يبدو أن لا توازن في العلاقات التركية الإسرائيلية من طرف أنقرة، فتارةً تركيا إردوغان هي وسيط السلام مع إسرائيل، كما حدث حين أراد إردوغان لعب دور الوسيط بين الأسد وإسرائيل قبل حرب تموز في لبنان. وتارةً أخرى نجد تركيا هي حامل لواء القضية الفلسطينية، كما حدث بعد أزمة السفينة مرمرة، ثمّ حالة الهياج التركية بعد السلام الإبراهيمي في المنطقة، وتهديد تركيا للإمارات العربية المتحدة بإغلاق سفارتها بأنقرة.
اليوم لا يُفرش السجّاد الأحمر في أنقرة للرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ وحسب، بل إنّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي قال عنه ذات يوم زعيم حزب الله الإرهابي بأنّه عربي أكثر من العرب، يصرّح بما لم يصرّح به أحد في منطقتنا.
يقول إردوغان: الأتراك واليهود هما أفضل نموذج حيّ وإيجابي عاش مئات السنين، ولن نسمح لأحد بأن يغطّي على هذه الحقيقة التاريخية
يقول إردوغان: “الأتراك واليهود هما أفضل نموذج حيّ وإيجابي عاش مئات السنين، ولن نسمح لأحد بأن يغطّي على هذه الحقيقة التاريخية”. فيردّ نظيره الإسرائيلي التحيّة بأحسن منها قائلاً: “العلاقات بين شعبيْنا عتيقة وعريقة، ولها جذور دينية وثقافية في التاريخ”.
حسناً، هل نحن أمام استراتيجية تركية، أم تكتيك، أم انفعالات لحظيّة وحسب؟ من حقّ الأتراك فعل ما يريدون وفق مصالحهم، لكن ماذا عمّن سلموا رقابهم لأنقرة، وصدّقوا خطاباتها المتقلّبة؟
أين غضبة الرئيس التركي من الدول العربية التي وقّعت اتفاق السلام الإبراهيمي وهو يقول إنّ “الأتراك واليهود هما أفضل نموذج حيّ وإيجابي عاش مئات السنين ولن نسمح لأحد بأن يغطّي على هذه الحقيقة التاريخية”؟
دعك من الرئيس إردوغان. أين حركة “حماس” تجّار الدم والدمار؟ المضحك أنّ الحركة أصدرت بياناً بدون أيّ حماسة أعلنت فيه رفضها لزيارة المسؤولين الإسرائيليين للدول العربية والإسلامية، من دون أن تسمّي تركيا بالاسم!
أين جماعة الإخوان المسلمين، والمتشدّقين بالقضية الفلسطينية؟ بل أين السلطة الفلسطينية نفسها التي هاجمت دول المنطقة التي وقّعت السلام الإبراهيمي؟ أين كلّ هؤلاء والرئيس التركي تجاوز حتى التطبيع؟
الحقيقة أنّ هذه المنطقة تشهد حفلة جنون لا نظير لها، فنحن شهود على أطول مهزلة سياسية، وحفلة مزايدات بمنطقتنا باسم القضية الفلسطينية، لكن لم يتّعظ أحد على الرغم من الفشل والدمار والمقدَّرات المهدورة.
هي مهزلة نجد أنّ إيران تدمّر من خلالها المنطقة باسم المقاومة ومن دون طلقة رصاصة واحدة تجاه إسرائيل. مهزلة أفرزت لنا أمثال حزب الله وحماس. وبعدها يخرج علينا الرئيس التركي قائلاً إنّ “الأتراك واليهود هما أفضل نموذج حيّ وإيجابي عاش مئات السنين ولن نسمح لأحد بأن يغطّي على هذه الحقيقة التاريخية”!
مزايدات وتخريب وتأجيج، ثمّ حديث عن أفضل نموذجين للتعايش، الإسرائيلي والتركي، بحسب إردوغان، ومن دون إشارة إلى العرب والمنطقة. وعلى الرغم من ذلك لا نرى إدانة من مدّعي الغيرة على القضية، ولا من الإسلاميين الذين ارتموا في أحضان أنقرة على حساب دولهم.
إقرأ أيضاً: أنقرة – تل أبيب: حيّرت قلبي معاك!
وعليه فإنّ خيار السلام هو الأفضل والأمثل للمنطقة وأبنائها بدلاً من لعبة المزايدات التي دمّرت جلّ دول المنطقة، وبدلاً من حفلة الأكاذيب والتزوير التي جلبت لنا تجّار دم ودين، سُنّةً وشيعةً، وإيرانيين وأتراكاً وغيرهم.