قد يُسجّل العهد الحالي سابقة لم تألفها العهود بإصدار تشكيلات دبلوماسية على مسافة أقلّ من شهر ونصف من الانتخابات النيابية وسبعة أشهر من انتهاء الولاية الرئاسية لميشال عون.
هي “تشكيلات انتخابية” بامتياز “يدفش” النائب جبران باسيل باتّجاهها بقوّة، ويلاقي قبولاً مبدئياً من “أخصامه” وحلفائه، بعد رفض قاطع من هؤلاء سابقاً للسير بها.
لا يزال طارق صادق هو المشرف الأول على التشكيلات نيابة عن باسيل. وأوّل الأهداف “تطيير” سفير لبنان الحالي في الفاتيكان فريد الياس الخازن وتعيين المدير العامّ لرئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير مكانه، مع العلم أنّه موقع غير شاغر. إضافة إلى تعيين القائم بأعمال السفارة اللبنانية في الكويت هادي هاشم سفيراً للبنان لدى الأمم المتحدة (تشغل هذا الموقع حالياً آمال مدللي) في نيويورك بعد ترفيعه من الفئة الثانية إلى الفئة الأولى، فيما ترتيبه في الأقدمية يأتي بالمرتبة الـ20 بين الدبلوماسيين الموارنة.
مصدر مطّلع لـ”أساس” إنّ الفريق الشيعي تصرّف عمليّاً وفق معادلة “ممنوع تعيينات… إلا بما يرضينا”
يمثّل هذا التعيين، إن حصل، عيّنة من “تخبيص” لبنان على المستوى الدبلوماسي. فالسفيرة آمال مدللي تُحال إلى التقاعد في تشرين الأوّل المقبل، ولديها شهر إضافي كي تستكمل إجراءات العودة إلى لبنان، أي حتى شهر تشرين الثاني. أمّا السفير المعيّن مكانها فسيحطّ في نيويورك بصفته ممثّلاً عن رئيس جمهورية لبنان ميشال عون، فيما سيكون الأخير قد أصبح رئيساً سابقاً إذا أُجريت الانتخابات الرئاسية في موعدها. وهذه ستكون سابقة في تاريخ الدبلوماسية اللبنانية!!
يشير مراقبون إلى مفارقة لافتة هي أنّ تعيين هادي هاشم المقرّب من جبران باسيل في هذا الموقع الحسّاس والمهمّ، بعد حصول مداورة محتملة عبر تعيين سفير لبنان في ألمانيا مصطفى أديب سفيراً في واشنطن، يأتي فيما لا يزال باسيل على قائمة العقوبات الأميركية.
سفراء بسمنة وسفراء بزيت
في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة لم تكن كلّ العِقَد أمام طرح سلّة التعيينات قد ذُلّلت. فَرَسَا القرار على تأجيلها إلى الأسبوع المقبل أو الذي يليه بسبب استمرار الخلاف على المعايير المعتمدة للاختيار، وتكريس المحاصصة السياسية، وإدخال التعيينات الدبلوماسية في بازار “سفراء بسمنة وسفراء بزيت”.
هكذا، بعد سلسلة تعيينات شملت أعضاء في المجلس العسكري ومفوّض الحكومة لدى مجلس الإنماء والإعمار وأعضاء هيئة مكافحة الفساد وقبول استقالة المدير العامّ لأمن الدولة اللواء طوني صليبا وتعيينه بصفة مدنية وتعيين نائب المدير العميد حسن شقير محلّ العميد سمير سنان الذي أُحيل إلى التقاعد، تتّجه الحكومة في حال تجاوز بعض العقد إلى إجراء تعيينات دبلوماسية ومناقلات بين الإدارة المركزية والبعثات في الخارج قد تُقرّ الأسبوع المقبل.
“العهد الرايح”
وفق الأعراف، في نهاية العهود لا تُجري الدول تشكيلات دبلوماسية تُلزِم الرئيس الجديد. لكن ثمّة محاولة لإمرارها بتوافق رئاسي على أبواب الانتخابات النيابية. وهو أمر مستغرب جدّاً فيما تستعدّ سفارات لبنان في الخارج لإتمام عملية اقتراع المغتربين المحدّدة في أيار. مع العلم أنّ ميقاتي كان يؤكّد في مجالسه الخاصة أنّ التعيينات الدبلوماسية ليست من أولويّات الحكومة، رافضاً إصدار “تعيينات انتخابية”.
تتجاوز التعيينات، مرّة جديدة، “دفتر الشروط” الذي فرضه ثنائي حركة أمل وحزب الله لاستئناف جلسات مجلس الوزراء في 24 كانون الثاني الماضي بعد تعطيل دام أكثر من ثلاثة أشهر. وأحد أبرز الشروط عدم إجراء تعيينات إدارية وماليّة وقضائية وأمنيّة ودبلوماسية.
مصدر دبلوماسي مطّلع لـ “أساس”: “هناك تعيينات مُلحّة يمكن أن تحصل بشكل جزئي عبر “أوامر مهمّة”، خصوصاً أنّ ظلماً كبيراً قد لحق بموظفي الإدارة المركزية. لكنّ التعيينات الشاملة خاطئة بالتوقيت وبسبب عدم اعتماد معايير موحّدة
تعيينات “بما يرضينا”
لكنّ “نِعمة” التحالف الانتخابي، وتحديداً بين التيار الوطني الحر وحركة أمل، وضبضبة “الغسيل المنشور” بين العونيين والمدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم ربطاً بملفّات الفساد، تُستكملان اليوم على مائدة “التشكيلات الدبلوماسية”.
