أردوغان باع حماس… مقابل خطّ الغاز الإسرائيلي

مدة القراءة 6 د

في مشهديّة كاشفة، عُلِّقت أعلام إسرائيل في ساحة القصر الرئاسي في أنقرة، ورافق صفّ من الفرسان سيارة الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ إلى ساحة الاحتفال، وأُطلقت 21 طلقة تحيّةً أثناء عزف نشيد “هتكفاه”. و”السلطان” رجب طيب إردوغان، الذي كان يُقدّم نفسه “خليفة المُسلمين العثماني”، و”حامي المسجد الأقصى”، و”حليف حركة حماس”، ووصف إسرائيل ذات مرّة أنّها “قاتلة أطفال”، عانق ضيفه الإسرائيلي، واعتبر زيارته “تاريخيّة”، وقال إنّ أنقرة تسعى إلى رفع إجمالي التبادل التجاري مع إسرائيل إلى 10 مليارات دولار. وردّ هرتسوغ أنّ النظام العالمي يتقوّض بالتأكيد بسبب الحرب في أوكرانيا، وأنّ الحفاظ على الاستقرار والشراكة في منطقتنا جيّد وصائب.

طبعاً هي زيارة مهمّة جدّاً لإردوغان، ليس لأنّها الأولى لمسؤول إسرائيلي رفيع منذ هجوم الجيش الإسرائيلي على سفينة مرمرة قبالة سواحل غزة في 2010، التي كانت تسعى لكسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزّة، ومقتل 14 متضامناً تركيّاً على متنها… لكن بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت: “الدبلوماسية، كما هو معروف، ليست مسألة نوايا، بل مصالح. والتقرّب من إسرائيل هو سياسة وُلدت انطلاقاً من مصلحة حاكم يشعر بأنّه ضعيف (إردوغان) أمام الأميركيين، ضعيف أمام العالم، ضعيف حتى في داخل تركيا. لقد فهم أنّ عليه أن يعيد تقويم الوضع. إردوغان يائس لأنّه يبني لنفسه مكانة متجدّدة في البحر المتوسط، هذه المرّة ليس كسيّد بل كشريك، وهو يائس بسبب الإحباط الذي شعرت به أنقرة بسبب استبعادها من محادثات مشروع الغاز”.

في مشهديّة كاشفة، عُلِّقت أعلام إسرائيل في ساحة القصر الرئاسي في أنقرة، ورافق صفّ من الفرسان سيارة الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ إلى ساحة الاحتفال

فالأمر الذي أقلق إردوغان ليس القضية الفلسطينية، بل علاقة إسرائيل مع قبرص واليونان في ما يتّصل بمشروع الغاز. فإردوغان يدرك أنّ من تكون يده على “صنبور” الغاز، يكون له النفوذ. وهو يرى أنّ إسرائيل تعمل على أنبوب غاز عبر قبرص واليونان، ومن هناك يصل إلى أوروبا متجاوزاً تركيا، ولذلك يخطّط إردوغان لأن تصبح حُكومة بلاده “سِمْساراً” للغاز الفلسطيني المَسروق، وجسراً له إلى أوروبا، ليكون بديلاً عن الغاز الروسي، وذلك ضمن معركة الغرب مع روسيا التي غزت أوكرانيا.

لذلك سعى إردوغان إلى لقاء هرتسوغ تقريباً بصورة ملحّة في الأشهر الأخيرة، منذ تسلّم هرتسوغ منصبه، وتدخَّل إردوغان شخصياً للإفراج عن الزوجين الإسرائيليّين اللذين تمّ القبض عليهما في إسطنبول في تشرين الثاني الماضي بتهمة التجسّس، لتذليل حدوث هذا اللقاء. ومن أهداف هذا اللقاء تحسين علاقات أنقرة مع واشنطن، إذ يؤمن إردوغان بأنّ لإسرائيل تأثيراً سحرياً على البيت الأبيض. ولقد وجد إردوغان في هذه الزيارة “التاريخية” فرصة لإنقاذه من حالة الفشل التي وقع فيها بسبب سياساته الاقتصادية وتدخّلاته العسكرية التي أدّت إلى انهِيار العملة الوطنيّة، ورفعت مُعدّلات التضخّم في تركيا.

إنّه الغاز… وليس المبادىء

كما هو متوقّع، طغى ملفّ تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا على جدول لقاء هرتسوغ وإردوغان، الذي اكتسب أهميّة كبيرة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. ووفقاً لتقرير قناة “كان” العبرية، طلب إردوغان من نظيره الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ مدّ خط غاز من الحقول الإسرائيلية في البحر المتوسط إلى أوروبا عبر تركيا. وأضاف التقرير أنّ “إردوغان لم يحمل وحده سلّة مطالب، فالإسرائيليون لديهم مطالبهم أيضاً، إذ طلب هرتسوغ من إردوغان العمل ضدّ نشاطات حركة حماس داخل الأراضي التركية”.

ورأت صحيفة “حرييت” التركية أنّ “أنقرة تدير منذ عام ونصف عام محادثات سرّيّة مكثّفة مع تل أبيب التي تريد أن يُطرَد نشطاء حماس”، وأشارت إلى أنّ أنقرة أبلغت “حماس” بضرورة مغادرة “أصحاب المناصب العسكرية في حركة حماس تركيا”.

