هل نجحت حماس في “ربط” الأقصى بغزّة؟

مدة القراءة 6 د

في تطوّر لافت، شهدت الأيام الأخيرة إطلاق عدّة صواريخ من قطاع غزة تجاه مستوطنات غلاف غزّة. وهي الأولى بعد هدوء دام قرابة عام منذ معركة “سيف القدس”، وذلك ردّاً على اقتحامات قوات الاحتلال للمسجد الأقصى المبارك، واعتدائها على المصلّين واستفزازات المستوطنين للمعتكفين في المسجد خلال شهر رمضان. فيما قام جيش الاحتلال بقصف عدّة مواقع تابعة للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، من بينها مصنع لإنتاج محرّكات للصواريخ، كانت تل أبيب تتحيّن الفرصة لقصفه.

في موازاة الردّ العسكري والقصف بالطائرات الحربية على ما سمّته تل أبيب “سياسة تنقيط الصواريخ”، نفّذ الاحتلال الإسرائيلي هجوماً بالطائرات المدنية الاقتصادية على مصالح غزّيّة، فقرّرت السلطات الإسرائيلية إغلاق معبر بيت حانون/إيريز شمال القطاع أمام التجّار والعمّال، على أن يكون ذلك بمنزلة سياسة متّبعة، وهو ما سيؤثّر على 12 ألف عامل من غزّة يدخلون إسرائيل يوميّاً، ويتقاضى كلّ منهم ما معدّله 150 دولاراً في اليوم، فتكون كلفة إغلاق معبر إيريز ليوم واحد خسارة قطاع غزة لمليون ونصف مليون دولار، وبالطبع الخسارة تصل إلى خزينة حماس.

تعتبر المحافل الأمنيّة والعسكرية الإسرائيلية أنّ أمامها “لعبة خطيرة” قد تخرج عن نطاق السيطرة، لذلك سيواصل الجيش الإسرائيلي البقاء في حالة تأهّب قصوى، وسيزيد قوّاته في الأسابيع المقبلة حول القطاع وفي الضفة الغربية ومحيطها

كشفت مصادر مطّلعة على ملفّ الوساطة المصرية بين حماس وإسرائيل، أنّ القاهرة طلبت من حماس عدم إطلاق، أو السماح بإطلاق، أيّ صواريخ من قطاع غزة تجاه الأراضي المحتلّة أو مستوطنات غلاف غزة، لعدم الوصول إلى نقطة اللاعودة. وأشارت إلى أنّ التحذير المصري للحركة جاء محمولاً بمبرّرات مفادها أنّ حكومة رئيس الوزراء نفتالي بينيت الحالية في أضعف حالاتها، نتيجة تفكّكها، وهي قد تجد التصعيد ومزيداً من القسوة ضدّ غزة الملجأ الوحيد لضمان بقائها وتجاوز أزمتها السياسية.

مطالب فصائل غزّة

من جانبها أبلغت الفصائل المسلّحة في غزة الوسيط المصري بأنّها ليست معنيّة بالتصعيد، لكنّ الاستفزازات الإسرائيلية في القدس والضفة والداخل الفلسطيني المحتلّ عوامل تدفع إلى “الانفجار الشامل”، وأنّ “على الوسطاء دفع الاحتلال الإسرائيلي إلى وقف عدوانه على الفلسطينيين أوّلاً، قبل الطلب من المقاومة عدم الردّ على الانتهاكات الإسرائيلية”.

ترفض الفصائل الفلسطينية محاولات تحييد غزّة والاستفراد بالقدس والضفة الغربية، محذّرةً في الوقت نفسه من محاولات إسرائيلية لدفع الفصائل في غزّة للعب دور المفاوض حول ما يجري في القدس، قائلةً إنّ ذلك يعني الموافقة الضمنية على التقسيم المكاني والزماني.

تصف الصحف العبرية الهدوء على جبهة قطاع غزة بـ “الهشّ”، وترى أنّ احتماليّة انفجار الأوضاع ما تزال كبيرة. وبحسب صحيفة “هآرتس”، فإنّ إطلاق الصاروخ من غزّة تجاه مستوطنات الغلاف بعد أكثر من نصف عام على الهدوء، دفع إسرائيل إلى “ردّ محسوب”، في موازاة “رفع جاهزيّة قواتها بشكل كبير، تحسّباً لأيّ تطوّر” على جبهة غزّة.

لا تُخفي المحافل الأمنيّة والعسكرية انزعاجها ممّا حقّقته حماس من إنجازات في المواجهة الدائرة ضدّ الاحتلال، في ذروة الأحداث في المسجد الأقصى، التي تؤسّس سياسة ردع جديدة، وتظهر حماس “المدافع عن القدس والمسجد الأقصى” وعن مخيّم جنين للّاجئين، وتكشف عجز الاحتلال أمامها.

تبدي أوساط الاحتلال قناعتها بأنّه حتى بعد انقضاء شهر رمضان، يُتوقّع للتوتّرات الشديدة والاستنفار الأمني في قطاع غزّة والضفة الغربية ومدن الخط الأخضر، أن تستمرّ حتى منتصف أيار في ذكرى النكبة

تل أبيب وأرباح حماس

برأي قادة تل أبيب، فقد خرجت حماس من أحداث القدس بربح إضافي، من دون أن تضطرّ إلى دفع ثمن قاسٍ لذلك. فقد نجحت بتثبيت معادلة “غزّة – القدس – الضفة الغربية”، التي رفعتها في معركة سيف القدس العام الماضي، عقب أحداث حيّ الشيخ جرّاح في القدس. بالإضافة إلى أنّها دفعت أقدام السلطة الفلسطينية من المسجد الأقصى، وثبّتت أقدامها فيه، عبر رفع رايات حركة حماس في المسجد الأقصى وقبّة الصخرة، وتعبئة الشارع المقدسي، عبر الهتاف لمحمد ضيف قائد كتائب القسام.

ترى تل أبيب أنّ حركة حماس والجهاد الإسلامي فرضتا قواعد جديدة عليها تمثّلت بإلغاء مسيرة الأعلام التي يقوم بها المستوطنون إلى داخل باب العمود في المسجد الأقصى، لمناسبة عيد الفصح اليهودي، وتعهُّد حكومة بينيت بعدم السماح للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى حتى نهاية شهر مضان، وذلك لمنع إطلاق أو تنقيط صواريخ حماس والجهاد من غزة، تجنّباً لجولة قتال أخرى في غزة.

“سياسة الإنكار”

تشير المعطيات الإسرائيلية إلى أنّ حماس قرّرت القيام بنشاط محدود لإطلاق صواريخ بـ”التنقيط” على إسرائيل لعدّة أسباب، أوّلها الاحتفاظ بمساحة إنكار، فالحركة لا تعترف بمسؤوليّتها عن إطلاق الصواريخ، وتزعم للوسطاء أنّ من يطلقها عناصر “جامحة” في قطاع غزّة. على الرغم من أنّ الحركة، وفق التقدير الإسرائيلي، تحاول اجتياز عيد الفطر بهدوء نسبي في قطاع غزّة، ولا تريد استمرار عقوبات مصر التي هدّدت بوقف أعمال إعادة الإعمار إذا شنّت جولة جديدة من القتال ضدّ إسرائيل.

بالطبع، أكّدت أحداث الأقصى أنّ العالم العربي والإسلامي، بمستوياته الشعبية والرسمية، لن يقف مكتوف الأيدي إزاء محاولة إسرائيل السيطرة على المسجد الأقصى المبارك.

في هذا السياق، ذكرت كاسنيا سيفاتلوفا، عضوة الكنيست السابقة، أنّ “الأحداث الأخيرة قدّمت لإسرائيل معطيات تؤكّد أنّ اقتحام شرطي أو مستوطن للمسجد الأقصى كفيل بإلهاب العالمين العربي والإسلامي، ويهدّد بإفشال اتفاقيات التطبيع”. وأضافت أنّه “عندما تشتعل النيران في الأقصى فإنّ جميع القنوات الإعلامية والمواقع الإخبارية ستسلّط الأضواء على الأقصى، حتى يظنّ أحد المارّة الإسرائيليين أنّها الحرب العالمية الثالثة”. هذا التخوّف الإسرائيلي من تحوّل أيّ حدث في الأقصى إلى مسار حتمي للصدام، يؤكّد أنّه قادر على إعادة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى أصوله الدينية وجذوره التاريخية، بل إنّه عمل على تبديد فرص نجاح الاتفاقيات التطبيعية.

إقرأ أيضاً: موقعة الأقصى: عودة إلى فلسطين

وتبدي أوساط الاحتلال قناعتها بأنّه حتى بعد انقضاء شهر رمضان، يُتوقّع للتوتّرات الشديدة والاستنفار الأمني في قطاع غزّة والضفة الغربية ومدن الخط الأخضر، أن تستمرّ حتى منتصف أيار في ذكرى النكبة. وتعتبر المحافل الأمنيّة والعسكرية الإسرائيلية أنّ أمامها “لعبة خطيرة” قد تخرج عن نطاق السيطرة، لذلك سيواصل الجيش الإسرائيلي البقاء في حالة تأهّب قصوى، وسيزيد قوّاته في الأسابيع المقبلة حول القطاع وفي الضفة الغربية ومحيطها.

*كاتبة فلسطينية مقيمة في غزّة..

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…