الميزة الوحيدة للقادة الشعبويّين بمنطقتنا، وتحديداً في ما يتّصل بالقضية الفلسطينية، أنّهم يذكّروننا دائماً بالترحّم على الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، رحمه الله. وقد يكون مقالي هذا الرابع أو الخامس في الترحّم على السادات.
وما يذكّرنا بالترحّم على السادات الآن هي تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان التي قال فيها أثناء مشاركته الأربعاء الماضي في اجتماع الكتلة النيابية لـ”حزب العدالة والتنمية” بالبرلمان التركي إنّ “علاقات بلاده مع إسرائيل هي للدفاع عن القضية الفلسطينية”.
قال إردوغان، بحسب وكالة الأناضول: “من الواضح أنّ سبل الدفاع عن القضية الفلسطينية تمرّ عبر إقامة علاقة منطقية ومتوازنة مع إسرائيل”، مضيفاً: “الخطوات التي نتّخذها بشأن علاقاتنا السياسية والاقتصادية مع إسرائيل شيء، وقضيّة القدس شيء آخر”.
نترحّم على السادات الذي أدرك بعبقريّة سياسية أنّه إن لم يستردّ أرضه فسيترك مصر عرضة للابتزاز، ولعبة بيد الشعبويّين
وأكّد أردوغان أنّ علاقات بلاده مع إسرائيل ستكون وفقاً للمعايير العالمية بالسياسة والاقتصاد، تماماً مثل أيّ دولة بالأمم المتحدة. قال إردوغان ذلك بعد كلّ ما قاله عن الدول العربية التي وقّعت السلام الإبراهيمي، واتّهمها حينها بالتفريط بالقضية، وتحديداً الأقصى. وقتذاك شنّت جماعة الإخوان المسلمين حملة شعواء ضدّ الدول الخليجية التي انضمّت إلى السلام الإبراهيمي، بينما يقول إردوغان اليوم إنّ حماية القضية الفلسطينية تتمّ عبر علاقات طبيعية مع إسرائيل، ومن دون تعليق من الإخوان!
لذا نترحّم على السادات الذي أدرك بعبقريّة سياسية أنّه إن لم يستردّ أرضه فسيترك مصر عرضة للابتزاز، ولعبة بيد الشعبويّين. استعاد السادات الأرض، وحمى مصر من أن تصبح ملعباً للجنون، كما يحدث في لبنان وسوريا، ومع تركيا إردوغان وعصابة الإخوان.
ليست القصّة هنا قصّة “قلنا وكتبنا”، بل للتذكير بالأحداث والوقائع التي تفضح تجّار القضية. مثلاً، كلام إردوغان هذا سبق أن قاله بشار الأسد. وسأقتبس من مقال كتبته بصحيفة الشرق الأوسط في 10 تشرين الثاني 2009.
والاقتباس هو من مقالي “الرئيس الأسد والنصيحة المفاجئة”. حينذاك سألت صحيفة “حرييت” التركية الأسد “عمّا إذا كان يحبّذ بناء علاقات مع بلد إسلامي علاقاته سيّئة مع أوروبا وضدّ إسرائيل، أم بلد علاقاته طيّبة مع أوروبا ويتعايش مع إسرائيل”.
أجاب الأسد: “إذا رغبت تركيا في مساعدتنا في موضوع إسرائيل فينبغي أن تكون لديها علاقات جيّدة بهذه الدولة”، مضيفاً: “كيف يمكنها في حالٍ معاكسة أن تلعب دوراً في عملية السلام؟”.
مثال آخر هو ما ورد الأسبوع الماضي في كتاب للدبلوماسي والمبعوث الأميركي فريد هوف بعنوان “بلوغ المرتفعات” كشف فيه تفاصيل المحادثات السرّيّة بين دمشق وتل أبيب بين 2009 و2011.
جاء في الكتاب أنّ الأسد قال لهوف: “الجميع سيُفاجأون بالسرعة التي سوف يلتزم بها حسن نصر الله بالقواعد عند إعلان كلّ من سوريا وإسرائيل التوصّل إلى اتفاق سلام”. فما إن يتمّ التوصّل للسلام لن يتمكّن نصر الله من الحفاظ على منصبه كزعيم “للمقاومة”!
إقرأ أيضاً: عندما يُعيد إردوغان النظر في طموحاته
وعليه، وبعد تصريحات إردوغان هذه، فإنّ على دولنا أخذ العِبَر مجدّداً من حنكة السادات، والاعتبار ممّا يتكشّف يوميّاً من أمر “تجّار القضية”، والأكيد أنّ لدى دولنا تفاصيل أكثر عنهم، ولذا لقد حان الوقت لإحياء عملية السلام مجدّداً خدمةً للقضية الفلسطينية بشكل فعليّ، ومن أجل حقن الدماء ووقف دائرة العنف، ووقف ضياع الفرص.