30 مليار دولار هو حجم التعويض الذي يراه لبنان مناسباً من المجتمع الدولي، لقاء استضافته قرابة مليون لاجىء سوري، أنهكوا بنيته التحتية، واستهلكوا جزءاً من مدّخراته في سنوات دعم الليرة، وفي سنوات دعم المواد بعد انفلات سعر صرف الليرة.
30 مليار دولار هو الرقم الرسمي الذي تقدّم به وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجّار إلى مؤتمر “بروكسل” الذي خصّص قبل عشرة أيام لجمع مساعدات ماليّة للّاجئين السوريين في بلادهم وخارجها.
المؤتمر جمع 6.4 مليارات يورو من المانحين لدعم ملايين اللاجئين السوريين داخل سوريا، وفي المجتمعات المُضيفة لهم في البلدان المجاورة. وأقرّ المجتمعون “ضرورة محاسبة نظام الأسد على الجرائم الفظيعة التي ارتكبها بحقّ السوريين”. وطالبوا بـ”إيجاد حلّ سياسيّ شامل للنزاع في سوريا، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وعدم تقديم أيّ أموال لإعادة الإعمار في ظلّ وجود النظام السوري”.
30 مليار دولار هو حجم التعويض الذي يراه لبنان مناسباً من المجتمع الدولي، لقاء استضافته قرابة مليون لاجىء سوري
تلك الأموال التي جُمعت لمساعدة اللاجئين تعيد الحديث في أوساط المنظمات الدولية عن فساد طال أموالاً مخصّصة للّاجئين من قبل. فقد كشفت دراسة للبنك الدولي أنّ 7.5% من إجمالي المساعدات التي يتمّ تقديمها إلى أيّ دولة، “تُسرَق من قبل مسؤولي تلك الدولة”، وفي مقدَّمها الأردن.
أمّا في لبنان فقد ابتلعت المصارف اللبنانية ما لا يقلّ عن 250 مليون دولار من أموال المساعدات الإنسانية الأممية المخصّصة للّاجئين السوريين والمجتمعات الفقيرة في البلاد، من بينهم عائلة نوار وغيرها من العائلات من الشرائح الأكثر فقراً بين السكان.
نوار الذي لم تصله الأموال
نوار جيان عثمان هو واحد من قرابة مليون لاجئ سوري في لبنان، الذي يُعدّ واحداً من أصغر البلدان المضيفة لأكبر عدد من النازحين في العالم. إلا أنّ السلطات ترفض الاعتراف رسمياً بكونهم لاجئين وطالبي لجوء بزعم أنّ لبنان ليس طرفاً في اتفاقية اللاجئين لعام 1951، بحسب “معهد واشنطن للشرق الأوسط”. لهذا تسمّيهم المؤسسات الرسمية “نازحين”.
نوار يعتمد فقط على مساعدات مالية من شقيقه المقيم في السويد، حاله حال مئات العائلات السورية التي تعيش تحت عتبة الفقر. تبدو علامات الجهد واليأس واضحة في صوت الرجل المتقطّع خلال حديث لـ”أساس”: “هربنا من الموت في سوريا بعدما دمّرت منزلنا طائرات النظام السوري”، يقول نوار خلال اتصال رقمي مع “أساس”، ويضيف: “والآن تطاردنا الحكومة في لبنان. إمّا أن يحصلوا على مبالغ ماليّة من المؤتمرات المخصّصة للمعدومين أو يعيدونا إلى بشار الأسد”.
السؤال الوحيد الذي يدور في خلده اليوم هو: “كيف سوف نتمكّن من البقاء على قيد الحياة؟”. يجيب الشاب على سؤاله بالقول إنّ “مغادرة لبنان عبر قوارب الموت هو أملنا الوحيد والكبير”.
يعيش الرجل بحيّ في مخيم مارالياس في بيروت، داخل قبو يتقاسمه مع شقيقه وعائلته. منذ خمس سنوات يعيش نوار في لبنان من دون أن يتلقّى أيّ مساعدات ماليّة من المنظمات الدولية، ويحاول العمل في البلاد إلا أنّ الحكومة اللبنانية تعتبر اللاجئين السوريّين “أفراداً نازحين مؤقّتاً” سيعودون في وقت ما إلى ديارهم أو عليهم المغادرة إلى بلد ثالث.
