حوار السعوديّة وإيران: سقوط “خيار مأرب”

مدة القراءة 6 د

الحديث عن أنّ جولة خامسة من المحادثات عُقدت بين وفدين من إيران والسعودية في 21 نيسان، يعني أنّ خيار الحوار بين البلدين ما زال سارياً في طهران والرياض. توقّف الحوار لمدّة 7 أشهر لأسباب قيل إنّها تتعلّق بانتظار تشكّل حكومة عراقية جديدة، وقيل إنّها لأسباب أخرى.

ما زال مطار بغداد مكان تلك الجولات، وما زال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي راعياً للحوار الذي بدأ في نيسان من عام 2021. ومع ذلك فإنّ قلّة المعلومات عن مضمون هذا الحوار وأجندته وغياب البيانات الرسمية حول جلساته يضفيان من جهة طابعاً جدّيّاً من قبل الطرفين، لكنّه يعطي من جهة أخرى انطباعاً آخر بعدم استعجال الرياض وطهران، وربّما عدم حاجتهما الداهمة إلى الخروج باتفاقات نهائية.

ما صدر عن إيران حول الجولات الأربع السابقة انطوى على مبالغة في إعطاء صورة إيجابية متفائلة عن الحوار مع السعودية، فيما ورشتها الدبلوماسية الحقيقية والحيويّة مركّزة على المفاوضات حول البرنامج النووي، بحيث يبدو الحوار مع الرياض في بغداد أداة من أدوات ذلك الجاري مع مجموعة الـ 4+1 والولايات المتحدة في فيينا.

دعمت الدبلوماسية الإيرانية رواية الحوثيين للصراع، وراحت الاستراتيجية الإيرانية تفرج عن نفسها على ألسنة قيادات الميليشيات اليمنية

بالمقابل فإنّ ما صدر عن الرياض يخفّف من مستوى الآمال المعقودة على هذا الحوار. فهو “استكشافي”، وفق ما ردّد وزير الخارجية فيصل بن فرحان، وهو حوار تنتهج طهران فيه “موقفاً يتّسم بالمماطلة وعدم الجدّيّة”، وفق ما كشف المندوب السعودي في مجلس الأمن الدولي السفير عبدالله المعلمي أواخر العام الماضي. وأيّاً كانت الروايات، فإنّ حقيقة ما يجري داخل غرف المحادثات كان يمكن قراءتها بسهولة داخل ميدان اليمن وتطوّر الصراع هناك.

عملت طهران بالسرّ والعلن على دعم جماعة الحوثي في اليمن. دعمت الدبلوماسية الإيرانية رواية الحوثيين للصراع، وراحت الاستراتيجية الإيرانية تفرج عن نفسها على ألسنة قيادات الميليشيات اليمنية، بما في ذلك الوعد بالزحف نحو مكّة والمدينة بعد إسقاط النظام في اليمن والسيطرة على البلاد. سلّحت إيران الحوثيين بالصواريخ والمسيَّرات التي بإمكانها تهديد أمن السعودية والإمارات والجوار، وعملت على أن يكون خطاب الحوثيين مماثلاً لخطاب ميليشياتها التابعة في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان، وراحت منابر ميليشياتها في اليمن تأخذ على السيّد مقتدى الصدر في العراق انتهاجه خيار الدولة وابتعاده عن خيار “الولاية”.

 

نأي إيران بنفسها عن الحوثيين

ما تسرّب من جولات الحوار السعودي الإيراني الأربع قبل أشهر أفاد أنّ إيران كرّرت أنّ مسألة اليمن يقرّرها اليمنيون، وأنّها لا تستطيع ممارسة أيّ نفوذ داخل هذا البلد، عازية انفجار الصراع إلى أسباب يمنيّة يمنيّة. وتسرّبت معلومات أخرى أشارت إلى أنّ الطرف الإيراني نأى بنفسه عن أيّ تورّط في اليمن، واقترح التحدّث إلى حزب الله في لبنان لِما يملكه من علاقات وإلمام بالشأن اليمني.

