للمرّة الأولى في تاريخ إسرائيل، يمتنع الكنيست عن تمديد ما يُسمّى “أنظمة طوارئ يهودا والسامرة” التي تحكم المستوطنات بالضفة الغربية المحتلّة منذ النكسة، بعدما صوّت العضو عن “القائمة العربية الموحّدة” مازن غنايم، وغيداء ريناوي عن حزب “ميرتس” اليساري، في القراءة الأولى، ضدّ تمديد القانون. هذا على الرغم من أنّهما يفضّلان استمرار حكومة نفتالي بينيت، بدعوى أنّ مشاريع القوانين، التي تتناول مسائل الاستيطان والأمن، صعبة من الناحية الأيديولوجية على قاعدتَيْ ناخبيهما. بينما تغيّب أعضاء الكنيست الآخرون عن حزب القائمة العربية الموحّدة، وبعدما رفض أعضاء المعارضة اليمينية برئاسة بنيامين نتانياهو تمرير مشروع القانون، سعياً إلى إحراج الائتلاف الحالي برئاسة بينيت المتعثّر على أمل إطاحته.
صوّت الكنيست ضدّ مشروع القانون بأغلبيّة 58 صوتاً مقابل 52، وهو ما دفع وزير العدل الإسرائيلي غدعون ساعر إلى وصف رفض نتانياهو دعم مشروع القانون بأنّه “صفعة في صميم المصلحة الوطنية”.
اعتبرت صحيفة “هآرتس” أنّه بعد مرور 55 سنة على الاحتلال العسكري، وعشرات السنين من القمع والتمييز العنصري ضدّ الشعب الفلسطيني، فإنّ التفوّق اليهودي يعتبر الآن “طبيعياً ومفهوماً بحدّ ذاته
يرى المراقبون أنّ المعارضة اليمينية لن تمنع تمديد القانون المؤيّد للاستيطان في النهاية، لكنّها ستسعى إلى تفكيك حكومة بينيت من خلال إظهار أنّ التحالف الحكومي لا يمكنه تمرير مشروع القانون بعدما فقدت الحكومة أغلبيّتها في الكنيست أخيراً. وقال نتانياهو في رسالة قصيرة بالعبرية بعد فشل التصويت: “بينيت، عُدْ إلى المنزل، حان الوقت لإعادة إسرائيل إلى اليمين”.
من المعروف أنّه يمكن للائتلاف طرح مشروع القانون للتصويت كلّ أسبوع، قبل أن تنتهي صلاحيّة “قانون الطوارئ” في نهاية حزيران الحالي.
يسري قانون الطوارئ منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، ويمنح المستوطنين في الضفة نفس الحقوق التي يتمتّع بها المواطنون في إسرائيل.
ماذا تعني “أنظمة طوارئ يهودا والسامرة”؟
هي أنظمة أصدرها وزير جيش الاحتلال موشي دايان في تموز 1967، بعد أيام من “النكسة”، وتقضي بتطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنين المقيمين داخل مدن الضفة المحتلّة، ويضمن معاملة المستوطنين الذين يعيشون هناك كما لو أنّهم في إسرائيل، وبذلك يضمن تبعيّة المستوطنين السياسية والانتخابية والنقابية والاجتماعية والتعليمية والصحّية وكلّ ما يتعلّق بحياتهم للقوانين في إسرائيل. وفي النتيجة أصبح في الضفّة المحتلّة قانونان، قانون حكم عسكري يُطبّق على الفلسطينيين، وقانون مدني يُطبّق على المستوطنين.
في السبعينيّات تمّ تطوير القانون ليشمل تطبيقه المجالس المحلّية في المستوطنات، وذلك بمنحها المزايا والميزانيات، مثلها مثل البلدات والمدن داخل إسرائيل. ويمنح السيادة للمستوطنين في المستوطنات المقامة على الأراضي المحتلّة.
يرى المراقبون أنّ المعارضة اليمينية لن تمنع تمديد القانون المؤيّد للاستيطان في النهاية، لكنّها ستسعى إلى تفكيك حكومة بينيت من خلال إظهار أنّ التحالف الحكومي لا يمكنه تمرير مشروع القانون
وفي تعديل آخر على التشريع، تزامن مع توقيع اتفاق أوسلو، اعتُبرت أراضي الضفّة الغربية مقسّمة لساحتين، الأولى تخضع لسيطرة سلطات الاحتلال بشكل كامل، وهي التي تشكّل معظم أراضي الضفة الغربية، ويبقى الفلسطينيون فيها خاضعين لسلطة الحكم العسكري، بينما تخضع الساحة الثانية، التي تضمّ المدن والقرى الفلسطينية المكتظّة بالسكّان، لإدارة السلطة الفلسطينية، ضمن الاعتبارات القانونية التي وضعها اتفاق أوسلو. أمّا المستوطنون اليهود في تلك المناطق فمنحهم القانون التبعية القانونية للقانون الإسرائيلي، وحرّية الحركة في الضفة، بينما حرم الفلسطينيين هذه الحرّية، وباتت حركتهم مشروطة بالحصول على تصاريح تسمح لهم بالوصول إلى مناطق المستوطنات.
هل يسقطون بينيت؟
يتمّ تجديد قانون الطوارئ، أو ما يمكن تسميته بقانون “الأبارتهايد”، كلّ 5 سنوات، إذ إنّ عدم تجديد “أنظمة يهودا والسامرة” يعني انفصال مستوطنات الضفة المحتلّة تماماً عن القانون الإسرائيلي، وبذلك يخرج المستوطنون عمليّاً من سجلّ سكّان إسرائيل.
للمفارقة، فقد أثارت المصادقة على تمديد قانون “الضفة الغربية” خلافاً حادّاً بين قادة المستوطنين في الضفة. فقد بعث مسؤول مستوطنات الضفّة ديفيد الخياني برسالة إلى الليكود والصهيونية الدينية يطالبهم فيها بدعم تمديد القانون المذكور. في حين لم يرُق كلام الخياني للكثير من قادة المستوطنين في الضفة والمحسوبين على الليكود، ومن بينهم مسؤول مستوطنات منطقة رام الله يسرائيل غانتس الذي نشر عبر قناته على تلغرام رسالة موقّعة باسم رئيس مجلس مستوطنة “بيت إيل” ومستوطنات “كريات أربع”، بالإضافة إلى مسؤول مستوطنة “كدوميم”، تطالب بعكس ما طالب به الخياني.
وجاء في الرسالة: “نعرف أنّ عدم تمديد القانون سيمسّ بنا نحن سكّان يهودا والسامرة على المدى القريب، إلا أنّ استمرار وجود هذه الحكومة يعني مواصلة إيقاع الضرر بالمشروع الاستيطاني، ونعتقد بوجوب إسقاط الحكومة الحالية، وهذه المهمّة مقدّمة على جميع الحسابات الأخرى”. بدوره، نشر مسؤول مستوطنات شمال الضفة يوسي داغان منشوراً دعا فيه إلى تشكيل حكومة يمينية بقيادة الليكود من دون الذهاب إلى انتخابات جديدة.
يُعدّ هذا التشريع واحداً من بين التشريعات الاستراتيجية التي تعمل على تحقيق أهداف إسرائيل بإحكام تمدّدها وسيطرتها على الأراضي الفلسطينية المحتلّة في الضفة الغربية على المدى الطويل. غير أنّ إعاقة إقرار مشروع هذا القانون تُعدّ تكثيفاً لهشاشة حكومة بينيت التي شبّهها الإعلام الإسرائيلي بأنّها “شركة تحت التصفية”.
على الرغم من نجاح بينيت أخيراً في تمرير مشروع القانون حكوميّاً بالتصويت له بالإجماع، بعد فشل تمريره في الكنيست، وبعدما مارس على أعضاء حكومته العرب ضغطاً هائلاً وصل إلى حدّ التهديد بطردهم من الحكومة، إلا أنّ المعارضة تعوِّل على عرقلة تمديد هذا المشروع، لإحراج الحكومة الائتلافية في سبيل إسقاطها، والذهاب نحو انتخابات مبكرة، أو استمرار ولاية الحكومة الحالية من دون أغلبية برلمانية، ومن دون القدرة على تمرير التشريعات، وبالتالي خلق حكومة ظلّ في الكنيست تحظى بالأغلبية. بيد أنّ المراقبين يتوقّعون إقرار هذا المشروع قبل نهاية الشهر الجاري.
إقرأ أيضاً: كاريش: خاصرة إسرائيل “الرخوة”
من جهتها، اعتبرت صحيفة “هآرتس” أنّه بعد مرور 55 سنة على الاحتلال العسكري، وعشرات السنين من القمع والتمييز العنصري ضدّ الشعب الفلسطيني، فإنّ التفوّق اليهودي يعتبر الآن “طبيعياً ومفهوماً بحدّ ذاته”.
فعندما يشكّل “اليسار الصهيوني” وحزب ميرتس وراعم، أي القائمة العربية الموحّدة، سوراً واقياً للكولونيالية الإسرائيلية، فقد أصبح الأبارتهايد والترانسفير هنا. هما كانا هنا في النكبة وفي تهويد الجليل، وهما يوجدان هنا الآن في الجهود التي تُبذل لاقتلاع البدو والتطهير العرقي في النقب. هما يوجدان في مسيرة الأعلام، والمتاريس المشتعلة بالنضال الفلسطيني هي الوحيدة التي ستقطع طريقها.
* كاتبة فلسطينية مقيمة في غزّة