بعد حادثة الطيّونة – عين الرمّانة، نشرنا في موقع “أساس” تقريراً مفاده أنّ الحادثة بمأساتها كانت بمنزلة هديّة سياسية للقوات اللبنانية. مع شرح كيف أنّ المزاج المسيحي انقلب تماماً على حزب الله، لأنّ ارتفاع خطاب الشحن الطائفي مرفقاً بأحداث أمنيّة لها طابع طائفي، لا يؤدّي إلا إلى جمع المسيحيين، على اختلافاتهم، ضدّ الحزب، وأنّ المشهد سيُستخدم في المعركة الانتخابية لمصلحة القوى المواجهة لحزب الله، وهي وأكثر من سيستفيد هي القوات اللبنانية.
يومها، وبدل أن يفتح ذلك نقاشاً حقيقياً في جدوى التصعيد المذهبي في البلاد، أُقفِل الحزب خطوطه أمام من كتبوا محذّرين. واليوم، بعد صدور نتائج الانتخابات النيابية، أدرك الجميع، بفعل حجم الأصوات التفضيلية وعدد النواب اللذين حازت عليهما القوات اللبنانية، متقدّمة بأكثر من 50 ألفاً على التيار الوطني الحرّ، أنّ سياق التصعيد في مرحلة ما قبل الانتخابات صبّ في مصلحتها السياسية والشعبية.
واليوم، بعد فرز حجم القوى المختلفة بين مؤيّد ومعارض للحزب، ومع إقبال البلاد على ملفّات متفجّرة سياسية ومالية: ما هو الخطاب الذي سيحكم المشهد السياسي في البلاد؟ وكيف سيتعامل معه حزب الله؟
في المعلومات أنّ المسعى جدّيّ وبدأ يتبلور لدى عدد من القوى التي تجتمع على عنوان “السيادة والسلاح”
تصعيد القوات… قبل “الطاولة”
بعد ساعات على صدور نتائج الانتخابات، أعلنت القوات اللبنانية أنّها لن تشارك في حكومات وحدة وطنية. وسرعان ما أجابها النائب محمد رعد محذّراً من عدم المشاركة في حكومة وطنية، ومن أن يكون أيّ طرف وقوداً للفتنة، وتحدّث عن “مخطط إسرائيلي لعزل” الشيعة.
لم يمرّ هذا الكلام مرور الكرام لدى القوات، على الرغم من الكلام الهادئ لنصرالله الذي دعا أكثر من مرّة إلى الحوار حول أزمات البلاد وترك مسألة السلاح قليلاً. وطلب “عامين” كفترة سماح.
في أدبيات القوات، لا يمكن القبول بدعوة للجلوس إلى طاولة مجلس الوزراء، من فريق يعتبر نفسه “سيّداً” على البلد. تتعامل القوات بذكاء في خطابها مع التيار الذي يقول إنّها تخوض معركة إلغاء ضدّه. غير أنّ النتائج أثبتت أن لا مظلّة مسيحية فوق حزب الله بعد حصد القوات “الحاصل” المسيحي الأكبر.
بل تذهب القوات إلى التحضير للمشاركة في تشكيل جبهة سياسية موحّدة عنوانها الأوّل: “السلاح”، إلى جانب العناوين الإصلاحية الاقتصادية الأخرى.
في المعلومات أنّ المسعى جدّيّ وبدأ يتبلور لدى عدد من القوى التي تجتمع على عنوان “السيادة والسلاح”. تقول القوات إنّ سعيها هذا ينطلق من “عدم وجود نيّة فوقية أو استعلائية لديها لأنّ الهدف هو المصلحة اللبنانية العليا، وجبهتنا سيادية سياسية، والهدف منها خلق مساحات مشتركة”. فالعمل الآن يرتكز على قيام الجبهة السيادية على أن تضمّ كلّ من يؤمن بسيادة لبنان وتعدّديّته، وللجبهة ثوابتها. لن تطلب القوات من القوى المختلفة الانضمام إلى تكتّلها، بل “المطلوب التكاتف بوجه المرحلة”.
حوار بين “أسياد” و”عبيد”؟
“الحزب نصّب نفسه في موقع “أسياد البلد”، وأخذ السلطة بأكملها، وكلّ ما نراه اليوم هو نتيجة سياساته، ونسأل: على أيّ أساس دعانا إلى أن نجلس معه؟ ليتفضّل ويتحمّل مسؤولية الناس التي تموت في بيوتها. لا يمكنه تحميلنا “التفليسة”، فيما يقرّر هو القرار الاستراتيجي ويعادي كلّ دول العالم”. هكذا يجيب النائب بيار بو عاصي على دعوة حزب الله إلى جلوس القوى المختلفة إلى طاولة مجلس الوزراء.
فالجلوس إلى طاولة واحدة دونه شروط عدّة:
أوّلها: الاتفاق على عدم عرقلة التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، وإلغاء المعادلة التي وضعها الحزب حين وضع جريمة المرفأ في كفّة والسلم الأهلي في كفّة أخرى.
ثانيها: ضبط الحدود وأن يكون قرار الحرب والسلم بيد اللبنانيين وليس بيد جهة واحدة.
إقرأ أيضاً: عاصمة الكثلكة: من زحلة… إلى الخنشارة
هذه مسلّمات تنطلق منها القوات كأسس قبل البحث في أيّ حلّ للأزمة اللبنانية. لأنّ التركيز على حلّ معضلات الداخل من دون حلّ العناوين الكبرى هو ملهاة لا أكثر، ومحاولة لإغراق القوات في وحول الأزمة وزواريبها.
تحت هذه العناوين، ستخوض القوات رحلتها في مرحلة ما بعد الانتخابات كـ”أكبر قوّة سياسية مسيحية فاعلة”. على أن لا تبقى وحدها في هذا المسار. إذ بدأ العمل الجدّيّ على تشكيل الجبهة التي سبق أن كشف “أساس” عنها، مراراً، قبل الانتخابات.