لأنّ الحرب الروسية الأوكرانية تشتعل في أوروبا، وبفعل التغطية الإعلامية الجبّارة لمجرياتها ولأدقّ تفاصيلها، ونظراً إلى أنّ العالم كلّه متضرّر من عصفها، مثل الضرر الذي ألحقته كورونا، فإنّ من ضمن النتائج الأوّلية والمباشرة لهذه الحرب، أنّها غطّت على حرب أصغر تجري أحداثها الدامية في ساحة ضيّقة، بل أضيق بكثير من مساحة مقاطعة أوكرانيّة.
بمقياس النسبة والتناسب فإنّ ما يجري عندنا في فلسطين هو أفدح ممّا يجري في أوكرانيا. فالدولة العسكرية الأولى في الشرق الأوسط، وهي بالمناسبة نووية، تحارب شعباً لا يمتلك ولو واحداً من المليون ممّا تمتلكه أوكرانيا. وهذا الشعب يحارب لتحرير ستّة آلاف كيلومتر مربّع يسعى الإسرائيليون لمقاسمته إيّاها والسيطرة الدائمة عليها.
الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين، التي يقترب عمرها من القرن، هي حرب خلفيّة لكلّ حروب القرنين العشرين والواحد والعشرين، وهي في ذات الوقت الحرب التي لا ترى إسرائيل حلّاً لها إلا بمزيد من الحروب
لا مغالاة في ما أقول: “إحسبوها جيّداً”. فبعد العمليات التي قُتل فيها أحد عشر إسرائيلياً، جنّدت الدولة العبرية مئات الآلاف من حَمَلة السلاح لتغطي كلّ مدينة وقرية ومستوطنة إسرائيلية، فوق ما تغطّيه أصلاً من مناطق في الضفة الغربية وغلاف غزة. وساعة كتابة هذه المقالة أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن حاجتها إلى تجنيد ألوية إضافية جديدة كي تستطيع تأدية مهامّها على الجبهات الأربع التي أشدّها سخونة هي الجبهة الفلسطينية، مع أنّها الأقلّ تسلُّحاً والأضيق مساحة.
طُرحت أمس على النقاش الجدّيّ في إسرائيل إضافة جدار طوله مئة وعشرون كيلومتراً للفصل بين أمّ الفحم والقدس، لاستكمال الجدار الذي طوله سبعمائة كيلومتر، مع تخصيص قوات وموازنات لترميم الجدار القديم وإغلاق فتحاته، وكأنّ الحكاية تتعلّق بكم فتحة في الجدار وليس كم سنة عاش الاحتلال، وكم سنة سيعيش، وكم مستوطنة أُقيمت، وكم مستوطنة جديدة ستُقام!
تبدو حصّة هذه الحرب، التي تجري في بلادنا، في الإعلام والاهتمام الدولي متواضعة، وتكاد تكون معدومة، وكذلك حصّتها من المعالجة إلا من نداءات عابثة وأحاديث وعظيّة عن مزايا التهدئة، ودعوات للفلسطينيين الذين يتلقّون على رؤوسهم أقسى الضربات إلى التعقّل ومقايضة المطالب الوطنية الأساسية بالتسهيلات، التي مهما بلغت فلن تصل إلى نسبة واحد بالمليون ممّا لدى الفلسطينيين من حقوق يستولي عليها الإسرائيليون.
الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين، التي يقترب عمرها من القرن، هي حرب خلفيّة لكلّ حروب القرنين العشرين والواحد والعشرين، وهي في ذات الوقت الحرب التي لا ترى إسرائيل حلّاً لها إلا بمزيد من الحروب.
إقرأ أيضاً: بايدن يدعم بينيت في وجه نتنياهو..
أمّا الفلسطينيون الذين هم الضحيّة الدائمة لهذه الحالة المأساوية فليس أمامهم من خيار سوى تقبُّل أقدارهم ومواصلة اعتناق شعارهم الطويل الأمد: “لا راية بيضاء تُرفع وليكن ما يكون”.