إيران تقصف أميركا… على توقيت سليماني

مدة القراءة 5 د

اختارت إيران توقيتاً مُثيراً لا بدّ من قراءته جيّداً. فقد تمّ استهداف اربيل عاصمة كردستان عند السّاعة 1:21 فجراً، وهو مُماثل للتوقيت الذي اغتيلَ فيه قاسم سليماني قُرب مطار بغداد. وسُليماني هو من مواليد 11 آذار، الذي سبقَ الاستهداف بليلتيْن. فهل للاستهداف علاقة بالرّدّ على اغتيال القائد السابق لقوّة القدس؟

ادّعى الإعلام الإيرانيّ أنّ الصّواريخ استهدفت مركزاً للموساد الإسرائيلي، فيما قالت وسائل إعلام كُرديّة محلّيّة إنّ المُستهدف هو مبنى القنصليّة الأميركيّة الجديد الذي ما زال قيد الإنشاء.

كشفَ مصدرٌ أمنيّ عراقيّ لـ”أساس” أنّ الإيرانيين أبلغوا السّلطات العراقيّة أخيراً أكثر من مرّة عن قلقهم ممّا سمّوه “الدّور المُتنامي” لأجهزة الاستخبارات الإسرائيليّة في إقليم كردستان، وأنّهم لن يقفوا مُتفرّجين على بناء الموساد لأرضيّة له

صارَ المُستهدف تفصيلاً. لكنّ ما لا يُعدّ تفصيلاً عابراً هو انطلاق 12 صاروخاً باليستيّاً من طراز فاتح 110 من إقليم كردستان الإيرانيّ نحو نظيره العراقيّ، في سابقةٍ هي الأولى منذ الحرب الإيرانيّة – العراقيّة في ثمانينيّات القرن الماضي.

لم يكن القصف الإيرانيّ هذه المرّة يُشبه ذلك الذي استهدف قاعدة عين الأسد الأميركيّة غرب العراق بعد مقتل اللواء قاسم سليماني مطلع 2020 في غارة أميركيّة قرب مطار بغداد. هذه المرّة لم يُقتَل أيّ ضابط إيرانيّ بنيران أميركيّة، والموقع المُستهدف مُلتبسُ الهويّة، لكن الأكيد أنّ إيران قرّرت تغيير قواعد الاشتباك في باحتها الخلفيّة، العراق.

سارعَت قناة الميادين، المُقرّبة من حرس الثّورة الإيرانيّ، إلى القول إنّ الاستهداف الصّاروخيّ ليسَ الرّدّ الإيرانيّ على مقتل ضابطيْن من “الباسدران” بغارة إسرائيليّة في سوريا الأسبوع الماضي، وهو ما يعني أنّ الرّدّ الإيرانيّ على الغارة الإسرائيليّة التي وافقت عليها روسيا لم يأتِ بعد.

بدوره كشفَ مصدرٌ أمنيّ عراقيّ لـ”أساس” أنّ الإيرانيين أبلغوا السّلطات العراقيّة أخيراً أكثر من مرّة عن قلقهم ممّا سمّوه “الدّور المُتنامي” لأجهزة الاستخبارات الإسرائيليّة في إقليم كردستان، وأنّهم لن يقفوا مُتفرّجين على بناء الموساد لأرضيّة له تجعل من أربيل محطّةً لاستهداف إيران بالمُسيَّرات الإسرائيليّة أو العمليّات الخاصّة. إذ يعتقد الإيرانيون بحسب إعلامهم، أنّ الموساد استخدم قاعدة في أربيل لاستهداف مركزِ لإقلاع الطائرات المسيرة في محافظة كرمنشاه في منتصف كانون الثاني الماضي.

يحملُ القصف الباليستيّ الإيرانيّ عدّة مؤشّرات لا بدّ من قراءتها والتوقّف عندها مليّاً.

أوّلاً: أطلق الحرس الثّوري الإيرانيّ دزّينة صواريخٍ دقيقة، وهذه الدّقة كانت واضحة في مقاطع الفيديو التي وثّقت سقوط الصّواريخ على الهدف. تتخطّى هذه الرّسالة العراق لتحطّ رحالها في لبنان وسوريا. إذ لم يعُد سرّاً أنّ حزب الله بات يمتلكُ هذا النّوع من صواريخ فاتح 110، والجيش السّوريّ أيضاً تحت مُسمّى صاروخ “تشرين”.

ثانياً: اختارت إيران منطقة أربيل، التي توجد فيها قوّات من الجيش الأميركيّ وأنظمة دفاع جوّيّ من طراز باتريوت ومنظومة C-RAM التي تُشبه إلى حدّ بعيد نظام القبّة الحديديّة الإسرائيلي. سجّل القصف الإيرانيّ على أربيل تحدّياً أمام عمل منظومات الدّفاع الجوّي والصّاروخي الأميركيّة، إذ لم تُشِر التقارير إلى رصد المنظومات لهذه الصّواريخ التي انهمرَت على منطقة عمل ووجود الجيش الأميركيّ شمال العراق. ما يعني أنّ هذه الصواريخ تفوّقت على المنظومات الدفاعية الأميركية.

ثالثاً: ما ينطبق على الصّواريخ ينطبق على المُسيَّرات أيضاً. فقد أشارت مصادر أمنيّة عراقيّة لـ”أساس” إلى أنّ إيران استخدمت في “عمليّة أربيل” طائرات مُسيَّرة واكبت إطلاق الصّواريخ ولم ترصدها الرّادارات في المنطقة وعلى امتداد الأراضي العراقيّة. وبذلك تكون إيران قد أكملت الرّسالة التي بدأها حزب الله قبل أسابيع عبر مُناورة طائرته المُسيَّرة “حسّان” لأنظمة الدّفاع الجوّي الإسرائيليّة.

رابعاً: قطعت الصّواريخ الإيرانيّة مسافة تُقارب 500 كلم ووصلت إلى هدفها. ومن خلال هذا القصف كانت إيران تستعرض قدرة صواريخها على الانطلاق من أراضيها والوصول إلى هدفها بالتّمام والكمال، وكأنّها تقول إنّ تطوير الصّواريخ الباليستيّة والمُسيَّرات خارج جميع الحسابات والمُفاوضات، أكان في فيينا أم في غيرها.

خامساً: في السّياسة كانت إيران تقول لأميركا: “العراق لي، والأمر فيه لي، ولن أتنازل عنه”. فقد جاء القصف الإيرانيّ على أربيل في ظلّ مراوحة سياسيّة في العراق مُستمرّة منذ 6 أشهر تقريباً، وذلك بعد هزيمة الميليشيات الموالية لطهران في الانتخابات النّيابيّة. وكانت طهران تُعطي نموذجاً لواشنطن عمّا سيؤول إليه شكل المنطقة في حال إعلان انهيار مُفاوضات فيينا بشكلٍ نهائيّ.

إقرأ أيضاً: شهلائي.. سليماني اليمن: هل هو إيرلو؟

في الخلاصة هل اختارت إيران التوقيت لتُربكَ المُتابعين بالأسئلة التالية:

ماذا وراء قصف أربيل؟ فيينا أم سُليماني؟ أم النّفوذ في العراق والمنطقة؟ أم الصّواريخ الباليستيّة والمُسيَّرات؟

قد يكون الجواب واحداً منها، أو جميعها. لكنّ الثّابت أنّ إيران ماضية في مشروعها التّوسّعي في المنطقة مهما كانت الظّروف.

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…