الإقبال على صناديق الاقتراع للإنقاذ!

مدة القراءة 7 د

ما سُررتُ من مقالة الزميل قاسم يوسف ضدّ مبادرة الرئيس فؤاد السنيورة للإقبال على الانتخابات. ولا سُررتُ لانسحاب الوزير نهاد المشنوق من الترشّح في بيانٍ مدوٍّ، وكذلك الدكتور نوّاف سلام في بيانه. تريدون الانتخابات ثمّ تنأون بالنفس عنها، وهذا عجيب!

ما كنتُ بين المنزعجين من انسحاب سعد الحريري من الانتخابات ومن العمل السياسي. فمنذ العام 2017 رأيتُ أنّ الرجل في عمله السياسي صار عبئاً على نفسه وعلى الحياة السياسية لبيئته. ولذلك ما اعتبرتُ انسحابه اعترافاً بالفشل فقط، بل تجاوزتُ ذلك لأهنّئه بترك المجال لغيره، بحيث تخرج الطائفة وتخرج حياتها السياسية من الإسار والدوران حول النفس، وقد كان هو أحد المتسبّبين.

نريد مشاركة سنّيّةً قويّة وعالية الوتيرة، وبخاصّةٍ من الفئات المتمسّكة بالثوابت الوطنية، وبالخروج من سيطرة الحزب المسلّح وحلفائه الفاسدين

لقد قلت في “أساس” أيضاً إنّ سعد الحريري ليس شخصيةً سهلةً، بل هو مع بساطته الظاهرة شخصيّةٌ بالغة التعقيد. لذلك ليس من الضروري ولا من المبرَّر منطقيّاً أن نقبل أسبابه الظاهرة للانسحاب: الصعود الطائفي، وسيطرة الحزب المسلّح، وتضاؤل القدرات. إنّما حتى لو قبلناها، هناك أسبابٌ وعللٌ أخرى صارت الآن بارزة:

– ربط السُنّة بشخصه، سواء حضر أو غاب. وقد ظهر ذلك من الحملة على الرئيس السنيورة وعلى الدكتور مصطفى علوش وآخرين أبدوا رغبةً في دفع الناس إلى صناديق الاقتراع في مواجهة الظواهر التي شكا منها سعد الحريري والتي لا تُقاوَمُ بالإضراب والمقاطعة.

– الاحتجاج على الإعراض السعودي عنه، فهم كما أعرضوا هو يستطيع أن يحرد.

– معاقبة الطبقة السياسية وحلفائه السابقين بالذات، وفي طليعتهم كلٌّ من جبران باسيل والحزب المسلَّح والرئيس نبيه بري… إلى وليد جنبلاط. فهؤلاء أخذوا منه ما شاؤوا وتركوه وسط عواصف البحار في هذا الشتاء القاسي، مع الأخذ في الاعتبار موقف الرئيس برّي الذي ظلّ يتمسّك به حتّى اللحظة الأخيرة.

– وسط هذه الاعتبارات كلّها فإنّ المسلمين إمّا أن لا يذهبوا إلى صناديق الاقتراع أو يذهبوا بأعداد ضئيلة. وبذلك يزداد الاختلال في الحياة السياسية اللبنانية المختلّة أصلاً، فلا تصلح إلّا بعودة سعد السعود على حصانٍ أبيض.

يا أخي قاسم، السيناريوهات التي وضعها سعد الحريري لنفسه ولنا لا يجوز أن تكونَ رائدنا. ونحن عندما نُقبل على الانتخاب، فليس لأنّنا نريد معارضة سعد الحريري، بل لأنّنا نرعى وجودنا السياسي ومصالحنا ودورنا في حاضر لبنان ومستقبله. وأنت يا أخي قاسم، تحاول من شهورٍ وشهورٍ إقناعنا بالدكتور سمير جعجع وأفكاره، وقد كتبتَ من قبل في نصرة جعجع وعندي رأي آخر، لكنّني ما انزعجت، لأنّ الرجل شديد الحماسة للانتخاب. فلماذا نكون مع جعجع وانتخاباته، ولا نقبل أن نكون مع مَنْ يدعو إلى الانتخابات من صفوفنا؟

يريد بعض السياسيين دفْعنا باتّجاه الموقف المسيحي في مطلع التسعينيّات عندما أعرض كلّ المسيحيين تقريباً عن الاقتراع احتجاجاً على الطائف وعلى السيطرة السورية. نحن في موقفٍ مختلفٍ، ليس لأنّ الظرف مختلف فقط. بل ولأنّ السُنّة غير الموارنة. فالأقلّيّات، سواء في إقبالها أو إعراضها، تتّخذ مواقف حادّة. كان الشيعة في تاريخ لبنان الحديث دائماً في المعارضة لطغيان (نعم طغيان!) النظام اللبناني المسكين فلمّا غلبوا طغَوا طغياناً ما عرفنا مثيلاً له أيّام المارونيّة السياسية. وقد اعتبر الموارنة مطلع التسعينيّات أنّهم فقدوا السلطة فقاطعوا النظام كلّه. وهذا سلوكٌ لا نستطيع نحن أن نتّخذه، لأنّ البلد بلدنا و”ما في حدا أكبر من بلده”، ولأنّنا نرغب في تصحيح المسار لتجنّب الانهيار الكامل، ولأنّ عدم المشاركة في الانتخابات يعني الخروج من الحياة الوطنية والسياسية. وأخيراً وعلى الرغم من فظاعة الظروف، فالانتخابات هي الطريقة السلميّة الوحيدة لاستبقاء الأمل في التغيير.    

