حضر اليمن، وغاب لبنان. هذه خُلاصة الجولة الخامسة من المُحادثات السّعوديّة الإيرانيّة في العاصمة العراقيّة بغداد يوم الخميس الماضي.
بعد توقّف الجلسات منذ شهر تشرين الأوّل الماضي، عادَ الطرفان الأكبران في الشّرق الأوسط إلى طاولة المُفاوضات، لكن يبدو أنّها كانت أكثر جدّيّة من سابقاتها التي كانت أولاها في شهر نيسان 2021.
بحسب مصدر أمنيّ عراقيّ واسع الاطّلاع لـ”أساس”، فإنّ كُلّاً من السّعوديين والإيرانيين أبدوا إيجابيّة في الدفع قُدُماً بالعلاقات الثّنائيّة بينهما
بحسب مصدر أمنيّ عراقيّ واسع الاطّلاع لـ”أساس”، فإنّ كُلّاً من السّعوديين والإيرانيين أبدوا إيجابيّة في الدفع قُدُماً بالعلاقات الثّنائيّة بينهما. حاول العراق أن يكسر الطّابع الأمنيّ للمُحادثات، فضمّ الوفدان، إلى المسؤولين في الاستخبارات والأمن القوميّ، سفيريْ المملكة العربيّة السّعوديّة وإيران لدى بلاد الرّافديْن. الاستثناء هذه المرّة أنّ رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي شارك شخصاً في إحدى الجلسات وإلى جانبه سفير المملكة العربية السعودية ونائب مدير مكتب الأمن القومي الإيراني سعيد عرفاني.
ماذا سبقَ اللقاء الخامس؟
مع توقّف جلسات المُفاوضات، كان التّوتّر يتصاعد بحدّة بين السّعوديّة وإيران على امتداد الشّرق الأوسط. هذا ما دفع وزير الخارجيّة العراقيّ فؤاد حسين معصوم ومُستشار الأمن الوطنيّ قاسم الأعرجي، إلى القيام باتصالات مكّوكيّة بين الجانبيْن تُوّجَت بزيارة معصوم والأعرجي للعاصمة الإيرانيّة طهران قبل 10 أيّام.
هذه المرّة لم تكن الجهود عراقيّة فقط. بحسب معلومات “أساس”، فإنّ سلطنة عُمان ودولة قطر لعبتا دوراً محوريّاً في دفع المُفاوضات بين الرّياض وطهران إلى الأمام. وأشارت مصادر “أساس” إلى أنّ من المُحتمل أن تستضيف العاصمة العُمانيّة مسقط جلسات مُستقبليّة يدور الحديث أنّ بدايتها قد تكون على مستوى وزراء الخارجيّة. وقد عُقد لقاء تنسيقيّ قبل اجتماع بغداد الخميس الماضي في العاصمة العُمانيّة، بجهودٍ كان وراءها وزير الخارجيّة بدر البوسعيديّ.
حديث الصورة: الرئيس العراقي مصطفى الكاظمي يتوسط ممثلين عن الوفد العراقي والإيراني
ماذا بحث الوفدان؟
كشفَت المصادر نفسها لـ”أساس” أنّ اليمن كان الحاضر الأبرز على الطّاولة، بينما كان لبنان الغائب الأبرز. أبدى الوفد الإيرانيّ مُطالعةً وصفها المصدر العراقيّ بـ”الإيجابيّة” اتّجاه المُبادرة السّعوديّة الأخيرة لحلّ الأزمة في اليمن. أمّا الوفد السّعوديّ فطلب من الإيرانيين أن يقوموا بدورٍ أكثر إيجابيّة، وأن يستعملوا نفوذهم لدى ميليشيات الحوثي للقبول بالحلّ السّياسيّ. وعلى هذا الأساس، أبدى الطّرفان استعدادهما لاستكمال بحث أمن الخليج واليمن في لقاءات قد تُعقد في مسقط.
أما عن احتمال نقل الحوار إلى مسقط، فيكشف المصدر العراقيّ أنّ إيران لا تزال غير مُتحمّسة لتقديم “هديّة سياسيّة” لرئيس الوزراء العراقيّ مصطفى الكاظميّ.
في الاجتماع، طرح الجانب العراقيّ مسألة تبادل الوفود الدّبلوماسيّة بين الرّياض وطهران. أبدى وفدا البلديْن ليونة اتّجاه المُقترح الذي يقوم على تبادل الوفود على مستوى أقلّ من سفراء، تمهيداً لعودة العلاقات الدّبلوماسيّة في أقرب فرصة ممكنة.
أكّد المصدر العراقيّ لـ”أساس” أنّ الفرصة سانحة اليوم لتنسيق أمن الإقليم والشّرق الأوسط بين المملكة وإيران، خصوصاً مع تراجع أولويّة المنطقة لدى الإدارة الأميركيّة. في هذا السياق يشير المسؤول العراقيّ إلى ما سمّاه “قطبة مخفيّة” في الاتفاق النّوويّ الإيرانيّ، تتعلّق بضمان الأمن الإقليميّ، ويقول: “لا يهمّ أين تُعقد اللقاءات، المُهمّ أن نفكّ عُقدة أمن الخليج، وعليه قد يسير الاتفاق النّوويّ قدُماً في حال توفير “خيمة أمان” للمنطقة في الحوار بين السّعوديّة وإيران.
يؤكّد المسؤول العراقيّ أنّ الجليد كُسرَ هذه المرّة بين الجاريْن اللدوديْن، لكنّ هذا لا يعني أنّ حلولاً سحريّة ستخرج، فالخلافات عميقة، والمهمّة الأبرز هي تنظيم هذه الخلافات، والتّحدّي الأبرز لنتائج هذا الحوار هو حلّ الأزمة اليمنيّة: “لننتظر تنسيق شؤون الحجّ هذا العام بين البلديْن، ونرى بعدها كيف سيتعاملان أحدهما مع الآخر”.
إقرأ أيضاً: حقل الدّرّة الخليجيّ: هل يُفجّر حرب إيران – السعوديّة؟
هكذا عادَ الحوار إلى بغداد، ولا تزال بيروت بعيدة عنه بُعدَ الأرض عن الشّمس. لن يتطرّق السّعوديّون ولا الإيرانيّون إلى ملفّ لبنان إلا بعد الانتخابات النّيابيّة في 15 أيّار المُقبل، وجلاء الصّورة أكثر، إن حصلت الانتخابات…