بدأت معركة رئاسة الجمهورية تحتدم في كواليس المشهد السياسي بعد الإفطار الذي جمع فيه الأمين العامّ لحزب الله حسن نصرالله حليفَيْه المسيحيَّيْن سليمان فرنجية وجبران باسيل. وعلى الرغم من عدم تطرّق المجتمعين إلى الانتخابات الرئاسية، إلا أنّ اللقاء فتح سجالاً بين الحلفاء، مستتراً خلف ستارة المعركة الانتخابية. فبينما يعتبر فرنجية أنّ حظوظه مرتفعة هذه المرّة، يرى باسيل رأياً آخر سيعبِّر عنه بعد الانتخابات النيابية.
بعد إفطار حارة حريك، وبحسب معلومات “أساس”، نقل مقرّبون عن باسيل قوله إنّه لن يعطي موافقته على تسلّم فرنجية رئاسة البلاد. تزامن ذلك مع كلام عن دعم حزب الله وترشيحه رئيس تيار المردة لرئاسة الجمهورية، على اعتبار أنّه حليفه الاستراتيجي ويتمتّع بعلاقات جيدة مع القوى الأساسية المعنيّة، دوليّاً وعربياً ومحليّاً. غير أنّ باسيل في مكان آخر، وله حسابات لا تتقاطع إطلاقاً مع طموح فرنجية إلى الرئاسة.
تنقل مصادر التيار الوطني الحر أنّ باسيل ينتظر نتائج الانتخابات النيابية ليبني على الشيء مقتضاه. فهو يرى أنّه سيعود بكتلة وازنة ستكون على الأرجح أكبر كتلة مسيحية. ولذلك ما الذي سيدفع رئيس أكبر كتلة مسيحية إلى التنازل عمّا يعتبره حقّه بالرئاسة لمصلحة “زعيم مناطقي لا تتعدّى كتلته أصابع اليد الواحدة”.
لن يكرّر الحزب تجربة ترشيح ميشال عون لأنّ الوضع اليوم مختلف عمّا كان عليه عام 2016
يتروّى باسيل في التعليق على الكلام عن تبنّي الحزب لفرنجية، منتظراً تبلور ليس فقط المشهد اللبناني بل مشهد تفاهمات المنطقة الذي سينعكس حكماً على الرئاسة. فباسيل المطوَّق بالعقوبات الأميركية، والمدرك أنّ حظوظه بالرئاسة هذه الدورة على الأقلّ هي صفر، يعمل على أن يكون له حقّ الفيتو على أيّ اسم، الذي سيستعمله حكماً ضدّ تسمية سليمان فرنجية للرئاسة.
في حسابات باسيل ليس تفصيلاً أبداً أن يكون رئيس الجمهورية من دائرته الانتخابية. لعلّها لعنة المرشّحين الثلاثة الدائمين للرئاسة (باسيل وفرنجية ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع) أن يكونوا من الدائرة الانتخابية نفسها، دائرة الشمال الثالثة، دائرة الرؤساء. لا سيّما أنّ كلّاً منهم يضع الفيتو المسيحي على تسمية أيّ منهم للرئاسة.
فيتوات متبادلة
في حالة فرنجية سيجتمع باسيل وجعجع على وضع الفيتو المسيحي، وفي حالة باسيل سيجتمع فرنجية وجعجع على رفع الفيتو في وجهه. فوصول ابن زغرتا إلى رئاسة البلاد سيضع ابن البترون في مأزق، لأنّ فرنجية سيتمكّن من تمتين زعامته وتوسيع رقعة انتشارها بفعل السلطة التي سيتمتّع بهما لتعزيز قواعده الشعبية، وهذا ليس لمصلحة باسيل الذي أمضى سنوات وجوده في السلطة يعزِّز قواعده في الشمال.
يقول مَن يزور بنشعي هذه الأيام إنّ فرنجية بدأ يقدّم نفسه على أنّه الرئيس المقبل، فيما بدأ الكلام يعلو في الكواليس السياسية عن احتمال تدحرج الأزمات وتسبّبها بتأجيل الانتخابات ريثما يستقرّ البركان في المنطقة على تسويات ستنعكس حكماً على لبنان في استحقاقاته المقبلة.
تزامناً يبدو حزب الله مدركاً تماماً لهذا الواقع، وفي المعلومات أنّه أقام الإفطار ليس فقط لمصالحة حليفَيْه المسيحيَّيْن، وليس فقط للإيحاء بأنّه سيكون لديه مرشّح رئاسي قريب منه يترجم مسلسل “انتصاراته” في المنطقة، بل ليقول لحلفائه أن يستعدّوا للمرحلة المقبلة لأنّها ممتلئة بالمواجهات السياسية والتسويات التي ستُترجم في توزيع نفوذ القوى في لبنان. وإنّ حزب الله بحاجة إلى انتصار كامل في الانتخابات النيابية ليقول للّبنانيين والعالم إنّه يتمتّع بميثاقية مكتملة.
أمّا عن الرئاسة فلا كلام بعد لحزب الله عن “تبنّي فرنجية رئيساً أو لا أحد”. لن يكرّر الحزب تجربة ترشيح ميشال عون لأنّ الوضع اليوم مختلف عمّا كان عليه عام 2016، إذ جاء انتخاب عون وفقاً لتفاهم أميركي – إيراني مولود من الاتفاق النووي الموقّع في عام 2015. أمّا اليوم فإنّ تباعد واشنطن وطهران في فيينا سيجعل تلاقيهما، أقلّه حاليّاً، على مرشّح توافقي للرئاسة اللبنانية أمراً صعباً. ومتى حصل ذلك لن يكون فرنجية خياراً، بل سيكون المرشّح الرئاسي اسماً تسوويّاً. وهو ما يدركه باسيل جيّداً مخطِّطاً للّعب على التناقضات التي لن تجعل منه رئيساً، لكنّها ستعطيه حقّ الفيتو.
إقرأ أيضاً: خطاب باسيل: البحر أمامي… والكلّ خلفي!
يحاول باسيل فعليّاً التحوّل إلى “ناخب أساسي” إن لم يكن له أن يكون رئيساً، فيما يتطلّع فرنجية إلى نيل توقيع باسيل لحسم المعركة الرئاسية قبل موعدها، مشدّداً أكثر من مرّة على عنوان رنّان: “أنا مع باسيل ضدّ جعجع”.
في المقابل، يراقب جعجع بهدوء خلاف الثنائي، مراهناً على تحوّله إلى كرة ثلج صداميّة تؤدّي إلى أن يكون هو الناخب الأساسي بعد اقتناعه بأنّه لن يكون رئيساً.