كان واضحاً أنّ إيران غير جدّيّة في الإعراب عن حسن نوايا في ملفّ ساخن مرتبط بأمن السعودية. بدت جلسات الحوار جلبة غير مفيدة هدفها المماطلة وشراء الوقت على ما استنتج السفير العلمي. بالمقابل فإنّ وفد الحوثيين في مسقط آنذاك كان رافضاً لأيّ تسويات مطروحة، بما فيها المبادرة التي كان أعلنها وزير الخارجية السعودي في آذار 2021 لوقف إطلاق النار وإعلانه خارطة طريق للخروج من منطق الحرب إلى منطق السلام.

كان المحاور الإيراني في بغداد، كما المفاوض الحوثي في مسقط، ينتظر سقوط محافظة مأرب. وعلى الرغم من وضوح هذا الهدف من خلال تكثيف العمليات العسكرية الحوثية لتحقيقه، فإنّ الموقف الأميركي، منذ مقاربة الرئيس جو بايدن للحلّ في اليمن، بما في ذلك رفع ميليشيا الحوثي عن لوائح الإرهاب في شباط 2021، لم يكن رادعاً لهذا الهدف، وربّما كان مرحّباً بتطوّر عسكري بهذا الحجم قد يأتي مواتياً لخطّة البيت الأبيض لإنهاء النزاع في اليمن.

لم يكن مفاجئاً ذلك التقاطع في الأجندات الأميركية والإيرانية بموازاة عمل طهران وواشنطن على إعادة تفعيل الاتفاق الدولي المشلول حول البرنامج النووي الإيراني. سبق لإدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وكان جو بايدن نائباً له، أن “تفهّم” مصالح إيران. غضّ الطرف عن تجاوزاتها. وعمل على إزالة أيّ موانع أميركية تعرقل أهدافها في سبيل إنجاح المحادثات الأميركية الإيرانية التي كانت جارية في مسقط. قادت القناة العُمانية لاحقاً إلى مباركة مجموعة الـ 5+1 لاتفاق فيينا الشهير عام 2015.

 

تراجع “قيمة” الورقة اليمنية

تراجعت قيمة الورقة اليمنية في يد إيران داخل الجلسة الأخيرة لحوارها مع السعودية. خلال فترة توقّف تلك الجلسات تبدّلت المعطيات الميدانية العسكرية، وبات خيار “مأرب أوّلاً” صعب المنال، أو على الأقلّ سقط شرط تحقّقه للانتقال إلى التفاوض والتسويات. خلال تلك الفترة انقلب تماماً مشهد السلطة الشرعية في اليمن. سلّم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي سلطاته إلى مجلس رئاسي يقوده رشاد محمد العليمي بما ضخّ رشاقة ونجاعة ووحدة داخل الصف الحاكم، جعل من الطرف الحوثي في موقع عسكري متراجع وسياسي منعزل عن سياق يمني جديد يباركه المجتمع الدولي بإجماع نادر.

إقرأ أيضاً: تقدّم في الحوار السعودي – الإيراني.. ماذا عن لبنان؟

ما زال مستوى المحادثات السعودية الإيرانية أمنياً، رفيع المستوى. رأس الفريق السعودي رئيس المخابرات العامة خالد الحميدان، ورأس الفريق الإيراني نائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد إرافاني. والواضح أنّ ذلك الحوار لا ينتج تسويات بل إنّ معطيات الخارج هي التي قد تفعّل طبقات جديدة من الملفّات. ما زالت مصادر السعودية لا تفرج عمّا دار في محادثات الجولة الأخيرة، فيما مصادر إيران الصحافية تدّعي أنّ التطوّر اليمني هو من ثمار جلسات الحوار السابقة، وتستشرف لقاء يجمع وزيرَيْ خارجية البلدين يؤدّي إلى استئناف متدرّج للعلاقات الدبلوماسية بين العاصمتين.

باختصار إيران أقرّت للسعوديّين في بغداد بسقوط خيار “مأرب أوّلاً”.

 

*كاتب لبناني مقيم في لندن

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…