المشاركة في الحياة السياسية

لا أعرف أحداً جاهد لسنوات وسنوات لكي يبقى تحت مظلّة آل الحريري بقدر الرئيس فؤاد السنيورة، ومن العام 2011 حتى قبل شهرين. لكنّ ميزته أنّه عندما يئس من استدامة سعد، أصغى لضرورات الأوضاع الوطنية العامّة. والرئيس السنيورة ومنذ عرفته قبل قرابة ثلاثة عقود يصغي لكلّ الناس، ويملك قناعات. وهو عميق القناعة بضرورة أن نبقى مشاركين في الحياة الوطنية والسياسية بقوّة. وله عدّة عبارات تتكرّر، منها ما ظهر في كتابيْه الجديدين عن الماليّة العامّة والدَين العام: كيف نحوّل المأزق أو الأزمة إلى فرصة؟

غروب نجم الزعامة السياسية الحريريّة التي توهّجت لثلاثة عقود، خلق أزمة ناجمة عن الحيرة إزاء مواجهة الظروف الصعبة على كلّ المستويات. غياب سعد الحريري ترك فراغاً، والطبيعة تأبى الفراغ. فإمّا أن تملأ الفراغ عناصر وتركيبات قريبة من الحزب المسلّح ومن أنصاره وبعض الأفراد، أو نحاول أن نجعل من ذلك فرصة لصنع الجديد وإن خالطت ذلك بعض آثار المرحلة الانتقالية، كما يحدث عادةً ليس في الحياة السياسية فقط، بل وفي الحياة الاقتصادية.

ما الذي يأخذه بعض الناس على الرئيس السنيورة؟

– أنّه ليس من بيروت مع أنّه عبر تاريخ لبنان الحديث كانت نسبة وازنة من الزعماء السُنّة من خارج بيروت، وآخرهم رفيق الحريري وسعد الحريري. ثمّ إنّه لم يرشّح نفسه، بل فتح داره ومكتبه من سنواتٍ وسنواتٍ لمجموعات تشاوريّة في كلّ الشؤون. ولا أعرف أحداً مثله من بيروت أو غير بيروت بابه مفتوح وعقله للناس جميعاً.

– وأنّه لا ينسى نفسه ويريد البقاء في الحياتين السياسية والوطنية. وهذا أمرٌ مشروعٌ تماماً. وهو لا يحول بالطبع دون الآخرين والمنافسة. وقد اتّهمه بعض آل الحريري أخيراً أنّه يريد الحلول محلّهم أو أنّه خانهم. وبالطبع هذا ليس صحيحاً. ونحن نحمد له شجاعته في الإصغاء للقضايا الوطنية أكثر من الولاء الشخصي. يعني ماذا يفيدنا إعراض الأكفّاء عن الترشّح وعن النشاط بحجّة إطاعة أمر الزعيم أو بدون حجّة؟

– وأنّ الرئيس السنيورة تقليدي في اختياراته للمعاونين وللذين كان يقدّمهم للمناصب الوزارية.. والآن النيابية. نحن محتاجون إلى الشباب والكهول، والرئيس السنيورة يتحدّث دائماً عن أهل الخبرة. وأهل الخبرة عنده لا يزيد عددهم على عدد أصابع اليدين، ومن المسلمين والمسيحيين. وصحيح أنّ معظمهم من ذوي السمعة الحسنة وليسوا من أهل الفساد، لكنّهم ما كانوا دائماً من أهل الكفاءة ولا القدرات المشهود لها. وأنا واثقٌ أنّ اختياراته على ضيق رقعتها تبقى أفضل بكثير من اختيارات غيره العجيبة الغريبة. إنّما ماذا لو جرؤ الرئيس السنيورة مرّةً وفتح بابه لكفاءاتٍ جديدةٍ ناجحة في المجالات التي تعمل فيها حالياً؟ وما ذنب الكفاءات، إذا كان هو وسعد الحريري خلال حوالى عقدين لم يلتفتا كثيراً إليها، واقتصر هو على القليل القليل؟

لا بدّ من الاهتمام بالشأن العامّ السنّيّ والوطني. والانتخابات مجالٌ لذلك. وقد تصدّى الرئيس السنيورة لاستعادة الفعّاليّة، وقد تكون هناك اعتراضات على بعض مرشّحيه، إنّما الأساس صحيح ومفيد. وقد أصغيت قبل أيام لمبادرة من شبّان وشابّات في “الحراك المدني” عنوانها “بيروتنا”، فأعجبتني أيضاً. لا بدّ من استحثاث ملحاح للإقبال على صناديق الاقتراع. ويسوانا ما يسوى غيرنا!

إقرأ أيضاً: هل يُصلح السنيورة ما أفسده الدهر اللئيم؟

نريد مشاركة سنّيّةً قويّة وعالية الوتيرة، وبخاصّةٍ من الفئات المتمسّكة بالثوابت الوطنية، وبالخروج من سيطرة الحزب المسلّح وحلفائه الفاسدين. فلنتجاوز العجز والتردّد بكلّ سبيل.

مواضيع ذات صلة

الرياض: حدثان اثنان لحلّ لبنانيّ جذريّ

في الأيّام القليلة الماضية، كانت مدينة الرياض مسرحاً لبحث جدّي وعميق وجذري لحلّ أزمات لبنان الأكثر جوهرية، من دون علمه، ولا علم الباحثين. قسمٌ منه…

الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة

هل انتهى الحزب؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هو شكل اليوم التالي؟ وما هي الآثار السياسية المباشرة لهذه المقولة، وكذلك على المدى المنظور؟ وما هو…

أكراد الإقليم أمام مصيدة “المحبّة” الإسرائيليّة! (2/2)

عادي أن تكون الأذهان مشوّشة خارج تركيا أيضاً بسبب ما يقوم به دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية وحليف رجب طيب إردوغان السياسي، وهو يدعو…

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…