير.

راحَ الإخوان يكرّرون الحديث بشأن الوساطة، وراح آخرون يتحدّثون عن أنّ زيارة أمير قطر تمثّل اعترافاً رسمياً بالنظام في مصر.

في الواقع، لم يحدث أن أعلنت قطر عدم اعترافها بثورة 2013 وبنظام الرئيس السيسي في أيّ وقت. وفضلاً عن أنّ مصر لا تحتاج إلى اعتراف من أحد بشأن إدارة شؤونها، فإنّ قطر على وجه التحديد كانت أوّل من اعترف بثورة 2013 وسقوط الإخوان.

أتذكّر أنّني حين كنت مستشاراً للرئيس عدلي منصور، فوجئت برسالة أمير قطر إلى الرئاسة المصرية، وهي الرسالة التي تهنّئ الشعب بثورته، ثمّ تشيد بدور القوات المسلّحة وقائدها العامّ في حماية اختيار الشعب.

وقتذاك كان لافتاً جدّاً أنّ رسالة أمير قطر لم تتضمّن تأييد الثورة فحسب، بل وتجاوزتها إلى الإشادة بدور القوات المسلّحة في حماية الثورة.

واليوم، وبعد سنوات من القطيعة ثمّ إنهائها، تعود الدوحة إلى القاهرة، ويقف أميرها أمام الجيش في احترام شديد. إنّ ما تضمّنته رسالة الأمير بعد ثورة 2013 ظهرت في صورة الأمير عام 2022، بينما كانت جماعة الإخوان ما تزال خارج التاريخ.

جسر الجماعة

في عام 2018 تحدّث وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى مجلّة “التايم”، وفي عام 2022 تحدّث إلى مجلّة “أتلانتيك”. وفي المرّتين تحدّث وليّ العهد عن رؤيته للإخوان، وكان جوهر نظريّته أنّ الجماعة بذاتها جماعة متطرّفة، وأنّها جسر للجماعات الإرهابية الأكثر تطرّفاً.

قال الأمير محمد بن سلمان إنّ “الشخص لا يتحوّل فجأة إلى إرهابي، بل يصبح محافظاً قليلاً، ثمّ متطرّفاً قليلاً، ثمّ متطرّفاً جدّاً، وبعد ذلك يكون جاهزاً كإرهابيّ، والإخوان هم الجسر الرئيسي المؤدّي إلى ذلك”.

يشرح وليّ العهد: “عندما تتحدّث إلى الإخوان، لا يبدون وكأنّهم متطرّفون، لكنّهم يأخذونك إلى التطرّف. لقد لعبوا دوراً ضخماً في صناعة التطرّف. إنّ بن لادن والظواهري وزعيم داعش كانوا كلّهم من الإخوان. كما أنّ جماعة السروريّين في السعودية، التي أسّسها الشيخ سرور، وهي جماعة سلفية متطرّفة وإجرامية، قد خرجت، هي الأخرى، من جماعة الإخوان”.

بعد حديث وليّ العهد في “أتلانتيك” أصدر الإخوان بياناً يطلبون فيه الحوار مع المملكة، من أجل توضيح الصورة، وهو البيان الذي لم يجد في الرياض مَن يقرأه، فضلاً عن أن يجد مَن يردّ عليه.

لم يظهر في فكر الأمير محمد بن سلمان ما يشير إلى تغيّر هذه الرؤية، ولا يوجد في القاهرة بالطبع أيّ شيء يوحي بذلك، ومع ذلك اندفع تسونامي من الحديث الإخواني عن وساطة سعودية مع مصر وتركيا تتضمّن مصالحة الإخوان!

 

حرب أوكرانيا أنهت ملفّ الإخوان

لم يعُد في حوزة الجماعة ما كان لديها من قبل من حيل وألاعيب، فلقد تغيّر العالم بعد الجائحة الكورونية ثمّ الحرب الأوكرانية، وأصبحت الجماعة تفصيلاً صغيراً جدّاً، وسط هذه التحوّلات الكبرى.

دفع ملفّ الطاقة الحزب الديمقراطي الأميركي إلى البحث عن مصالح ما فوق أيديولوجية، فتجاوز مقولات سابقة بشأن الجماعة وغيرها. وبعدما كان الرئيس بايدن متجاهلاً المنطقة في أحاديثه وسياساته، ها هو يستعدّ للقدوم إليها ولقاء قادتها.

عادت تركيا التي راهنت على الجماعة عدّة سنوات، هي الأخرى إلى ما قبل الربيع العربي، وها هي تستعدّ لإرسال سفيرها إلى القاهرة، بعدما انتصرت البراغماتية على الأيديولوجيا، والاقتصاد على الخلافة.

أوقفت أنقرة الإعلام الإخواني، فراح الإخوان يفتحون خطوطاً مع المعارضة. ولمّا نشر حزب السعادة المعارض زيارة الإخوان للحزب، راح الإخوان يمتدحون إردوغان. ويضعون الزيارة في حجم صغير. وبعدما كان هدف إخوان تركيا إسقاط النظام المصري، راح القيادي يوسف ندا يؤكّد دعم الجماعة للتقارب التركي المصري، راجياً ألّا يؤدي ذلك إلى تسليم الإخوان المطلوبين للقاهرة.

 

الحبّ الحقيقيّ

تخلّت أنقرة عن المنابر الإخوانية على أراضيها. لأسباب تتعلّق بالعُمر خَفَت صوت الشيخ القرضاوي في قطر، ثمّ تلاشى. ورفضت إدارة الحوار الوطني في القاهرة دعوة أيّ شخص في الجماعة إلى الحوار، ورفضت أيضاً تضمين الإخوان لائحة العفو الرئاسي. وبينما تواجه الجماعة عزلتها الكبرى، كان الشيخ تميم في القاهرة محيّياً الدولة والجيش.

إقرأ أيضاً: بقايا إرهاب.. سيناء تنتقل من السياسة إلى الاقتصاد

لم تسلم زيارة الشيخ تميم لمصر من التعليقات الطريفة للمصريين. ففي أحد شوارع القاهرة، ارتفعت لوحة ترحيب تقول: “أرض الكنانة ترحّب بضيف مصر صاحب السموّ الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر”. ووسط دهشة البعض وسؤالهم ما الذي يحدث؟ لقد كان عدوّاً لنا؟ ما هذا الطريق الدائري؟ وما هذه التقلّبات من الأقصى إلى الأقصى؟ كان من أشهر التعليقات على تلك اللوحة والتساؤلات، استعانة أحدهم بأغنية للمطرب المصري محمد فؤاد بعنوان “الحبّ الحقيقيّ”، قائلاً: “اليافطة دي بتعلّمنا 3 حاجات:

1- بتعلّمنا نسامح.

2- بتنسّينا امبارح.

3- بتعلّمنا نفكّر دايماً في أيامنا اللي جايّة”.

ثمّة احتمالات عديدة للتحوّلات الجارية في العالم العربي والشرق الأوسط، لكنّ احتمالاً واحداً بات في عداد المستحيل: عودة الإخوان.

 

* كاتب وسياسيّ مصريّ. رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجيّة. عمل مستشاراً للدكتور أحمد زويل الحائز جائزة نوبل في العلوم، ثمّ مستشاراً للرئيس المصري السابق عدلي منصور.

له العديد من المؤلَّفات البارزة في الفكر السياسي، من بينها: الحداثة والسياسة، الجهاد ضدّ الجهاد، معالم بلا طريق، أمّة في خطر، الهندسة السياسية.

عضو مجلس جامعة طنطا، وعضو مجلس كليّة الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…