يقول مصدر مطّلع لـ”أساس” إنّ الفريق الشيعي تصرّف عمليّاً وفق معادلة “ممنوع تعيينات… إلا بما يرضينا”. وعليه، ثمّة تقاطع مصالح اليوم بين بعبدا والسراي وعين التينة لإنجاز كوتا التعيينات الدبلوماسية بما يرضي هذه المرجعيات بحصول كلّ طرف على حصّته كاملة بعد ممارسة باسيل الضغوط لإقرارها.
صدرت آخر دفعة من التشكيلات الدبلوماسية عام 2018 تحت مظلّة التسوية بين الرئيس سعد الحريري والنائب جبران باسيل. وهي مدّةٌ كافية لإحداث فجوة في الجسم الدبلوماسي بين قصر سرسق والخارج. فقد ارتفع تدريجياً عدد السفارات اللبنانية الشاغرة في عواصم العالم، ومنها سفارات أساسية، إضافة إلى انتهاء المدّة القانونية لشغل سفراء مواقعهم في الخارج، المحدّدة بعشر سنوات للفئة الأولى وسبع سنوات للفئة الثانية، وتجاوز مهلة السنتين التي تقتضي بعد إتمامها نقل سفراء ودبلوماسيين من الإدارة المركزية إلى البعثات في الخارج.
فوق كلّ ذلك أدّت الأزمة المالية والاقتصادية إلى حدوث فجوة هائلة بين دبلوماسيّي الداخل والخارج قادت إلى ارتفاع عدد طالبي الاستيداع من الوظيفة والتوقّف المؤقّت عن الخدمة، أو المطالبة بالالتحاق بالخارج. والأفظع عجز الدولة عن تحويل رواتب دبلوماسيّيها بالدولار إلى الخارج، ووفق أيّ سعر… سعر المصرف أو السوق السوداء أو المنصّة؟!
6 ملايين دولار كلفة التشكيلات
مع ذلك، يرى فريق دبلوماسي أنّ نهاية العام الماضي كانت المهلة القصوى لإصدار تشكيلات سريعة ومُصغّرة تؤدّي إلى ملء الشغور في السفارات، وإرسال مَن هم في الإدارة المركزية إلى الخارج، وعودة سفراء تجاوزوا المهلة القصوى لتمثيل لبنان في الخارج إلى الإدارة المركزية.
مع تجاوز هذه المهلة لا بدّ من تأجيل التشكيلات الدبلوماسية إلى ما بعد الانتخابات النيابية والرئاسية، أي إلى بداية العام 2023. لكن من دون إسقاط “حقّ” مَن يجب أن تشملهم حركة المناقلات عبر إصدار “أوامر مهمّة” بايفاد هؤلاء كقائمين بالأعمال إلى السفارات المفترض أن يعيّنوا فيها، ثمّ تُرسل أوراق اعتمادهم بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، أو من خلال تشكيلات موضعية حيث يجب ملء الشغور وإجراء التبديل من دون تكليف الدولة اللبنانية نحو 6 ملايين دولار لإجراء تشكيلات ومناقلات عامة وشاملة.
صفعة دبلوماسيّة
في المعطيات، جالت مسوّدة التشكيلات في الأسابيع الماضية بين المقرّات الرئاسية وأصحاب الحلّ والربط في ظلّ إصرار وزير الخارجية عبدالله بو حبيب على بتّها. وثمّة توافق مبدئي على أن تصدر الآن وتُنفّذ بعد الانتخابات النيابية، من دون أن يُعرف حتى الآن العدد الدقيق للّذين ستشملهم التعيينات.
إقرأ أيضاً: صورة الانهيار الكبير… بعد 15 أيّار
في هذا السياق، يجزم مصدر دبلوماسي مطّلع لـ “أساس”: “هناك تعيينات مُلحّة يمكن أن تحصل بشكل جزئي عبر “أوامر مهمّة”، خصوصاً أنّ ظلماً كبيراً قد لحق بموظفي الإدارة المركزية. لكنّ التعيينات الشاملة خاطئة بالتوقيت وبسبب عدم اعتماد معايير موحّدة. يُضاف إلى ذلك الكلفة المالية العالية التي ستتكبّدها الخزينة العامة وتشمل حجوزات السفر وكلفة الانتقال والشحن من لبنان إلى الخارج وكلفة انتقال السفراء بين بعض الدول في الخارج….”.
ويسأل المصدر: “أيّ صفعة سيتلقّاها لبنان بجسمه الدبلوماسي والرئاسي عندما يرفض عدد من الدول، وهو احتمال قائم، اعتماد بعض سفرائنا، وهذا ما حصل مثلاً بعد رفض الفاتيكان اعتماد السفير جوني إبراهيم ورفض الكويت أوراق اعتماد ريان السعيد. بالتأكيد لا يحتمل لبنان المزيد من الخضّات على عتبة نهاية الولاية الرئاسية”.