تشهد الحالة الإسلامية تطوّراً مهمّاً أفرزته انتفاضة 17 تشرين يتمثّل في خروج مجموعات ذات توجّه إسلامي عن نطاقها التنظيمي أو السياسي، وانخراطها في عداد المجموعات المنتفضة أو الثورية، وإكمال مسارها من خلال إبراز مرشّحين من صفوفها انتشروا في مناطق مختلفة، وهم يحملون شعارات التغيير، وينخرطون في سباق تشكيل اللوائح، ويخوضون تحدّياً هو الأوّل من نوعه بانغماسهم في العملية الانتخابية، من دون التنسيق مع الجماعة الإسلامية، وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بأنّ بقيّة الجمعيّات ذات التوجّه الدعوي والاجتماعي قد تكون مهتمّة بدعم بعض هؤلاء، ولو من وراء ستار.
يعكس هذا الاتجاه لدى الشباب الخارج من الحالة الإسلامية مزاجاً يتوسّع في المجتمع السنّيّ، ويتّجه نحو العمل المدني السياسي، ويرفض البقاء في القوالب المغلقة، ويعمل لتحقيق الاندماج الكامل في المجتمع، مع ملاحظة جوهرية، وهي أنّ جميع هؤلاء احتفظوا بموقفهم المتمسّك بالدولة والرافض للسلاح غير الشرعي والمتموضع عمليّاً في الخانة المعارضة لهيمنة إيران على لبنان، والمتمسّك بهذا العنوان كقاعدة أساس في خطابه السياسي والإعلامي.
تشهد الحالة الإسلامية تطوّراً مهمّاً أفرزته انتفاضة 17 تشرين يتمثّل في خروج مجموعات ذات توجّه إسلامي عن نطاقها التنظيمي أو السياسي، وانخراطها في عداد المجموعات المنتفضة أو الثورية
المسألة الأخرى المهمّة أنّ ظاهرة المرشّحين “الإسلاميين” المستقلّين جاءت بمنزلة اعتراض على أداء وسلوك الجماعة الإسلامية وبقيّة الهيئات والجمعيات التي عجزت عن تقديم مشروع سياسي قابل للحياة، وعن ملء جزء من الفراغ الناجم عن انسحاب تيار المستقبل من المعركة الانتخابية. ويستحضر عدد من هؤلاء المرشّحين حتمية الانتقال إلى مرحلة ما بعد الحركات والهيئات الإسلامية القائمة، وصولاً إلى تأسيس أحزاب مدنية تحترف العمل السياسي وتنخرط في العملية السياسية بعيداً عن الإرث الثقيل الذي تحمله المنظمات والهيئات القائمة.
في ما يلي استعراضٌ لأسماء المرشّحين المستقلّين الآتين من خلفيّة إسلامية، مع تقديم مقاربة سياسية اجتماعية لحركتهم في الاستحقاق الانتخابي:
– في بيروت: يبرز اسم المرشّح المحامي عبد الرحمن المبشّر ذي الخلفيّة الحقوقية والمقرّب من جمعية الفتوّة. وقد ترشّح على اللائحة المدعومة من الرئيس فؤاد السنيورة، والتي تضمّ أيضاً المحامية زينة المصري، التي عملت في الدفاع عن الموقوفين والسجناء الإسلاميين سنوات طويلة. وهي موضع احترام لدى الأوساط الإسلامية، على الرغم من اعتراض عدد من الجمعيات على رعاية السنيورة للّائحة، واعتبارها أنّ الأَوْلى تشكيل لائحة خارج نطاق التركيبة السياسية.
– في صيدا: سجّل الشيخ محيي الدين عنتر مشاركة مبكرة في حركة الاعتراض التي شهدتها عاصمة الجنوب، وكانت خيمة “أحرار صيدا” من أكثر الخيم نشاطاً على مدى شهور الانتفاضة، وأكمل في الاتجاه الانتخابي، مع وجود تحدٍّ واضح في تشكيل لائحة تمثّل قوى التغيير في صيدا وقضائها.
– في البقاع: يحضر مرشّحان صاحبا خلفيّة إسلامية. الأوّل هو الدكتور سميح عز الدين، المرشّح عن المقعد السنّيّ في دائرة بعلبك-الهرمل، والمتحالف مع القوات اللبنانية والشيخ الشيعي عباس الجوهري، في لائحة تخوض المواجهات الانتخابية مع “حزب الله”.
أمّا الاسم الثاني فهو الشيخ خالد عبد الفتّاح، المرشّح عن المقعد السنّيّ في زحلة، وهو أحد أبرز الناشطين في المجالين السياسي والاجتماعي، ينافسه عمليّاً الشيخ وليد اللويس الذي تبنّت الجماعة الإسلامية ترشيحه في محاولة لاستيعاب الحالة التي يمثّلها الشيخ عدنان أمامة في إطار هيئة علماء المسلمين.
ربّما لن يتمكّن أكثر المرشّحين المستقلّين من الوصول إلى الندوة البرلمانية، لكنّها خطوة نحو نضوج الواقع السنّيّ واقترابه من الوصول إلى حيويّة قادرة على ملء الفراغ السياسي القاتل
في طرابلس: أقدم عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى أحمد الأمين على الترشّح، لكنّه انضمّ إلى لائحة النائب فيصل كرامي، وهي خطوة لاقت انتقاداً في مختلف الأوساط الطرابلسية التي لا يغيب عنها الارتباط العميق لكرامي بمنظومة الممانعة، إضافة إلى الشيخ بلال سعيد شعبان.
– في المنية: ترشّح عضو شورى هيئة علماء المسلمين الشيخ محمد أسوم مدعوماً من الحراك المدني في المنية والجوار، على أن ينخرط في لائحة “الشمال ينتفض” المؤلّفة من ناشطين في إطار 17 تشرين ومجموعات التغيير في دائرة طرابلس-المنية-الضنّية.
– في عكار: أبرز الأسماء المستقلّة الآتية من خلفية إسلامية الدكتور محمد بدرة، وهو أستاذ جامعي وناشط منذ سنوات في مجال الخدمة الاجتماعية، وأحد أكثر معارضي تيار المستقبل شراسة في خطابه الإعلامي والسياسي. ويُعتبر من القلائل الذين يحظون بدعم الناشطين على الأرض، بالإضافة إلى النخب في عكار والمغتربات، وحامد زكريا، شقيق المفتي زيد زكريا، والذي ينطلق من خلفيّة نشاطه في الشارع ومن تراث عائلته الديني والاجتماعي.
إقرأ أيضاً: “السوريون” على خطّ الشوف-عاليه؟
ربّما لن يتمكّن أكثر المرشّحين المستقلّين من الوصول إلى الندوة البرلمانية، لكنّها خطوة نحو نضوج الواقع السنّيّ واقترابه من الوصول إلى حيويّة قادرة على ملء الفراغ السياسي القاتل الذي كان قائماً حتى بوجود الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل في السلطة، فالسياسة لا تقبل الفراغ. وهم من رحم “قوى التغيير والثورة”، لكن بخلفيات إسلامية.