لا حلّ للشرق الأوسط… خارج فلسطين

مدة القراءة 6 د

فاجأت عمليات بئر السبع والخضيرة ومستوطنة بني براك في منطقة جنين، خلال الأسبوع الأخير، القيادة السياسية وأجهزة الأمن في إسرائيل. فقد كانت تتوقّع تصعيداً أمنيّاً في القدس أو من قطاع غزة خلال شهر رمضان، وليس في مدن إسرائيلية.

سواء كان الأمر صدفة أم لا، فقد وقع هجوم الخضيرة في الذكرى العشرين لعملية فندق نتانيا بارك، التي قتل فيها فلسطيني 30 إسرائيلياً في عيد الفصح، وأدّت إلى أن تطلق حكومة شارون “عملية السور الواقي” في الضفة الغربية، بينما نُفّذت عملية بني براك في ذكرى يوم الأرض.

اعتبرت صحيفة “هآرتس” أنّ مقتل 11 إسرائيلياً في العمليات الثلاث هو “حدث استراتيجي أمني، لكنّه سياسي بالدرجة الأولى. فقبل أسبوع كنّا في واقع آخر. لقاءات قمّة متتالية في تركيا ثمّ في شرم الشيخ، وبعدهما قمّة النقب. وبدا أنّ إسرائيل في بداية عهد جديد، شرق أوسط جديد، وكلّ هذا يبدو الآن معزولاً عن الواقع”.

حكومة بينيت، وقبلها حكومة نتانياهو، ما زالت تدفن رأسها بالرمل، وتعاند حقائق التاريخ، والقانون الدولي، وتكتفي بالتعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم ملفّاً أمنيّاً

كان يُفترض بـ”قمّة النقب” أن تكون لحظة تاريخية لإسرائيل، لكن بعد وقت قصير من الاجتماع وأثناء وليمة العشاء الاحتفالية، وصلت التقارير عن عملية الخضيرة.

لقد قمّة النقب أو قمّة “سديه بوكر”، التي لم يُدعَ إليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقبلها قمّة شرم الشيخ، حلم شمعون بيريس بـ”الشرق الأوسط الجديد”: تعاون مكشوف بين إسرائيل ودول المنطقة على قاعدة المصالح المشتركة، من دون صلة بوضع الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي أو بحلّ شامل للنزاع.

 

أين الشريك الفلسطيني؟

اعتبر اليسار الإسرائيلي أنّ تجاهل القضية الفلسطينية من قبل رئيس الوزراء نفتالي بينيت لم يثبت أنّه تكتيك ناجح، خصوصاً بعد سلسلة العمليات التي ضربت إسرائيل، وأنّ رام الله أقرب إلى بينيت من موسكو أو كييف، وأنّه بدلاً من إهدار بينيت طاقته خلال شهر طويل للتوسّط بين بوتين وزيلينسكي لحلّ النزاع الروسي الأوكراني، ومن الإصرار على تجاهل أبو مازن، والحديث مراراً وتكراراً أنّه لا يوجد شريك فلسطيني للسلام، فإنّه كان أحرى ببينيت لقاء الرئيس الفلسطيني والاتصال به، لمحاولة حلّ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

قال الكاتب الإسرائيلي رام ليفي: “لم يكن السلام بحدّ ذاته في أيّ يوم قيمة في إسرائيل. ليست السلمية أو الأوهام حول العالمية وفق روح نصوص من مثل “لا يحمل أممي على أيّ أممي السيف”، كما قال النبي إشعيا، أو أحلام بشرق أوسط جديد وأكل الحمص في دمشق، هي مطلبنا. ما كان يريده معظمنا هو التوصّل إلى هدوء الجيران، استقرار المنطقة، اعتراف دولي، حدود تضمن استقلالاً جوهرياً، خلق شروط للهدوء الداخلي. كانت تنقص جسم الدولة الإسرائيلية طبقة من الجلد، وعندما قلنا “سلام”، كان القصد بالأساس كلّ هذه الأمور، وآمنّا بأنّه ما لم يوجد سلام فإنّ إسرائيل لن تكون آمنة”.

لكنّ حكومة بينيت، وقبلها حكومة نتانياهو، ما زالت تدفن رأسها بالرمل، وتعاند حقائق التاريخ، والقانون الدولي، وتكتفي بالتعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم ملفّاً أمنيّاً.

اعتبر اليسار الإسرائيلي أنّ تجاهل القضية الفلسطينية من قبل رئيس الوزراء نفتالي بينيت لم يثبت أنّه تكتيك ناجح

ما تخشاه حكومة نفتالي بينيت هو فقط أيّ جولة تصعيد مقبلة، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية والقدس أو حتى في الداخل المحتلّ، وتحاول أن تبقي الأوضاع “تحت سيطرتها الأمنية”. خصوصاً أنّه في رمضان الماضي جرت عملية “سيف القدس”، التي سجّلت خلالها حماس إنجازاً نادراً بنجاحها في ربط كلّ أجزاء الشتات الفلسطيني، وتحريك الضفة الغربية، وأوساط عرب إسرائيل. ويعتقد المستوى الأمني في إسرائيل أنّ حماس تفعل كلّ شيء لإعادة الإنجاز في رمضان الحالي، لكنّها لا تريد إعادته في غزّة حيث إنّها غير مستعدّة بعد لمواجهة أخرى، بل تريده في الضفة وفي أوساط عرب إسرائيل.