ليس مستبعداً أن تكون الخطوة المُقبلة إبعاد قيادات ونشطاء سياسيين لحركة حماس من أنقرة، أو تقييد نشاطاتهم تلبيةً لشُروط تل أبيب. وقد بدأت “حماس” تلمس منذ فترة أنّ سنوات العسل بين إردوغان والحركة قد انتهت. وتقول مصادر من داخل إسطنبول إنّ أنصار “حماس” في تركيا ما عادوا يجدون اهتماماً ومكانةً لدى الجهات الحكومية، وهم يلاحظون تضييقاً على طبيعة عملهم الميداني هناك، في تكرار لسيناريو مُماثل ضدّ قِيادات حركة الإخوان المُسلمين المصرية، في سبيل التقارب مع القاهرة. هكذا “جمّد” أردوغان أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، ولجم جميع قنواتهم التلفزيونية المعارِضة للنظام المصري في إسطنبول.

رأت صحيفة “حرييت” التركية أنّ “أنقرة تدير منذ عام ونصف عام محادثات سرّيّة مكثّفة مع تل أبيب التي تريد أن يُطرَد نشطاء حماس”، وأشارت إلى أنّ أنقرة أبلغت “حماس” بضرورة مغادرة “أصحاب المناصب العسكرية في حركة حماس تركيا”

المركز الأورشليميّ لشؤون الدولة الإسرائيلي كشف أنّ تركيا تجري تقييماً شاملاً لوضع مكتب حركة حماس في إسطنبول، بعد معلومات استخبارية إسرائيلية تفيد بتوجيه عدّة هجمات ضد إسرائيل من قلب تركيا.

كما نقل إفرايم عنبار، رئيس “معهد القدس للاستراتيجية والأمن”، أنّ إسرائيل سعت قبيل زيارة هرتسوغ إلى التوصّل إلى تفاهم مع أنقرة يضع قيوداً واضحة على نشاط تركيا في القدس المحتلّة، بزعم أنّه ينتهك السيادة الإسرائيلية فيها.

وعلى الرغم من التوتّرات بين إردوغان والقادة الإسرائيليين خلال العقد الماضي، استمرّت العلاقة في مجالات مثل التجارة والسياحة، بل وازدهرت، بحيث تحوّلت تركيا سنة 2013 إلى ثامن شريك تجاري لـ”إسرائيل” على مستوى العالم، وبحجم تبادل تجاري يبلغ نحو خمسة مليارات دولار. وكان التعاون الاستخباري والعسكري يمشي على قدم وساق، وتدلّ هذه الإحصاءات والمعطيات على السلوك البراغماتي لدى الطرفين.

إقرأ أيضاً: إسرائيل بعد أوكرانيا: خسائر في إيران وسوريا

أوكرانيا:

على خلفيّة الحرب في أوكرانيا، ترى إسرائيل أنّ زيارة هرتسوغ في التوقيت الحالي لها أهمّيّتها “لتوثيق العلاقات مع تركيا إذا تدهورت الحرب في أوكرانيا وكانت لها تبعات على حرّية عمل الجيش الإسرائيلي في سورية. فالأتراك موجودون في شمال سورية، وهم لاعب مهمّ في هذه الحلبة”.

 وخلصت الكاتبة الإسرائيلية سيما كدمون إلى أنّ البعض يعتقد أنّ إردوغان بعد زيارة هرتسوغ سيخفض مستوى انتقاده لإسرائيل، والبعض الآخر يعتقد أنّه سيفعل هذا حتى في المواجهة التالية في غزّة، أو الانتفاضة في الداخل المحتلّ، وأنّ “إسرائيل يمكنها أن تربح من هذا التطوّر، ربّما بالعودة إلى أيام التصدير الأمني المنتعش إلى تركيا، وربّما بتقليص وجود رجالات حماس فيها. ومع ذلك ليس مجدياً التعويل على تحسّن استراتيجي حقيقي مع تركيا في المدى القريب”.

مواضيع ذات صلة

“دوخة” نيابيّة: جلسة من دون فرنجيّة وجعجع!

“الوضع بدوّخ. المعطيات مُتضاربة ومُتغيّرة كالبورصة. ولا توافق سياسيّاً بالحدّ الأدنى حتى الآن على أيّ اسم لرئاسة الجمهورية”. هي حصيلة مختصرة للمداولات الرئاسية في الأيّام…

جعجع في عين التّينة لإنضاج الرّئاسة؟!

عاثرٌ جدّاً حظّ سليمان فرنجية. مرةً، واثنتيْن وثلاث مرّات، بلغت الرئاسة حلقه، لتُسحب في اللحظات الأخيرة، فيقف على أعتاب القصر عاجزاً عن دخوله، ويعود أدراجه…

يومٌ في دمشق: فرحٌ ممزوج بالقلق

مرّت 14 سنة بالتّمام والكمال عن المرّة الأخيرة التي زُرتُ فيها العاصمة السّوريّة دِمشق، في كانون الأوّل من عام 2010، أي قبل 4 أشهر من…

برّي والرّئاسة: Now or Never

ما كادت تمرّ أيّام قليلة على الإطاحة بالنظام السوري، حتى ظهرت أوّل تداعيات “الانقلاب الكبير” على الرقعة اللبنانية، في شقّها الرئاسي: انقلبت أدوار القوى السياسية،…