كي لا يبقى مفتاح بعبدا في الضاحية

مدة القراءة 6 د

لا عجب من تصريحات الرئيس اللبناني ميشال عون في الفاتيكان التي اعتبرت أنّ “حزب الله حمى المسيحيين”. أسطوانة قديمة أوصلت الرئيس الحالي إلى بعبدا في 2016 إثر غطاء سياسي – مسيحي وفّره ما يُدعى “تسونامي” عام 2006 من خلال اتفاق مار مخايل، وسمح مذّاك لحزب الله بالسيطرة على لبنان.

ولا عجب من تصريحات الرئيس عون الصحافية إلى “كوريير دي لا سيرا” بأنّ “حزب الله ليس إرهابيّاً ولا يؤثّر على الواقع الأمني الداخلي للبنان”. فلا الفاتيكان ولا أوروبا ولا الدول العربية تتأثر هذه التصريحات التي أدلى بها الرئيس عون. فمعظم الدول الأوروبية، كما الدول العربية، تصنّف الحزب إرهابياً بعد توافر إثباتات تتقاطع مع ما تنصّ عليه القوانين المتعارف عليها في هذا الشأن من ممارسات التنظيمات الإرهابية.

أصبح الرئيس عون جزءاً من الماضي، وتلك التصريحات لن تنقذ ما تبقّى من بلاد فتّتها حزب الله بالتعاون مع الرئيس عون وشريحة كبيرة من الساسة الفاسدين المتواطئين مع هذا الحزب.

يسعى باسيل اليوم إلى تبوّؤ مكانة عمّه في بعبدا ولدى حزب الله. وكي لا يتكرّر الخطأ مرّتين، ويدفع لبنان الثمن مرّتين

وحتى لا يُرتكب الخطأ مرّتين، لا بدّ من تسليط الضوء على هذه المدرسة وإقفالها قبل أن يحمل تلميذ الرئيس النجيب وصهره شعلة الطموح السياسي على أنقاض لبنان المدمّر الذي لن تقوم له قيامة ما دامت السياسة نفسها تنتقل ضمن البيت الواحد.

 تقوم سياسة زعيم هذا التيار جبران باسيل على خلق الأعداء وتصوّر معارك وهمية دونكيشوتية مع طواحين الهواء. فيما تُعتبر مواقفه الملزمة لتيّاره “غير أمينة” على خطّ هذا الحزب التاريخي، وغير متوافقة مع “مفاهيمه” و”مبادئه”، لا بل تشكّل انقلاباً جذرياً على ما كان ينادي به.

لن نعود هنا إلى اتفاق مار مخايل بين التيار وحزب الله وانقلابه على ما نادى به ميشال عون يوماً حين اعتبر “حزب الله تنظيماً إرهابياً” خلال زيارته للكونغرس الأميركي ومطالبته إيّاه بسنّ قانون يضفي صفة “الإرهاب على حزب الله”، ومناقضته لذلك في 2006، ومجدّداً اليوم في روما في 2022.

وإذ نقارب انقلابات التيار على مواقفه السابقة واعتماده الديماغوجية لتأطير محازبيه وحشد مناصريه، لا بدّ مع انطلاقة الحملة الانتخابية من التوقّف عند تباينات باسيل وتناقضاته.

 

تناقضات باسيل

وقف جبران باسيل في حشده الانتخابي يتغنّى “بالشراكة في اللوائح الانتخابية”، معلّلاً تحالفه مع حزب الله وحركة أمل وحزب البعث والحزب السوري القومي الاجتماعي بأنّه عمليّة تحالفيّة “لدمج الأصوات”، متناسياً أعذاره السابقة التي ساقها لتبرير فشله في إنتاج الكهرباء وإنشاء السدود المائية، عندما استعمل تعبير “ما خلّونا” قاصداً رئيس البرلمان نبيه بري وحركة أمل والحلفاء من الأحزاب الذين وصفهم بـ”البلطجية يللي ما خلوه”.

وقد تبيّن أمران عشيّة الاستحقاق الانتخابي: من جهة يرشّح باسيل مرشّحيه على لوائح مشتركة مع أمل وحزب الله والأحزاب المشار إليها، وهذا يعني أنّه لا يمانع إعادة إنتاج وإيصال “يللي ما خلوه”…. فيما من الجهة الثانية لا يحتاجون إليه بقدر ما يحتاج إليهم (وفي الحالتين الأعذار أقبح من الذنب).