من ناحية ثانية، ذكرت مصادر مطّلعة أنّ وفوداً إسرائيلية أمنية-سياسية زارت القاهرة سرّاً خلال الأيام القليلة الماضية، وطلبت من القاهرة حرفيّاً الضغط على غزّة لمنع تأجيج حالة التصعيد الحاصلة، ووقف الدعم الإعلامي للعمليات التي تجري في الضفة والقدس والداخل، والتي كانت بمنزلة خرق أمني للشاباك.

 

القدس ورمضان

هذا وتخشى إسرائيل تدهور الأوضاع في القدس، خصوصاً في شهر رمضان. وخلال لقاء الملك الأردني عبد الله الثاني بالرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ في قصر الحسينية في عمّان، طلب الأخير من العاهل الأردني أن يبذل ما في وسعه من أجل تهدئة الأوضاع في القدس، فيما أكّد الملك الأردني “ضرورة العمل من قبل الجميع لتحقيق السلام، حتى لا يستمرّ الفلسطينيون والإسرائيليون بدفع الثمن، وحتى تتمكّن المنطقة بكاملها من تحقيق إمكانياتها” في التعاون والتكامل الاقتصادي.

بالطبع تمثّل الضفة الغربية الخاصرة الرخوة لتل أبيب مع وجود كمّ هائل من المستوطنات التي تبلع الضفة. وتدرك إسرائيل أنّ الوضع الأمني السائد في الضفة الغربية، الذي يبدو مسيطَراً عليه من قبل إسرائيل والسلطة الفلسطينية، مرشّح للتغيّر بشكل حتمي، انطلاقاً من نظرية “التمساح المقلوب”. على الرغم ممّا يدّعيه الاحتلال من أنّ ما قد يمنع الفلسطينيين من الذهاب إلى مواجهة مفتوحة في الضفة أنّه بات لديهم اليوم ما يخسرونه بعدما أصبحت عندهم مجمّعات تجارية ومقاهٍ ليلية، وسياحة، وفنادق، وفروع كنتاكي، وعشرات آلاف تصاريح العمل في إسرائيل.

إلى ذلك تلتفت أنظار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين بقلق إلى آلاف من مقاتلي فتح المسلّحين، الذين يجلسون في هذه المرحلة على السياج في انتظار التغيّرات المرتقبة في الضفة الغربية، فضلاً عن الخلايا النائمة لحماس، والمسلّحين المنفردين أو “الذئاب المنفردة”، الذين يستيقظون في الصباح، ومن دون إنذارات أمنيّة مسبقة يخرجون لشنّ هجوم، ثمّ يقفز شخص يلتقط صورة مع بندقية M-15 على Facebook ويكتب منشوراً: “غداً ستشرق الشمس من أجل مستقبل أفضل”.

 

تجميد قضية فلسطين

لكنّ بيت القصيد في المشهد الراهن هو تجميد إسرائيل للقضية الفلسطينية سياسياً ومعنوياً، بإجازة عربية ودولية، وبصمت فلسطيني رسمي ومعارض. أمّا الثمن الذي تقدّمه دولة الاحتلال وإدارة جو بايدن الأميركية ودول أخرى، فهو شراء الهدوء الفلسطيني بزيادة عدد العمّال والتصاريح لغزّة والضفّة الغربية، وبمفاوضات اشتراطية لتمويل السلطة، وبتجديد المنحة القطرية لحماس، وبإعادة إعمار جزئية وبطيئة لغزّة.

إقرأ أيضاً: غزّة بعد أوكرانيا: لن يمرّ قصف المدنيين بعد اليوم

لكن لا يبدو سهل المنال شرق أوسط جديد بدون الفلسطينيين. وكما قال الكاتب الإسرائيلي ألوف بن: “بعد إغلاق الكاميرات، ستبقى إسرائيل مع نفس المشكلات الوجودية في علاقتها مع الفلسطينيين. لذلك يجدر بزعمائها أن لا يوهموا أنفسهم بأنّ النزاع سيتمّ طمسه تحت أكوام مساحيق التجميل في الصور الرسمية، وعملية بئر السبع غير بعيدة عن مكان عقد القمّة في النقب”.

مواضيع ذات صلة

“دوخة” نيابيّة: جلسة من دون فرنجيّة وجعجع!

“الوضع بدوّخ. المعطيات مُتضاربة ومُتغيّرة كالبورصة. ولا توافق سياسيّاً بالحدّ الأدنى حتى الآن على أيّ اسم لرئاسة الجمهورية”. هي حصيلة مختصرة للمداولات الرئاسية في الأيّام…

جعجع في عين التّينة لإنضاج الرّئاسة؟!

عاثرٌ جدّاً حظّ سليمان فرنجية. مرةً، واثنتيْن وثلاث مرّات، بلغت الرئاسة حلقه، لتُسحب في اللحظات الأخيرة، فيقف على أعتاب القصر عاجزاً عن دخوله، ويعود أدراجه…

يومٌ في دمشق: فرحٌ ممزوج بالقلق

مرّت 14 سنة بالتّمام والكمال عن المرّة الأخيرة التي زُرتُ فيها العاصمة السّوريّة دِمشق، في كانون الأوّل من عام 2010، أي قبل 4 أشهر من…

برّي والرّئاسة: Now or Never

ما كادت تمرّ أيّام قليلة على الإطاحة بالنظام السوري، حتى ظهرت أوّل تداعيات “الانقلاب الكبير” على الرقعة اللبنانية، في شقّها الرئاسي: انقلبت أدوار القوى السياسية،…