على الرغم من أنّ حزب الله، عبر أمينه العام حسن نصر الله، رمى الكرة في ملعب الدولة اللبنانية، ورهن تحرّك حزبه عسكرياً ضدّ السفينة التي “ركنت” في حقل كاريش على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بأن تقول الدولة اللبنانية جملتين: “إنّ حقل كاريش هو حقل لبناني، ومن حقّ لبنان الدفاع عنه”، وهذا أمر مستبعد… إلا أنّ الجيش الإسرائيلي يستعدّ لسيناريو استهداف منصّة “كاريش”.
فقد حفل الإعلام الإسرائيلي بتسريبات، تتراوح بين التطمينات للداخل الإسرائيلي، والتحذيرات للبنان. منها ما نقله موقع “واللا” العبري عن ضباط في الجيش حذّروا من أنّ حزب الله يعتزم “الاحتجاج” على قرار إسرائيل استخراج الغاز من حقل “كاريش”، لكنّ حزب الله “لن يذهب بعيداً في البداية”.
باتت تهديدات الصواريخ الموجّهة إلى البحر من قبل القوى المناوئة للاحتلال، تشكّل تهديداً جديداً وجدّيّاً للاقتصاد الإسرائيلي، ولا سيّما عند الحديث عن منصّات الغاز في البحر المتوسط قبالة الشواطئ الإسرائيلية
أتى هذا بعدما ادّعت الحكومة الإسرائيلية أنّ منصّة “كاريش” للغاز تمثّل “أحد الأصول الاستراتيجية لدولة إسرائيل”، مشدّدة على أنّها “تقع في الأراضي الإسرائيلية”، وهي على استعداد لحمايتها والدفاع عن بنيتها التحتية، داعية السلطات في لبنان إلى “الإسراع في المفاوضات بشأن الحدود البحرية”.
جاء ذلك في بيان رسمي صدر عن كلّ من وزراء الخارجية يائير لابيد، والأمن بيني غانتس، والطاقة كارين إلهرار، بُعيد إرسال إسرائيل السفينة العائمة إلى حقل الغاز “كاريش” الذي ترى بيروت أنّه يقع في منطقة متنازَع عليها، وغداة الدعوة التي وجّهها لبنان إلى الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين للمجيء إلى بيروت من أجل البحث في استكمال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.
سيناريوهات ردود الحزب
يتوقّع الجيش الإسرائيلي سيناريوهات متنوّعة تتعلّق بردّ فعل حزب الله، بدءاً بإطلاق نار من أسلحة خفيفة في الهواء من أجل التخويف، واقتراب زوارق بصورة مهدّدة من المنصّة، وصولاً إلى السيناريو الأصعب، وهو هجوم بطائرة مسيَّرة ضدّ منصة الغاز، أو استهدافها بواسطة صاروخ من الشواطئ اللبنانية. وتستعدّ البحرية الإسرائيلية لهذا الاحتمال، وتقوم بنقل نظام القبّة الحديدية بنسختها البحرية إلى منصّة الغاز الجديدة، إضافة إلى تأمينها بواسطة السفن فوق وتحت مستوى سطح البحر، بمشاركة الغواصات.
يمثّل التهديد البحري إحدى نقاط الضعف التي تعانيها إسرائيل في السنوات الأخيرة. وذكر المحلّل يوغاف كارميل أنّ تنامي المخاطر الأمنيّة جعل البحر المحيط بإسرائيل غير هادئ أبداً، وهو ما يجعل العيون مفتوحة باستمرار على السواحل، من خلال الشاشات العملاقة المثبتة حديثاً، تمهيداً لدخول السفن البحرية مرحلة “إجراء الحقن القتالي”.
وأضاف المحلّل أنّ “قيادة سلاح البحرية تدير عملياتها على عمق بضعة طوابق تحت الأرض، وأعادت للأذهان ما حدث في حرب غزة 2021، حين حاولت حماس استهداف الحفّارة الغازيّة لحقل تمار، المصدر الرئيسي للغاز المشغّل لشبكة الكهرباء الإسرائيلية، بواسطة طائرة مجهولة، وهو هجوم أحبطه سلاح البحرية الإسرائيلي عقب نشر نظام القبّة الحديدية البحري قرب الحفّارة”.
