لإيران حساب مفتوح طويل مع إسرائيل، لا يتعلّق فقط بمئات أو ربما آلاف الهجمات التي نفّذتها تل أبيب ضدّ مخازن أو شحنات أسلحة إيرانية في سورية بمباركة روسيّة، وإعاقة محاولات تموضع الميليشيات الشيعية في سورية، لكن بقائمة تطول، بدءاً من تصفية إسرائيل لأبي المشروع النووي الإيراني محسن فخري زاده العام الماضي، إلى سرقة الأرشيف النووي الإيراني، وتخريب منشآت نووية في حرب الظلال، وليس آخرها مقتل رجلَي الحرس الثوري في أثناء هجوم لسلاح الجو الإسرائيلي على دمشق، عقب لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلي نفتالي بينيت مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو.
صحيح أنّ طهران استهدفت في الأعوام الأخيرة سفناً مدنيّة تملكها إسرائيل ردّاً على الضربات الإسرائيلية، وأنّ إيران وإسرائيل تتبادلان اللكمات منذ فترة من تحت الرادار. ويجري الكشف من وقت لآخر عن حرب المسيَّرات و”السايبر” التي تجري بينهما، ومنها محاولة تنفيذ هجوم سايبر إيراني ضدّ شبكة المياه الإسرائيلية، أو ضدّ المواقع الحكومية في تل أبيب. بيد أنّ إطلاق الـ 12 صاروخاً دقيقاً من داخل الأراضي الإيرانية على مبنى يُعتقد أنّه “منشأة إسرائيلية سرّية” في أربيل بالعراق غير بعيد عن القنصلية الأميركية. هو خروج علنيّ على قواعد اللعبة، وقفزة إيرانية، سواء في شكل الردّ أو الكشف عنه، ويعكس ثقة عالية بالنفس في طهران، وذلك نتيجة الحرب في أوكرانيا التي باتت تصرف الاهتمام العالمي وتُنهك الغرب وروسيا معاً، وإحساس طهران بضعف أميركا والغرب في المحادثات النووية، ولهاثهم وراءها من أجل التوقيع على الاتفاق.
تشعر تل أبيب بالقلق الشديد من توجّه طهران إلى ضخّ أموال كثيرة لتكثيف استخدام المسيَّرات الإيرانية في المنطقة بعد التوقيع على الاتفاق النووي الوشيك، ورفع العقوبات عنها
الإعلام الإسرائيلي
وفقاً لصحيفة “إسرائيل اليوم”، فإنّنا أمام حقيقة أنّ طهران أطلقت الصواريخ الدقيقة من الأراضي الإيرانية، بخلاف الماضي، ولم تحاول إخفاء ذلك، وهو ما يدلّ على أنّها أزالت عن نفسها عنصراً مهمّاً تميّزت به أعمالها حتى الآن: لا مزيد من الاستعانة بالمنظمات الفرعية على أنواعها لأجل العمل ضدّ إسرائيل، أو الاختباء وراءها، بل ستكون الأعمال علنية، تحت علم إيراني، في ما يبدو استفزازاً علنيّاً، ويستغلّ الإيرانيون الحرب في أوكرانيا لتعزيز تمركزهم العسكري في الأراضي السورية.
نقلت وسائل إعلام عبرية معلومات جديدة عن القصف الإيراني على أربيل. فحسب صحيفة “هآرتس”، فإنّه جاء ردّاً على هجوم نفّذته 6 طائرات بدون طيّار إسرائيلية على مخزن لطائرات بدون طيّار من مختلف الأحجام غرب طهران الشهر الماضي، وهو ما أدّى إلى تدمير مئات الطائرات الإيرانية. وقالت مصادر أمنيّة إسرائيلية إنّ إيران وجدت في الطائرات بدون طيّار ردّاً جزئيّاً على التفوّق الجوّي الإسرائيلي في الاحتكاك العسكري بينهما.
في هذا الإطار نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي أخيراً تفاصيل جديدة عمّا قال إنّه طائرات إيرانية بدون طيار نجح في اعتراضها. وبحسب بيان للجيش، فإنّ إحدى الطائرات المسيَّرة تمّ إسقاطها خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في أيار الماضي، بعدما تمّ تسييرها من العراق، وادّعى أنّ تلك الطائرات حاولت نقل عتاد عسكري. والمقصود هنا بالنسبة للمستوى العسكري الإسرائيلي محاولة فتح مسار للتهريب الجوّي إلى قطاع غزة، بعد الصعوبات التي واجهها الإيرانيون في تهريب السلاح إلى التنظيمات الفلسطينية في القطاع عبر مصر.
