شكّلت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ذروة تدحرج العلاقات المركّبة جدّاً بين روسيا وإسرائيل، منذ بدء العملية العسكرية الروسيّة في أوكرانيا، ولا سيّما بعد إعلان إسرائيل أنّها “ستساعد كييف عبر آلاف الخوذ والدروع”، إذ قال لافروف: “حقيقة أنّ زيلينسكي يهودي لا تعني غياب العناصر النازيّة في بلاده. أعتقد أنّ أدولف هتلر كان دمه أيضاً يهوديّاً”.
على أثر ذلك قامت تل أبيب باستدعاء السفير الروسي وتوبيخه، وطالبت موسكو باعتذار، ووصف رئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت تصريحات لافروف بـ”الخطيرة”. فيما اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد أنّ تصريحات نظيره الروسي “مشينة ولا تُغتفر وتنمّ عن خطأ تاريخي فظيع”. وتابع قائلاً إنّ “اليهود لم يقتلوا أنفسهم في الهولوكوست. إنّ أحطّ مستوى من العنصرية ضدّ اليهود هو اتّهام اليهود أنفسهم بمعاداة السامية”.
يتعارض ردّ فعل تل أبيب الصارم على التصريحات الروسية مع موقف إسرائيل من الحرب في أوكرانيا، حيث حاولت تل أبيب الحفاظ على شكل من أشكال الحياد لعدم المسّ بآليّة التنسيق الأمني الإسرائيلي مع روسيا في سورية. ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا حاول الاحتلال الإسرائيلي الحفاظ على توازن صعب في موقفه من النزاع بين كييف وموسكو.
كرّرت روسيا مراراً وتكراراً أنّ أحد أهدافها في الحرب ضدّ أوكرانيا هو ما تسمّيه “إزالة النازية” من البلاد
هذا في حين أعادت أقوال لافروف حول “دم يهوديّ” لأدولف هتلر الحديث مجدّداً عن أصول “يهوديّة مفترضة” لأدولف هتلر تعود إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية. ففي عشرينيّات القرن الماضي عند بروز مؤسّس الحزب الاشتراكي القومي أُطلقت “تكهّنات بأنّ هتلر قد يكون له أصول يهودية”. وقد غذّاها خصومه السياسيون وعزّزها وصوله إلى السلطة في عام 1933.
اليهودي النازي؟
كرّرت روسيا مراراً وتكراراً أنّ أحد أهدافها في الحرب ضدّ أوكرانيا هو ما تسمّيه “إزالة النازية” من البلاد بعدما روّجت لمزاعم لا أساس لها من الصحّة بأنّ حكومة كييف “منغمسة في الأيديولوجية النازيّة”.
على خلفيّة الأزمة المندلعة بين موسكو وتل أبيب، وفي توقيت بالغ الحساسيّة، قام وفد رفيع من حركة حماس يضمّ عدداً من قادتها بزيارة روسيا تلبيةً لدعوة رسمية من وزارة الخارجية الروسية، واجتمع الوفد برئاسة موسى أبو مرزوق مع ممثّلين في وزارة الخارجية الروسية، ومع نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف ورئيس الجمهورية الشيشانية رمزان قديروف… بما يوحي بأنّ موسكو أرادت توظيف الأزمة السياسية الناشبة بين روسيا وإسرائيل وبعث برسالة قويّة لتل أبيب بأنّ حيادها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي حرصت عليه في الفترة الماضية، يمكن أن يتطوّر لمصلحة الفلسطينيين، وتحديداً حركة حماس التي تتّهمها تل أبيب بالإرهاب.
صحيح أنّ ظاهر الزيارة هو بحث الأوضاع في القدس، والتطوّرات الميدانية على الساحة الفلسطينية، والعلاقة الثنائية بين روسيا وحركة حماس، لكنّ الموضوع له بعد آخر، خصوصاً مع إعلان المتحدّثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أنّ “هناك مرتزقة من إسرائيل يقاتلون إلى جانب كتيبة آزوف المتطرّفة”، في مصنع الحديد والصلب. واعتبرت أنّ “إسرائيل لن تتمكّن من تجاهل ذلك، خصوصاً مع وجود فيديوهات وموادّ توثّق ذلك”.
