المقارنة مغرية كما دائماً.
رجل دين وامرأة عارية.
شهدت الأسابيع الأخيرة الكثير من الغرائب. وستشهد الأيّام المُتبقّية قبل الانتخابات غرائب أكثر.
رجلُ دين وامرأة عارية.
وقعُ الجملة يجعلنا نظنّ أنّ الأوّل هو القويّ، والثانية هي الضعيفة. الأوّل يدعو إلى الهداية، والثانية تجسّد الخطيئة.
الجملة توحي بأنّ الشيخ هو السماحة والبشاشة، والهدوء والرصانة، والحكمة والوداعة، وبأنّ الثانية هي الوقاحة والسفالة، والحقارة والبشاعة، والسفاهةُ والشقاوة.
لكن في شوارع بيروت، عاصمة الغرائب، ومدينة العجائب، العكس تماماً هو عين الواقع، لِئلّا نقول قلب الحقيقة.
في شوارع بيروت، عاصمة الغرائب، ومدينة العجائب، العكس تماماً هو عين الواقع، لِئلّا نقول قلب الحقيقة
العكس تماماً هو ما يجري: الشيخ رجلٌ مرعوب، وغاضب، وخائفٌ. والمرأة تمشي نصف عارية من الأسفل، من المتحف إلى بربور، هادئةً، واثقة الخُطى، ملكة.
الشيخ يقول كلاماً بالفصحى، بأحرف مُضخّمة، منفوخة، تدّعي البلاغة والحكمة، لكنّها فارغة، ومباشرة، وضعيفة. يحذّر من أنّ انتخاب مرشّح للقوات اللبنانية في جبيل سيرمي بنات الناخبين في بيوت الدعارة، وسيعرّيهنّ على شواطىء جبيل وجونية والمعاملتين. ولا داعي لتوضيح مقصده بجملة “جونية والمعاملتين”، وقد كانتا ذات عقود فائتة عاصمة مرابع السهر ونساء شرق أوروبا…
أمّا المرأة، وعلى خلاف ما تشتهر به النساء من كثرة الكلام، فكانت تمشي صامتة، لا تقول شيئاً، بأكثر ما يمكن للصمت أن يحمل من بلاغة. بلا لهجات ولا فصحى ولا حروف مضخّمة ولا أنا منفوخة. كانت تحمل اعتراضها في الشَعر الكثيف بين قدميها، الذي يُخفي ما انتظره المشاهد من كاميرا اللصوصية، لكنّه يبعث الرسالة كاملةً. كانت بعريها البخيل، تورِّط المشاهد في لعبة البحث عن الخبر، والتفتيش عن المعنى، وتقليب الأسباب وضرب الأخماس بالأسداس.
كان هو المباشر والعاديّ والخفيف. وكانت هي العميقة والصادِمة والثقيلة.
كان هو البذيء بتخويف الناس من هجوم الخطايا بسبب خياراتهم السياسية المعادية لرأيه. وكانت هي الغضب المكتوم، والاعتراض المثكول. استدرجتنا إلى التضامن معها، إلى التعاطف مع ظلم تتعرّض له في القضاء، من طليق وقضاة ورجال دين وغير دين.
ليس ضروريّاً الزيادة بأنّ الشيخ، ويا للمصادفة غير المفاجِئة، نصّابٌ ومحتالٌ، يتغطّى بلباس شيخ، ويضع على رأسه عمامة، كاستعارة، أو تشبيه، وهو السجين السابق بدعاوى نصب واحتيال… يختبىء خلف عمامته، ليطلب من الناخبين الاقتراع لحزب الله وليس للقوّات اللبنانية.
والمرأة بشعرها الأسود المفلوت، وحذائها العالي، وقميصها الأبيض، وشعر عانتها، كمجاز أرادته لنا، تعترض على تأخّر القضاء في بتّ دعاوى بينها وبين طليقها.
هو كان في الفيديو يصرخ ويقول كلاماً شديد التحريض، وهي في الفيديو كانت صامتة، دفعتنا دفشاً إلى جانبها.
العريُ هو ما يجمع بينهما. الشيخ يخوِّف شيعته من أنّ انتخاب القوات سيجعل بناتهم عاهرات. وهي تخوِّف من أنّ ظلم القضاء كشف عورتها Already.
كذلك يجمع بينهما القضاء. الأوّل تبيّن أنّه كان يحظى بمعاملة خاصّة في سجن رومية، لأنّه رجل.. دين. أمّا هي فحقّها مأكول، لأنّها امرأة… ومطلّقة.
إقرأ أيضاً: صورة الانهيار الكبير… بعد 15 أيّار
المقارنة مغرية كما دائماً: رجل دين، وامرأة عارية. للحظة يظنُّ واحدنا أنّ الانحياز الأخلاقيّ سهلٌ في هذه المقارنة.
لكن:
بين الشيخ والمرأة العارية… بربّكم، أيّهما أقرب إلى ضميركم أكثر؟