لبنان “سعيد عقل” يواجه انتخابات بلا عقل!

مدة القراءة 5 د

يستطيع اللبناني تسويق أيّ شيء وكلّ شيء، إلا أنّه يستحيل عليه أن يسوِّق أيّ مستقبل للبنان اليوم!

كانت مهارة اللبناني قادرة على بيع المستحيل، وتسويق الوهم، وترويج اللاشيء، لذلك كان من الممكن أن يبيعك “أفخاذ سمك” (على الرغم من عدم وجودها)، وإقناعك بحمامة ناصحة لاستئصال “بروستات نملة بيضاء” أو تعبئة هواء جبل الباروك في زجاجات.

هذه المهارات الإبداعية لدى العقل اللبناني لفظت أنفاسها الأخيرة على فراش السياسة اللبنانية التي تحتضر منذ سنوات.

مثلاً كيف يمكن أن تقنع أيّ سائح، ولو كان لبنانياً مغترباً، بعبارة “زوروا لبنان” التي كانت تزيّن ملصقات الدعاية منذ الستّينيّات؟

لم يعد لبنان كما كنّا نعرفه، وليس أمامه إلا التهميش والانكماش والتحوّل نحو دولة تعيش في محيط عربي، لكن ذات ولاء إقليمي فارسي متأثّر بقوّة بإرادة طائفة تؤمن إيماناً مطلقاً بمشروع ولاية الفقيه

كيف يمكن زيارة بلد بلا كهرباء، بلا إزالة القمامة من شوارعه، بلا انتظام لمؤسساته مضمون، بلا أدوية أساسية، بلا بنزين، معظم مقاهيه ومطاعمه ومؤسّساته المميّزة معطّلة أو مغلقة بشكل نهائي؟

لبنان الخير ذو الموائد العامرة يقدّم في برامج الطهو التلفزيونية وجبات رخيصة مثل مغربية بالبروكلي بدلاً من الدجاج، أو كبّة أقراص من البطاطا (البطاطس) بلا لحم مفروم.

لبنان هذا حكومته منزوعة الدسم، وهيكله المالي من العظام بلا أيّ شحوم أو لحم أو دماء.

في ظلّ الحرب الروسية-الأوكرانية، وانتقال الاهتمام الاستراتيجي لأميركا وأوروبا إلى الصراع مع الصين وروسيا، يتراجع أيّ اهتمام إقليمي أو دولي بلبنان.

فرنسا تهتمّ لأسباب داخلية تتّصل بشعبيّة المرشّح الرئاسي إيمانويل ماكرون.

السعودية تستجيب بشكل محدود للإلحاح الفرنسي عليها والرأي المصري.

واشنطن تتمنّى ألا تكسر المعارضة إمساك حزب الله بمفاصل الدولة عقب التعطيل الطوعي من سعد الحريري لدوره ودور تيار المستقبل.

من هنا تصبح نتائج الانتخابات النيابية يوم 15 أيار المقبل، مهما كانت، غير ذات تأثير إيجابي على بقاء مشروع الدولة ولا يمكن أن تؤدّي إلا إلى تراجع لبنان السيّد الحرّ المستقلّ القائم على التوافق السياسي والتراضي الطائفي.

لم يعد لبنان كما كنّا نعرفه، وليس أمامه إلا التهميش والانكماش والتحوّل نحو دولة تعيش في محيط عربي، لكن ذات ولاء إقليمي فارسي متأثّر بقوّة بإرادة طائفة تؤمن إيماناً مطلقاً بمشروع ولاية الفقيه.

الوضع الحالي ينضمّ إلى قائمة الأحداث السبعة المستحيلة التسويق بأيّ شكل من الأشكال، وهي:

أولاً: مبرّرات الحرب الأهليّة.

ثانياً: سلاح حزب الله.

ثالثاً: اغتيال الشهيد رفيق الحريري ورفاقه ومن تبعه من الشهداء.

رابعاً: وصول الجنرال ميشال عون إلى الحكم وثمن صفقة وصوله للسلطة.

خامساً: انهيار النظام المصرفي اللبناني.

سادساً: مجزرة مرفأ لبنان وتسجيلها ضدّ مجهول معروف.

سابعاً: الإعلان عن الرغبة في شطب 60 مليار دولار من ودائع الناس.

للأسف سوف يتمّ دهس المعارضة التي وُلدت في رحم انتفاضة تشرين الأول، وذلك تحت وطأة المال السياسي، لأنّ شراء الأصوات سوف يجعل الغلبة لِمَن يملك المال أكثر ممّن يملك الضمير والشرف والكفاءة

عنصران حاكمان لنتائج الانتخابات النيابية المقبلة، وهما: نظام الانتخابات المصمّم لمصلحة حزب الله وحلفائه، وتوافر المال السياسي لهذا التيار فقط بعد خلوّ الانتخابات من أصحاب المال السياسي السنّيّ (الحريري، ميقاتي، الصفدي).

في 14 حزيران 2017 صدر قانون الانتخابات النيابية الذي يعتمد النظام النسبي، ويقسّم الدوائر إلى 15 دائرة، رغم اعتراض وزير الداخلية آن ذاك نهاد المشنوق وتصويته المعارض ضدّ إقرار القانون علناً في مجلس النواب.

أدّى هذا النظام إلى نسبة مشاركة بلغت 49.2 في المئة للتنافس على 128 مقعداً.

ربح في هذه الانتخابات التيار الوطني الحر 8 مقاعد إضافية إلى مقاعده في الانتخابات السابقة، وربحت حركة “أمل” 3 مقاعد جديدة، وزادت القوات اللبنانية 8 مقاعد، وزاد حزب الله الكتلة التي تناصره ويمون عليها، محصّلاً “الأكثرية” للمرّة الأولى في تاريخه.

كان الخاسر الأكبر تيّار المستقبل الذي فقد 12 مقعداً. من هنا يصبح السؤال: من يستولي على الـ22 مقعداً لتيار المستقبل العازف عن المشاركة ككتلة في هذه الانتخابات بدون زعيمه وبدون مال سياسي داعم؟

للأسف لا يمكن تصوّر أيّ حلّ حقيقي من داخل النظام الحالي الذي تُوفّي بالسكتة الطائفية السياسية.

للأسف لا يمكن تصوّر حياة سياسية متوازنة في فراغ سياسي للطائفة السنّيّة الكريمة.

للأسف سوف تحتفظ الثنائية، وبقوّة، بأكثريتها في الانتخابات المقبلة.

للأسف سوف يتمّ دهس المعارضة التي وُلدت في رحم انتفاضة تشرين الأول، وذلك تحت وطأة المال السياسي، لأنّ شراء الأصوات سوف يجعل الغلبة لِمَن يملك المال أكثر ممّن يملك الضمير والشرف والكفاءة.

للأسف، على الرغم من صراخ وأنين الملايين من اللبنانيين، فإنّ المتوقّع أن يستأنف هؤلاء إعادة تدوير زعماء الطوائف الفاسدين.

إقرأ أيضاً: مسؤول كبير في الحزب… يتوعّد بـ”نهاية المختارة”

فيروس الطائفية البغيضة في الجسد السياسي اللبناني أقوى من كلّ مقاومة إيجابية تقف في وجهه.

لبنان الذي غنّى له وديع الصافي ووصفه بأنّه “قطعة من السما” أصبح مدفوناً تحت أرض الشرّ ومستنقع الفساد.

لبنان الذي وصفه الشاعر سعيد عقل قائلاً: “لي صخرة عُلّقت بالنجم أسكنها / طارت بها الكتب قالت: تلك لبنان”.

في هذا الشهر الفضيل لا نملك سوى أن نترحّم على لبنان العزيز، ونسألكم الفاتحة.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…