حرب المسيّرات
تشعر تل أبيب بالقلق الشديد من توجّه طهران إلى ضخّ أموال كثيرة لتكثيف استخدام المسيَّرات الإيرانية في المنطقة بعد التوقيع على الاتفاق النووي الوشيك، ورفع العقوبات عنها، واستئناف بيعها النفط لدول العالم. وفي تقدير تل أبيب، سيساعد الإيرانيون “حماس” و”الجهاد الإسلامي” على تطوير مسيّرات للتغلّب على الحاجز الأرضي الضخم الذي أقامته إسرائيل حول قطاع غزة، لمنع التسلّل عبر الأنفاق إلى العمق الإسرائيلي.
مع الأخذ في الاعتبار أنّ هناك موافقة روسية على الاتفاق تم “ضمانها” بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني الأخيرة إلى موسكو.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومعه الوزراء سيفرّون إلى الغرب، والدبّابات الروسية ستدخل كييف وستقيم فيها نظام احتلال، والحرب ستنتهي
لكنّ المستوى العسكري في إسرائيل قلق من كون الإدارة الأميركية غارقة كلّها في تداعيات الحرب في أوكرانيا، ولا يبدو أنّها معنيّة بطلبات إيرانية متشدّدة أكثر في الاتفاق النووي الجديد.
في تل أبيب كانوا يريدون أن تصمّم الولايات المتحدة على استكمال الفحص في ما يتعلّق بـ”الملفّات المفتوحة”، ولا سيّما المواقع الأربعة التي ثار شكّ في قيام الإيرانيين فيها بنشاطات نووية ممنوعة، ولم تنهِ الوكالة الدولية للطاقة النووية فحصها بعد. هناك علامات استفهام أيضاً في ما يتعلّق بتفاصيل الترتيبات لإخراج مخزونات اليورانيوم المخصّب من إيران في إطار الاتفاق الجديد، وكان المخزون قد نُقِل في إطار الاتفاق القديم إلى روسيا.
سوريا… والدبّ الجريح
بات الغزو الروسي لأوكرانيا مصدراً آخر لإثارة المخاوف لدى المؤسّستيْن السياسيّة والأمنيّة في إسرائيل اللتين تميلان إلى التحالف مع بوتين على خلفيّة ضمان مصالحها في سورية. وثمة رأي في إسرائيل “ينعى” روسيا ويؤكِّد في الوقت نفسه أنّ مصيراً صعباً قد يواجه بوتين، إذ يرجّح أنّه سيُعاني طويلاً مخاطر العقوبات التي فُرضت على بلاده، إضافة إلى تصدّي المقاومة الأوكرانية لقوّاته، وفق ما قاله كبير المحلّلين السياسيين في “يديعوت أحرونوت” العبريّة ناحوم بارنيع، الذي اعتمد في “نبوءاته” على محافل واسعة الاطلاع في محيط ديوان رئيس الوزراء نفتالي بينيت.
وقد أشار المحلِّل الإسرائيليّ إلى أنّ “التناقض الأسوأ الذي يمكن أنْ يحصل اليوم لبوتين هو انهيار المقاومة الأوكرانية، فماذا سيحصل عندئذٍ؟
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومعه الوزراء سيفرّون إلى الغرب، والدبّابات الروسية ستدخل كييف وستقيم فيها نظام احتلال، والحرب ستنتهي، لكن لن يكون هناك اتفاق، والغرب لن يُلغي العقوبات التي فرضها على روسيا والتي بلغت حتى الآن 5,532. حينئذٍ سيُضطرّ بوتين إلى أنْ يُواجِه ضائقة اقتصادية حادّة في الداخل، ونبذاً في الخارج، وسكّاناً معادين يتطلّعون إلى الثأر في أوكرانيا، علماً أنّ بذور الهزيمة تكمن في النصر أحياناً”.
إقرأ أيضاً: إسرائيل بعد أوكرانيا: خسائر في إيران وسوريا
لكن ما لم يقُله بريناع هو أنّ إيران سترتفع حظوظها في عقد اتفاق نووي وشيك، وستتمدّد في سوريا لأنّ العملاق الروسي، الذي كان يعطي إسرائيل ضوءاً أخضر لضربها في دمشق، أصبح دبّاً جريحاً.