دولارات تبخّرت
لكن أين ذهبت ملايين الدولارات التي جُمعت خلال مؤتمرات سابقة وخُصّصت لمساعدة اللاجئين؟ ولماذا لم تعُد الحكومة اللبنانية التي تتلقّى الأموال المخصّصة لدعم وحماية اللاجئين السوريين قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للّاجئين السوريين وتقديم أنشطة الإغاثة؟
يؤكّد مسؤول إغاثة ودبلوماسيّان من الدول المانحة للبنان أنّ “ما بين ثلث ونصف المساعدات النقدية المباشرة التي قدّمتها الأمم المتحدة في لبنان امتصّتها البنوك منذ بداية الأزمة عام 2019”.
المؤتمر جمع 6.4 مليارات يورو من المانحين لدعم ملايين اللاجئين السوريين داخل سوريا، وفي المجتمعات المُضيفة لهم في البلدان المجاورة
خلال عام 2020 والأشهر الأربعة الأولى من عام 2021، استبدلت البنوك الدولارات التي تسلّمتها من وكالات الأمم المتحدة بما يعادلها بالليرة اللبنانية على سعر صرف أقلّ بمعدّل 40 في المئة في المتوسّط من سعر السوق، وتلقّى لبنان نحو 1.5 مليار دولار من المساعدات الإنسانية خلال العام 2020، بحسب المسؤول الإغاثي.
قبل ختام المؤتمر اشتكى الوزير اللبناني من الأعباء الاقتصادية التي تكبّدها لبنان بسبب اللاجئين السوريين. وحمّل اللاجئين جزءاً من المسؤولية عن تجفيف احتياطات العملات الأجنبية، ومفاقمة أزمة النفايات الصلبة ومشكلة الصرف الصحيّ، والتسبّب بضرر كبير في البُنى التحتيّة، وطالب بـ”تعويض خسائر لبنان التي تُقدّر بنحو 30 مليار دولار أميركي”.)
نوار والقبو لخمس سنوات
الأرقام التي تُشير إلى الكارثة الإنسانية في سوريا واضحة: 90% من الشعب السوري يعيشون في فقر، و60% لا يستطيعون الحصول على الغذاء بشكل منتظم وفقاً لمفوّض الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى وجود أكثر من 132 ألف معتقل ومخفيّ قسراً في سجون النظام السوري.
أما في لبنان فتعتمد العائلات السورية على المساعدات الماليّة الشحيحة من مفوضيّة اللاجئين، بالإضافة إلى طرق “سلبية” للبقاء على قيد الحياة، مثل اقتراض المال أو التوقّف عن إرسال أطفالها إلى المدرسة أو تقليص النفقات الصحية أو عدم تسديد إيجار السكن للبقاء على قيد الحياة.
يشير وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقّتة، الدكتور عبد الحكيم المصري، في حديث مع “أساس” إلى أنّ جميع المانحين يحوّلون الأموال بالدولار الأميركي إلى البنك المركزي اللبناني الذي يأخذ معظم قيمة المساعدات قبل أن تصل إلى المستفيدين منها من خلال تحديد أسعار صرف منخفضة بشكل مصطنع لعمليات السحب بالليرة اللبنانية.
ويقول: “في كانون الأول الماضي، كان سعر الصرف المعتمَد من البنك المركزي 8 آلاف ليرة لبنانية للدولار الواحد، وفي الأشهر السابقة بلغ 3,900 ليرة لبنانية، بينما تراوح سعر الصرف في السوق بين 30 ألفاً و35 ألف ليرة لبنانية”.
بدورها تعتقد الباحثة السورية هلا الناصر، التي حضرت مؤتمر بروكسل، أنّ “سبب الأزمة الماليّة والاقتصادية والنقدية التي يعيشها لبنان ليس اللاجئين السوريين، وإنّما سوء إدارة الاقتصاد الوطني ومخالفات دستورية فاضحة وغياب المحاسبة القضائية، التي من شأنها أن تشلّ الحياة الاقتصادية في البلاد وتودي بها إلى الإفلاس الكامل”.
