كوبا مجدّداً: هل يستخدمها بوتين ضدّ بايدن؟

مدة القراءة 4 د

في عام 1853 انتُخب وليم كينغ نائباً للرئيس الأميركي. في ذلك الوقت كان كينغ يملك مزرعة لقصب السكّر في كوبا. وكان يقيم في تلك المزرعة المترامية الأطراف. إلا أنّه كان مصاباً بمرض السلّ. وللعلاج من المرض نصحه أطباء ذلك الزمان بإحراق عيدان قصب السكر وتنشّق دخانها ملء رئتيه حتى يشفى. ولذلك طلب من الرئيس الأميركي فرانكلين بيرس أن يمنحه إذناً استثنائياً بأداء القسَم بصفته نائباً للرئيس في أرض أجنبية (كوبا).

وافق الرئيس فرانكلين إمّا تقديراً منه للحالة المرضيّة التي كان يعاني منها نائبه، أو اعتقاداً منه بأنّ كوبا يجب أن لا تكون أرضاً أجنبيّة. المهمّ أنّ كينع توفّي اختناقاً وهو يتنشّق دخّان قصب السكر بعد أربعين يوماً من أداء القسم. وكانت وفاته في مزرعته الثانية في ولاية ألاباما في جنوب الولايات المتحدة.

كوبا دوراً في التاريخ الحديث عندما استضافت، وهي دولة شيوعية، أعلى مرجعيّتين مسيحيّتين في العالم

لم تكن كوبا بالنسبة إلى الأميركيين مزارع لقصب السكر والقطن وحسب. فعندما صدر قانون وقف استعباد الأفارقة وصيدهم من قراهم في إفريقيا ونقلهم عبيداً إلى الولايات المتحدة، تحوّلت كوبا إلى مركز للتهريب. وبدلاً من نقل المستعبَدين مباشرة إلى الولايات المتحدة، كان يتمّ “شحنهم” بحراً إلى كوبا مباشرة، ومن هناك كانوا يُنقلون مثل “بضائع مهرّبة” إلى الولايات الجنوبية وإلى البرازيل.

وهكذا قام تحالف بين أصحاب المصالح من ملّاك المزارع وتجّار “العبيد” والمستثمرين في بورصة نيويورك، وتمكّن هذا التحالف من صياغة السياسة الأميركية تجاه كوبا التي كانت تحتلّها إسبانيا في ذلك الوقت.

 

حرب كوبا النووية

أدّى قصف سفينة حربية أميركية تُدعى “ماين” كانت راسية في ميناء هافانا، إلى وقوع الحرب الأميركية – الإسبانية. وأدّت تلك الحرب إلى خسارة إسبانيا كلّ المناطق التي كانت تسيطر عليها في أميركا الشمالية، وضمّت تلك المناطق إلى الولايات المتحدة. ولم تبقَ خارج هذه السيطرة سوى كوبا التي استعصت على الاحتلال أو الضمّ. ولا تزال حتّى اليوم مصدراً لكثير من المتاعب الأميركية حتى كادت تنشب بسببها حرب نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في الستينيّات من القرن الماضي على خلفيّة أيّ من القوّتين العالميّتين تسيطر على الجزيرة الصغيرة!! يومئذٍ اتّفق الرئيسان جون كينيدي ونيكيتا خروتشوف على سحب الصواريخ الأميركية من تركيا التي كانت موجّهة إلى الاتحاد السوفياتي، مقابل سحب الصواريخ السوفياتية من كوبا التي كانت موجّهة إلى الولايات المتحدة. وبموجب تلك التسوية نجا العالم من حرب نووية مدمّرة

مرّة ثانية لعبت كوبا دوراً في التاريخ الحديث عندما استضافت، وهي دولة شيوعية، أعلى مرجعيّتين مسيحيّتين في العالم، وهما بطريرك روسيا كاريل، باسم الكنيسة الأرثوذكسية، وبابا الفاتيكان فرنسيس، باسم الكنيسة الكاثوليكية. فالقمّة الكاثوليكية – الأرثوذكسية التي استحال عقدها في موسكو أو في الفاتيكان، عُقِدت في عاصمة دولة يُفترض أنّها لادينية في عام 2016. غير أنّ تلك القمّة الروحية لم تنجح في مدّ جسور التفاهم بين الاتحاد الروسي ومنظومة الدول الغربية (الولايات المتحدة وأوروبا). فكان أوّلاً انسلاخ كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية عن كنيسة موسكو، ثمّ كانت الحرب الروسية على أوكرانيا المستمرّة حتّى اليوم. وزاد الأمر تعقيداً الانتقاد الشديد الذي وجّهه بابا الفاتيكان إلى العملية العسكرية الروسية وإدانته لها، ومباركة البطريرك كاريل للقوات الروسية التي تنفّذ هذه العملية العسكرية وصَلاته على ضحاياها من العسكريين الروس.

 

محاولة بايدن الكوبية

يحاول اليوم الرئيس الأميركي جو بايدن (وهو كاثوليكي متشدّد) أن يتّخذ من هذا الواقع جسراً للتفاهم مع كوبا، بعدما أجهض الرئيس دونالد ترامب محاولة من هذا النوع قام بها سلفه الرئيس باراك أوباما.

صحيح أنّ كوبا دولة لادينية، إلا أنّ الكنيسة الكاثوليكية في هافانا العاصمة لا تزال تستقطب المؤمنين من شعب الجزيرة (وهم من الكاثوليك). فإذا نجح الرئيس بايدن هذه المرّة في محاولته التفاهم مع كوبا، فإنّه يقطع الطريق أمام الالتفاف الروسي على الولايات المتحدة كما حدث في العهد السوفياتي السابق، إلا أنّ الكرملين لا يقف من ذلك مكتوف الأيدي. لقد تحوّل العالم إلى رقعة شطرنج. ولعلّه لم يكن غير ذلك.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…