بينما تحاول الولايات المتحدة والغرب مواجهة الروس من خلال عقوبات غير مسبوقة تاريخياً، وخصوصاً استهداف قطاع الطاقة الروسي، تحاول موسكو قلب الطاولة لتكون ورقة أسعار الغذاء هي المقابل لورقة أسعار النفط، وحتى يحين الشتاء ستكون ورقة مساومة لرفع العقوبات الدولية.
حذّر مسؤولون في الأمم المتحدة بالأمس من أنّ الحرب التي طال أمدها في أوكرانيا تهدّد بأزمة جوع في البلاد وحول العالم. وقال منسّق الأمم المتحدة المعنيّ بالأزمة الأوكرانية أمين عوض إنّ هناك حاجة إلى مزيد من المفاوضات لفتح ممرّات التجارة عبر البحر الأسود، مضيفاً أنّ “عدم فتح تلك الموانئ سيؤدّي إلى مجاعة واضطرابات وهجرة جماعية في العالم”، مشيراً إلى أنّ “نقص القمح والحبوب الأخرى يمكن أن يؤثّر على 1.4 مليار شخص، وقد يتسبّب بالجوع ويزيد التضخّم”.
حذّر مسؤولون في الأمم المتحدة بالأمس من أنّ الحرب التي طال أمدها في أوكرانيا تهدّد بأزمة جوع في البلاد وحول العالم
من جهتها، قالت روسيا إنّها مستعدّة للسماح للسفن التي تحمل موادّ غذائية بمغادرة أوكرانيا في مقابل رفع بعض العقوبات، وهو اقتراح وصفته أوكرانيا بأنّه “ابتزاز”، بحسب ما نقلته وكالة رويترز.
وعليه فإنّ الواضح الآن أنّ موسكو تجعل من ورقة الغذاء بديلاً لورقة النفط التي تحاول الولايات المتحدة والغرب كسر روسيا من خلالها، خصوصاً أنّ روسيا وأوكرانيا يسهمان بنحو ثلث إمدادات القمح العالمية. وتعدّ روسيا مُصدّراً عالمياً رئيسياً للأسمدة، وأوكرانيا مُصدّراً رئيسياً للذرة وزيت دوّار الشمس.
وتلقي موسكو باللائمة على الألغام البحرية التي تطفو بالقرب من الموانئ الأوكرانية، وكذلك على العقوبات الغربية التي تضرّ بصادراتها من الحبوب والأسمدة بسبب تأثيرها على الشحن والمعاملات المصرفية والتأمين، بحسب المتحدّث باسم الكرملين.
لذا تنتظر العالم أزمة غذاء خطرة مقبلة قد تهدّد أنظمة سياسية، وخصوصاً في إفريقيا ودول أخرى من العالم، وتلعب موسكو الآن ورقة الغذاء مقابل رفع العقوبات، ولا مؤشّرات إلى تعقّل روسي في هذا الملفّ.
على إثر ذلك انطلقت سوق سوداء للقمح، وراجت المتاجرة بشحنات قمح مسروقة تتّهم أوكرانيا تركيا بالحصول على بعض منها، وقد سلّم الروس سوريا بعضاً من هذه الشحنات المسروقة من أوكرانيا.
عندما نقول إنّه لا مؤشّرات إلى تعقّل روسيّ، فالسبب واضح، وهو أنّ موسكو لا تستطيع التساهل مع حجم العقوبات التاريخية المفروضة عليها، ولو أعلنت روسيا انتصارها في المعركة. وأقولها هنا جدلاً، لأنّ معايير الانتصار في هذه الحرب صعبة لكلا الطرفين.
إلا أنّ أزمة الروس أنّ هناك معركة ستكون أطول من معركة أوكرانيا، وهي معركة رفع العقوبات، ومن الواضح أنّ موسكو تتأهّب لذلك من الآن، وتريد البدء برفع العقوبات الدولية أو بعضها حتى قبل مفاوضات وقف الحرب التي يبدو أنّها ستطول.
إقرأ أيضاً: حرب أوكرانيا.. صوت آخر مقبل من الغرب
انطلاقاً ممّا سبق ستكون العواقب الاقتصادية للحرب في أوكرانيا كبيرة، وستطول إفريقيا ومنطقتنا، مثلما تؤثّر الآن في أوروبا، وعلى المدى المنظور، ومن هنا تظهر الرعونة الغربية في التعامل مع هذه الأزمة منذ الأمس حتى اليوم.