مخاطر مزدوجة
باتت تهديدات الصواريخ الموجّهة إلى البحر من قبل القوى المناوئة للاحتلال، تشكّل تهديداً جديداً وجدّيّاً للاقتصاد الإسرائيلي، ولا سيّما عند الحديث عن منصّات الغاز في البحر المتوسط قبالة الشواطئ الإسرائيلية، وتنفيذ ثلثَيْ التجارة الخارجية لإسرائيل من خلال البحر. وأكثر من ذلك، فإنّ الاتّصال بواسطة الإنترنت في دولة الاحتلال يعتمد بالكامل على عدد من الكابلات البحرية المنتشرة في البحر المتوسط. وهناك كوابل أخرى تستمدّ الطاقة من تحت الماء، بما يسمح باستيراد الكهرباء من أوروبا. وبالطبع، يمثّل كلّ ذلك أهدافاً جذّابة لتلك القوى.
من جهته، تحدّث “المركز اليروشالمي للشؤون العامّة والدولة” عن مخاوف الاحتلال الإسرائيلي من قيام إيران بهجومٍ انتقامي ردّاً على تصفية “الموساد” الإسرائيلي لعلمائها في وسط طهران، وذلك عبر مهاجمة منشآت غازٍ طبيعي حيوية تابعة لـلاحتلال في البحر الأبيض المتوسط بالاستعانة بأحد وكلائها في المنطقة، بحيث تصبح هذه المواجهة إحدى واجهات الصراع المقبل لأنّ استهدافها سيعطّل إمدادات الكهرباء لإسرائيل.
تهديد مصالح مصر
من جهة أخرى، أطلعت إسرائيل الاستخبارات المصرية على معلوماتٍ استخبارية توافرت لديها عن خطط يُعدّها الكوماندوس البحري لـ”حماس” لضرب منصات غاز ومنشآت نفطٍ إسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط بواسطة زوارق متفجّرة أو صواريخ بحر – بحر، في أيّ مواجهة عسكرية مقبلة. وأوضحت جهات أمنيّة كبيرة للمصريين أنّ استهدافاً كهذا سيُلحق الضرر بإمدادات الغاز الإسرائيلي لمصر وأوروبا. وفي هذا الإطار تعمل القاهرة على تضمين حماية منشآت الغاز والنفط الإسرائيلية في تفاهمات التهدئة بين إسرائيل وبين “حماس”، وذلك ضمن تشديدها لـ”حماس” على أنّ أيّ مسٍّ بهذه المنشآت هو مسّ بمصالح مصر.
تزعم مصادر أمنيّة في إسرائيل أنّ الذراع العسكرية لـ”حماس” لديها زوارق سريعة قادرة على حمل متفجّرات تصل كميّتها إلى 50 كلغ، موجّهة بواسطة أجهزة “جي بي إس”، وقادرة على تنفيذ هجماتٍ انتحارية دقيقة على أهدافٍ في قلب البحر، تشبه ما يقوم به الحوثيون في اليمن من هجماتٍ بزوارق ضدّ أهدافٍ سعودية. ويمكن بسهولة تفعيل زوارق كهذه نحو منصّة تمار وحقل الغاز الطبيعي اللذين يقعان قبالة ساحل القطاع، وسيستمرّان في كونهما هدفاً محتملاً بالنسبة إلى “حماس” أو الجهاد الإسلامي في أيّ حالة تصعيد مع إسرائيل، أو في حال تلقّت حركة حماس أوامر من طهران بذلك، خصوصاً في ظلّ الحديث عن رسالة علي خامنئي التي أشار فيها إلى “الانتقام”، مضيفةً أنّ هذه الرسالة أدخلت كلّ المنظومة في إيران في سياق تنفيذ هذا الالتزام، وأنّ تل أبيب تدرك ذلك، ولا تستخفّ بالأمر.
إقرأ أيضاً: هل نخسر قانا بعد كاريش؟
على صعيد آخر، لم “تهضم” المؤسّستان الإسرائيليّتان الأمنية والعسكرية تصريحات نفتالي بينيت، حين قال إنّ “العام الماضي شكّل نقطة تحوّل استراتيجية في الحرب ضدّ إيران، ونحن نعمل في كلّ زمان ومكان ضدّ طهران”. فقد قال مصدر أمني رفيع في لجنة الخارجية والأمن إنّه بعد تصريحات بينيت بات الحديث يدور عن وضع إصبع في عين الإيرانيين من دون ضرورة. وأضاف المصدر أنّ “من شأن تلك التصريحات أن تزيد في حافزيّة طهران لجَبْي الثمن”، مشيراً إلى أنّ “إيران تخطّط من أجل عملية انتقام، وليس هناك سبب لتشجيعها أكثر من أجل تنفيذها”.
* كاتبة فلسطينية مقيمة في غزّة