تقول في اتصال مع “أساس” إنّ “اللاجئ السوري في لبنان بات مصدراً للتنفيس عن فشل الحكومة اللبنانية في إدارة البلاد. وقد تسبّب ارتفاع أصوات الدول المجاورة المستضيفة للّاجئين السوريين المطالِبة بإعادتهم، ومن بينها لبنان، في خفض تعهّدات الدول الداعمة”.
وتنوِّه إلى أنّ “المعونات الإنسانية للّاجئين السوريين ساهمت في ضخّ كميّة كبيرة من العملات الأجنبية في اقتصاد لبنان. ففي 2021 ساهمت وكالات الأمم المتحدة عبر نفقاتها في ما يساوي 5% من الناتج المحلّي الإجمالي في لبنان”.
حديث الصورة: “مؤتمر بروكسل” السادس في العاصمة البلجيكية بروكسل، هو المؤتمر الدولي السنوي العاشر حول سوريا، بعد المؤتمرات الثلاثة الأولى التي استضافتها الكويت من عام 2013 إلى 2015، ومؤتمر “لندن” في 2016، ومؤتمرات “بروكسل” الخمسة الأخيرة من 2017 إلى 2021.
الضخّ السوري في الاقتصاد
فضلاً عن ذلك، يتمّ تمويل جزء كبير من استهلاك السوريين بالعملة الأجنبية، وهو ما يشكّل دخلاً غير متوقَّع لشراء المنتجات المستوردة إلى لبنان، إضافة إلى التحويلات الماليّة الآتية من الشتات السوري، وبالتالي يشارك السوريون إيجابيّاً في تدفّق العملة الأجنبية الضرورية للحفاظ على استقرار الاقتصاد اللبناني.
هذا ولفت موظّف سابق في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، طلب عدم الكشف عن اسمه، إلى أنّ معظم البرامج الإنسانية والإنمائية الكبرى التي نُفِّذت في لبنان عمدت إلى إشراك اللبنانيين، عبر مساعدة مباشرة بالتوظيف أو من خلال تقديم الدعم المالي للحكومة اللبنانية لتطوير منشآت عمومية كالبنية التحتية من مدارس ومشافٍ ومراكز طبية أو مرافق عامّة.
وأضاف في حديث لـ”أساس” أنّ “منظّمات الأمم المتحدة قدّمت نهاية العام الماضي 45 مليون يورو في مجال معالجة النفايات و103 ملايين يورو في الزراعة والطاقة وغيرهما”.
المساعدات الإنسانيّة قبل كلّ شيء
بعد 11 عاماً من الصراع، هناك ما يقرب من 15 مليون شخص يعتمدون على المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في سوريا، في حين أنّ أكثر من نصف سكّان البلاد ليس لديهم ما يكفي من الطعام، ويدفع الأطفال والنساء الثمن الأكبر للصراع.
يعتمد نحو 4 ملايين مدنيّ في شمال وشمال غربي سوريا على المساعدات الدولية، وهو ما يعني أنّ أيّ خلل في نقص المساعدات الماليّة أو آليّة دخول هذه المساعدات سيؤدّي إلى كوارث إنسانية، خصوصاً أنّ الثقة بالنظام معدومة لجهة إيصال المساعدات والقوافل الإغاثية عبر خطوط التماس.
من جهتها، حذّرت الأمم المتحدة، يوم الأحد، من أنّ أكثر من 12.3 مليون طفل سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وهو رقم قياسي منذ بدء النزاع في عام 2011.
إقرأ أيضاً: أطلق 200 معتقل: هل نجح الأسد بتفادي “حفرة مجزرة التضامن”؟
وقالت المديرة الإقليمية ليونيسف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أديل خضر: “لا يزال ملايين الأطفال يعيشون في حالة من الخوف وعدم اليقين والعوز في سورية والدول المجاورة”.
من جانبه، اعتبر فريق منسّقي استجابة سوريا أنّ تعهّدات المانحين “مخيّبة للآمال”. وطالب الفريق بتركيز الدعم على المشاريع الأساسية التي تمسّ الواقع الفعلي للمدنيين في سوريا، والتفكير في الحلول الممكنة التي يجب أن تُنفَّذ فيما لو أُوقِفت المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وخاصةً أنّ التصويت على القرار الجديد سيتمّ بعد أربعة أسابيع من الآن.