لا يحتاج المرء إلى جهد كي يجد دليلاً على أنّ مفعول الهدنة التي أوقفت حرب اليمن قد وصل إلى لبنان، وتحديداً إلى ضاحية بيروت الجنوبية، معقل “حزب الله”. فوسائل إعلام الحزب التي لم تهدأ، منذ بدء التمرّد الحوثي على الشرعيّة في اليمن العام 2015، في دفاعها عن هذا الفصيل في “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، جنحت منذ بدء سريان الهدنة هذا الشهر إلى إطفاء محرّكات التصعيد ضدّ قوات تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية.
تضمّن مقال نشره موقع “العهد” التابع للحزب في الرابع من الشهر الجاري وحمل عنوان “السعودية وخدعة الهدنة واستمرار الرهانات الخائبة”، “نصائح” بالذهاب إلى السلام هناك، ومنها: “… ربّما تقول الأخلاقيات إنّ العودة إلى التعاون العربي والإسلامي هو الطريق الأمثل للمصلحة العامة، وبه ضمانة لطرد الاستعمار ونفوذه. وربّما تقول البراغماتية إنّ التوازنات تغيّرت، وإنّ المصلحة تكمن في التعاون مع القوى الطبيعية بالإقليم، والاعتراف بتوازنات القوى، والحوار للقضاء على أيّة هواجس أو مخاوف”.
ما لم يظهر إلى العلن هو المعلومات التي تحدّثت عن اتصالات، بينها اتصال بين رئيس النظام السوري بشار الأسد والأمين العامّ لـ”حزب الله” حسن نصرالله عشيّة إعلان الهدنة
من دون الدخول في مناقشة هذه “النصائح”، يمكن قراءة المكتوب من عنوانه. وهو يقول إنّ المرشد الإيراني يطلب الاعتراف بالنفوذ الفارسي في هذه المنطقة العربية الاستراتيجية. لكن فات المرشد وأذرعته أنّ السلام في اليمن لن يكون إلا عربيّاً، بدليل أنّ الهدنة وُلدت في عاصمة المملكة، حيث أفادت الأنباء عند إعداد هذا المقال أنّ “المشاورات اليمنية – اليمنية المنعقدة برعاية خليجية في الرياض شهدت تقدّماً وتوافقاً ملحوظاً في المحاور كافّة، وذلك بعدما تمّت مناقشة التحدّيات التي تواجه البلاد أمام حكومة الكفاءات اليمنية ودراسة الحلول المناسبة لها”، وفق ما أوردت صحيفة “الشرق الأوسط”. فيما سارع مجلس الأمن الدولي إلى الترحيب بإعلان المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، يوم الجمعة الماضي، عن التوصّل إلى هدنة في اليمن لمدّة شهرين قابلة للتجديد.
دور الأسد في هدنة اليمن
ما لم يظهر إلى العلن هو المعلومات التي تحدّثت عن اتصالات، بينها اتصال بين رئيس النظام السوري بشار الأسد والأمين العامّ لـ”حزب الله” حسن نصرالله عشيّة إعلان الهدنة. وجاء هذا الاتصال بعد زيارة الأسد لدولة الإمارات العربية المتحدة التي وُصفت بأنّها تطوّر غير مسبوق منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011. وما كُتب عن هذه الزيارة تمحور حول كيفيّة عودة دمشق إلى العمل العربي. لكن غاب عن هذه الكتابات أنّ حرب اليمن والإعداد للهدنة فيها برعاية سعودية كانا في صلب المحادثات الإماراتية-السورية. ومن نتائج هذه المحادثات انخراط الأسد في الاتصالات مع الجانب الإيراني و”حزب الله”.
من البديهي القول إنّ لبنان الخاضع لنفوذ “حزب الله” صار منصّة مهمّة لإيران في إدارة حرب اليمن، منذ أن أوكل “وليّ الفقيه” علي خامنئي إلى نصرالله مهمّة إدارة الحرب، على أن يكون الأخير القناة التي تمرّ بها الإمكانيات التي وظّفتها طهران في تلك الحرب.
لم يكن نبأً سعيداً في طهران والضاحية ما وصلت إليه محادثات الرياض من هدنة في “اليمن السعيد”
هزيمة الحوثي
من تتسنّى له زيارة مدفن “روضة الشهيدين” في الضاحية الجنوبية، يستطيع أن يقرأ الأسماء اليمنية على شواهد القبور، وبعضها لقيادات حوثية تُوفّيت خلال وجودها في لبنان لتلقّي العلاج. ولم يعد سرّاً أنّ مقرّات أساسيّة للحوثيين ما زالت في الضاحية تتولّى متابعة شؤون عسكرية وإعلامية. وبفضل سيطرة “حزب الله” على مطار بيروت، صار هذا المنفذ من أهمّ المنافذ الخارجية للحوثيين على العالم. وقبل المطار، كان مرفأ بيروت، قبل أن يدمّره انفجار 4 آب 2020، منطلقاً لإرسال العتاد على أنواعه إلى ميناء الحديدة لرفد الحوثيين بوسائل الحرب، فضلاً عن إرسال مقاتلين ومدرِّبين، كما ظهر في فيديوهات توثّق هذا الوجود في أعوام سابقة.
لم يكن نبأً سعيداً في طهران والضاحية ما وصلت إليه محادثات الرياض من هدنة في “اليمن السعيد”. لكنّ إيران أدركت أنّ ذراعها اليمني لم يعُد قادراً على الاستمرار في الحرب، كما كان من قبل، منذ الهزائم التي مُنيَ بها في مأرب. ولعلّ تصعيد حرب المسيّرات الأخيرة كان بمنزلة الاستعداد للقبول بالهدنة في العاصمة السعودية.
إقرأ أيضاً: مسيَّرات الحوثيّ الإيرانيّة تنطلق من الضاحية أيضاً!
من الآن فصاعداً يجب مراقبة متى تعود المدافع عن صمتها إذا ما ارتأت طهران ذلك. وحتى ذلك الحين، يمكن القول إنّ اليمن يحتاج إلى كلّ لحظة هدوء كي ينجو من حرب إيران المفروضة. وفي لبنان، نعلم جيّداً معنى أن يعيش هذا البلد خارج نفوذ إيران.