كان انتشر كلامٌ عن أنّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تلقّى أخيراً نصائح إعلامية من مستشارين استراتيجيين مقرّبين من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو حول “فنّ إدارة الأزمات”. واعتبرت وسائل إعلام عبريّة أنّ الأزمة في العلاقات بين إسرائيل وروسيا “تتعمّق”، وتحدّثت عن “استياء إسرائيلي رسمي من الزيارة الرسمية لوفد حركة حماس لموسكو”.
لم تمضِ ساعات على اختتام الوفد الحمساوي زيارته لموسكو، حتى قُتِل ثلاثة مستوطنين بالبلطات في عملية مزدوجة قرب تل أبيب في مستوطنة “العاد” في يوم ما تسمّيه إسرائيل “عيد الاستقلال”. وذكر الإعلام الإسرائيلي أنّ العمليّة “مكتوبة على جبين يحيى السـنوار الذي دعا في خطابه الأخير إلى تنفيذ هجمات بالأسلحة والبلطات والسواطير، ردّاً على محاولات تقسيم الأقصى مكانيّاً وزمانيّاً”. وقال محلّل ومراسل الشؤون العسكرية في موقع “والا” العبريّ إنّ الذي حدث جاء مطابقاً لخطاب السنوار الذي دعا إلى تنفيذ العمليات بالبلطات.
معضلة الأوليغارش الروس
لاحقاً دعا عضو الكنيست إيتمار بن غفير طائرات سلاح الجوّ “الآن” إلى “إلقاء صواريخ على منزل يحيى السنوار، الذي دعا إلى شنّ هجمات بالسلاح والفؤوس، واغتياله”. أمّا المحلّل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” يوسي يهوشع فيعتقد أنّ سياسة الحكومة الإسرائيلية بفصل الجبهات قد فشلت فشلاً ذريعاً، وأنّ “التسهيلات الاقتصادية لقطاع غزّة لم تؤتِ أُكُلها، وإسرائيل تخطئ عندما تواصل تقديس سياسة الاحتواء بأيّ ثمن وتمنح حصانة للتنظيم”.
في سياق متّصل، حذّر تحقيق نشرته قناة “12” الإسرائيلية من خطورة تعاظم تأثير رجال الأعمال اليهود المقرّبين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الواقع السياسي في إسرائيل و”مصالحها الدولية”. وأشار التحقيق إلى أنّ رجال الأعمال اليهود الروس المقرّبين من بوتين والذين يحملون الهويّة وجواز السفر الإسرائيليَّيْن قد تمكّنوا من مراكمة نفوذ كبير داخل الساحة السياسية والاجتماعية الإسرائيلية عبر تبرّعاتهم السخيّة لمنظمات اجتماعية وسياسية ولسياسيين إسرائيليين. وذكر التحقيق أنّ هؤلاء الأوليغارش يحظون بتأثير كبير واحترام داخل إسرائيل، على الرغم من أنّهم منبوذون في العالم وتُصادر أموالهم وتمنعهم الدول من دخول أراضيها عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.
إقرأ أيضاً: روسيا تهاجم إسرائيل: دولة احتلال تسجن الفلسطينيين
كذلك يرى قطاع واسع من الإسرائيليين أنّ الأوليغارشيين الروس باتوا يمثّلون مشكلة لإسرائيل بسبب تورّطهم في قضايا جنائية وفرض عقوبات دولية عليهم. ولفت التحقيق إلى أنّ العالم بات يرى في إسرائيل “ملجأً لهم”، خصوصاً أنّ الأوليغارشيين اليهود الروس حصلوا على جوازات السفر الإسرائيلية بشكل يخالف “قانون العودة” الذي يمنح لليهوديّ الذي يثبت أنّه يقيم في إسرائيل المواطنة الإسرائيلية، ويحصل على جواز السفر بعد عام من حصوله على المواطنة، في حين أنّ هؤلاء “الأوليغارش” لم يستقرّوا ولو للحظة في إسرائيل.
* كاتبة فلسطينيّة مقيمة في غزّة