في حقيقة الأمر، فإنّ باسيل لن يوصلهم إلى الندوة البرلمانية بقدر ما يحالفهم لإيصاله. فهل يحتاج محمد رعد في دائرة النبطية إلى أصوات باسيل؟ وهل نبيه بري مهدّد بالسقوط في دائرة الزهراني إن لم يجيّر له صهر الرئيس أصوات تيّاره؟ 

بديماغوجيّته المتأصّلة نادى جبران باسيل بمحاربة الفساد، غير أنّه ساهم عملياً في تعميق الفساد وتجذيره، سواء في أدائه السياسي أو من خلال الوزارات التي أدارها مباشرة

تدحض هذه الحقيقة مقولةَ باسيل بأنّ قانون الانتخاب الذي سعى إليه يوفّر التمثيل الصحيح للمكوّن المسيحي، لأنّ تحالفه مع الثنائي يجعل الأخير يفرض ممثّلي المسيحيين على لبنان. ألا يعلم باسيل أنّ فرض الثنائي للنواب المسيحيين يقوّض صحّة الانتخابات، ويخرق مقدّمة الدستور المتعلّقة بالعيش المشترك، ويكسر التوازن الوطني ويجعل المناصفة “في خبر كان” لأنّ يد الثنائي امتدّت إلى داخل المكوّن المسيحي؟ ولا بدّ هنا من العودة إلى تصريحات الرئيس عون: “حزب الله يحمي المسيحيين”!

لماذا يدّعي جبران باسيل نيّته إيصال تحقيقات المرفأ إلى مبتغاها بينما يقوّضها بتحالفه مع مَن يرفضها أساساً وبالمطلق؟ هنا نستذكر تصريح الرئيس عون مجدّداً: “حزب الله لا يؤثّر على الأمن داخل لبنان”. ونسأل: لماذا لم يسلّم المتّهمين بقتل الشهيد الحريري؟ ولماذا لم يسعَ حزب الله الحاكم إلى كشف المتسبّبين بانفجار المرفأ وتدمير عاصمة البلاد؟

يترافق كلّ ذلك مع ما عبّر عنه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله من أنّ الانتخابات الآتية هي لـ”نصرة الحلفاء ودعمهم وإيصال مرشّحيهم إلى مجلس النواب”. وقد عمد باسيل إلى ملاقاته بالتحالف معه ومع نبيه بري، فحصل التيار في كسروان قلب جبل لبنان على رافعة رائد برو التي تمنح اللائحة أكثر من عشرة آلاف مقترع وتعطي التيار ثلاثة حواصل تتيح لوزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني “الهابطة بالمظلّة على دائرة كسروان – جبيل” الفوز بمقعد نيابي. وعلى المنوال ذاته يتيح نصر الله فوز سليم عون في دائرة زحلة والبقاع الأوسط، ومرشّح التيار في البقاع الغربي شربل مارون إلى جانب مرشّح أمل قبلان قبلان، وآلان عون مع مرشّح نبيه بري فادي علامة في دائرة بعبدا .

بديماغوجيّته المتأصّلة نادى جبران باسيل بمحاربة الفساد، غير أنّه ساهم عملياً في تعميق الفساد وتجذيره، سواء في أدائه السياسي أو من خلال الوزارات التي أدارها مباشرة أو بواسطة وزرائه. ليست آفة الفساد محصورة بالتطاول على المال العامّ وقبول الرشى، بل تتعدّى ذلك إلى المواقف والتحالفات السياسية وإيصال ودعم الفاسدين، إضافة إلى التدخّلات في القضاء وحماية الزبائنيّة السياسية واستغلال النفوذ في الإدارة والأجهزة الأمنيّة. فهل اجتمعت كلّ العناصر المكوّنة للفساد في “الإصلاح والتغيير”؟

منذ انتخابات 2005 لم يبدّل التيار العوني إلا قلّة من مرشّحيه كانوا على خلاف مع باسيل. وبعد عقدين من الزمن أعاد ترشيح أغلب النواب السابقين متحدّياً بذلك إرادة الشعب اللبناني المجمعة على رفض كامل الطبقة السياسية التي أوصلت البلد إلى حالته المزرية الراهنة.

إقرأ أيضاً: كيف غيّر حزب الله جغرافيا لبنان؟

يسعى باسيل اليوم إلى تبوّؤ مكانة عمّه في بعبدا ولدى حزب الله. وكي لا يتكرّر الخطأ مرّتين، ويدفع لبنان الثمن مرّتين، لا بدّ من التنبّه إلى أنّ التصويت لباسيل وتيّاره هو تصويت لحزب الله وتكريس لتلميذ يطمح إلى تسلّم مفتاح البلاد ممّن سلّم مفتاح بعبدا إلى ضاحية بيروت الجنوبية. ولعلّ كلام الرئيس عون في الفاتيكان “لا عجب فيه” اليوم وقد اقتربت رئاسته من الماضي، لكنّ أيّ نهوض للبنان يوماً ما لن يكون ما دامت هذه المدرسة قائمة وما دام مفتاح بعبدا في الضاحية.

 

*كاتب لبناني مقيم في دبي.

مواضيع ذات صلة

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…

السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

 لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس…