هل خسر الجيش الروسي هيبته في أوكرانيا؟

مدة القراءة 10 د

هيلانة كوبر (Helene Cooper)، وإيريك شميت (Eric Schmitt)، وجوليان بارنز (Julian E. Barnes) The New York Times

 

عندما يتعلّق الأمر بالحرب وشؤونها، يقول الجنرالات إنّ “حجم القوات مهمّ”. لكن بعد أسبوعين تقريباً من غزو الرئيس فلاديمير بوتين أوكرانيا، في أكبر حرب برّيّة في أوروبا منذ عام 1945، تحطّمت صورة الجيش الروسي الذي يجب أن تخافه الدول الأخرى، ناهيك عن محاولة مجاراته.

نجح الجيش الأوكراني، القليل العدد أمام الجيش الروسي، في إحباط خصمه بطريقة ما. قتل الجنود الأوكرانيون أكثر من 3000 جندي روسيّ، وفقاً لتقديرات متحفّظة صادرة عن مسؤولين أميركيين، قالوا نقلاً عن تقييمات استخبارية أميركية سرّيّة، إنّ أوكرانيا أسقطت طائرات نقل عسكرية روسية تحمل مظلّيّين، وأسقطت طائرات هليكوبتر، وأحدثت ثغرات في القوافل الروسية باستعمال صواريخ أميركية مضادّة للدبّابات وطائرات مسيَّرة مسلّحة قدّمتها تركيا. لذا راح يعاني الجنود الروس من ضعف الروح المعنوية، ومن نقص الوقود والغذاء. وقال مسؤولون أميركيون وغربيون آخرون إنّ بعض القوات عبرت الحدود مع وجبات جاهزة للأكل انتهت صلاحيّتها في عام 2002. واستسلم آخرون وخرّبوا آليّاتهم ليتجنّبوا القتال.

يحذّر مسؤولو البنتاغون من أنّ الجيش الروسي سيصحّح أخطاءه قريباً، وربّما يقطع الاتصالات في جميع أنحاء أوكرانيا، ويفصل زيلينسكي عن قادته

من المؤكّد أنّ معظم الخبراء العسكريين يقولون إنّ روسيا ستُخضع الجيش الأوكراني في نهاية المطاف. فعدد أفراد الجيش الروسيّ يبلغ 900 ألف جندي في الخدمة الفعليّة ومليونيْ جندي احتياطي. وهو ثمانية أضعاف حجم الجيش الأوكراني. ولدى روسيا طائرات مقاتلة، وقوات بحرية هائلة، ومشاة بحرية قادرة على الإنزال البرمائي المتعدّد، كما أثبتوا ذلك في وقت مبكر من الغزو، عندما انطلقوا من البحر الأسود واتّجهوا نحو مدينة ماريوبول.

أمّا الحكومات الغربية التي تحدّثت علانيّة عن الإخفاقات العسكرية لروسيا، فقد كانت حريصة على نشر الخبر للمساعدة في تدمير الروح المعنوية الروسية، وتعزيزها لدى الأوكرانيين. لكن مع كلّ يوم يصمد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فإنّ مشاهد روسيا المُحبَطة، وهي تقصف من دون أن تنجح في حسم المواجهة مع خصم أصغر، تهيمن على الشاشات في جميع أنحاء العالم.

والنتيجة أنّ جيوش أوروبا التي كانت تخشى روسيا في يوم من الأيام، تقول إنّها لم تعد تتهيّب القوات البرّيّة الروسية كما في الماضي.

 

قتل المدنيين

تخلّت روسيا بسرعة عن الضربات الجراحية. وبدلاً من ذلك، عمدت إلى قتل المدنيين الذين يحاولون الفرار، وهو ما يمكن أن يضرّ بفرص بوتين في كسب حرب طويلة الأمد في أوكرانيا. ويقول محلّلون عسكريون إنّ التكتيكات الوحشية قد تطغى في نهاية المطاف على دفاعات أوكرانيا، لكنّها ستغذّي بالتأكيد تمرّداً دمويّاً قد يعيق روسيا لسنوات. والأهمّ من ذلك كلّه أنّ روسيا كشفت لجيرانها الأوروبيين ولخصومها الأميركيين ثغرات في استراتيجيّتها العسكرية، ممّا يمكن استغلالها في المعارك المستقبلية.

قال الليوتانت جنرال مارتن هيرم (Martin Herem)، قائد القوات العسكرية في إستونيا، خلال مؤتمر صحافي في قاعدة جويّة في شمال إستونيا مع الجنرال مارك أ. ميلي (Mark A. Milley)، قائد هيئة الأركان الأميركية المشتركة: “ما رأيته اليوم أنّه حتى هذا الجيش الضخم ليس بهذه الضخامة”.

زميل الجنرال هيرم، وقائد القوات الجوية البريغادير جنرال راونو سيرك (Rauno Sirk)، في مقابلة مع إحدى الصحف المحليّة، كان أكثر صراحة في تقييمه لسلاح الجو الروسي حين قال: “إذا نظرت إلى ما يوجد على الجانب الآخر، سترى أنّه لم يعد هناك خصم حقّاً بعد الآن”.

 

أخطاء بوتين العسكرية

لقد علِق كثير ممّن جنّدتهم موسكو من بين أكثر من 150 ألف فرد، حين نشرتهم شمال العاصمة كييف. كان من المتوقّع أن تسقط مدينة خاركيف الشمالية الشرقية في غضون ساعات من الغزو، وتعرّضت لهجوم صاروخي وقصف مدفعي، لكنّها ما زالت صامدة.

كلّ يوم، يحذّر مسؤولو البنتاغون من أنّ الجيش الروسي سيصحّح أخطاءه قريباً، وربّما يقطع الاتصالات في جميع أنحاء أوكرانيا، ويفصل زيلينسكي عن قادته، أو قد تحاول روسيا إغلاق النظام المصرفي الأوكراني، أو أجزاء من شبكة الكهرباء، لزيادة الضغط على السكان المدنيين للاستسلام.

مشكلات الجيش الروسي حقيقية، والرأي العام حول القتال الدائر يتبدّل مع حقائق معركة المعلومات. والقيادة الروسية حريصة على التقليل من أهميّة الحرب

حتّى لو لم يفعل الروس ذلك، كما يقول المسؤولون الأميركيون، فإنّ بوتين المحبَط، لديه القوة النارية لتحويل أوكرانيا ببساطة إلى أنقاض، على الرغم من أنّه بذلك سيدمّر الجائزة ذاتها التي يريدها. واستعمال هذا النوع من القوّة من شأنه أن يفضح ليس فقط الحسابات الخاطئة التي قام بها الكرملين في شنّ غزو معقّد ثلاثي الجوانب، لكنّه يكشف أيضاً حدود التحديثات الأخيرة للجيش الروسي.

يقول أندريه كوزيريف (Andrei V. Kozyrev)، وزير خارجية روسيا في عهد بوريس يلتسين، في تغريدة على تويتر: ” أمضى الكرملين السنوات العشرين الماضية في محاولة تحديث جيشه. سُرِق قسم كبير من تلك الميزانية وأُنفق على اليخوت الضخمة في قبرص. لكن بصفتك مستشاراً عسكرياً، لا يمكنك إبلاغ الرئيس بذلك. لذلك أبلغوه بالكذب بدلاً من ذلك. إنّه جيش قويّ من حيث المظهر، لكنّه غير فعّال (Potemkin military)”.

خلال رحلة عبر دول أوروبا الشرقية التي تخشى أن تواجه جيش بوتين في المرّة المقبلة، طُرح على الجنرال ميلي الأسئلة نفسها باستمرار: لماذا كان أداء الروس ضعيفاً جدّاً في الأيام الأولى للحرب؟ لماذا أساؤوا الحكم بشدّة على المقاومة الأوكرانية؟ وكان ردّه المتأنّي، أمام المراسلين في إستونيا: “لقد رأينا غزواً كبيراً، لمختلف القوى العسكرية الروسية، القوات الجوية، والبرية، والخاصّة، وقوات الاستخبارات، وهو غزو متعدّد المحاور لثاني أكبر دولة في أوروبا، أوكرانيا”، قبل أن يصف بعض القصف الذي تقوم به روسيا ومخاوفه من “إطلاق النار العشوائي” على المدنيين. وأضاف: “ما زال الوقت مبكراً قليلاً لاستخلاص أيّ دروس محدّدة مستفادة. لكنّ أحد الدروس الواضحة هو أنّ إرادة الشعب الأوكراني، وأهميّة القيادة الوطنية، والمهارات القتالية للجيش الأوكراني، قد برزت عالياً وعلى نحوٍ واضح”.

 

جيش بوتين غير مستعدّ

مشكلات الجيش الروسي حقيقية، والرأي العام حول القتال الدائر يتبدّل مع حقائق معركة المعلومات. والقيادة الروسية حريصة على التقليل من أهميّة الحرب، ولا تقدّم سوى القليل من المعلومات حول انتصاراتها أو هزائمها، وهو ما يساهم في رسم صورة غير كاملة.

لكنّ تشريحاً لأداء الجيش الروسي حتى الآن، جرى تجميعه من مقابلات مع عشرين من المسؤولين الأميركيين، ومن حلف شمال الأطلسي، ومن المسؤولين الأوكرانيين. والنتيجة تعطي لمحة عن مجنّدين شباب عديمي الخبرة، لم يُمكَّنوا من اتخاذ قرارات فورية، وضباط غير مفوّضين، وغير مسموح لهم باتخاذ القرارات أيضاً. القيادة العسكرية الروسية، وعلى رأسها الجنرال فاليري جيراسيموف (Valery Gerasimov)، مركزيّة جدّاً. ويقول مسؤولون أميركيون اشترطوا عدم الكشف عن هويّتهم من أجل مناقشة الأمور العملياتية، إنّه يجب على الضباط الروس أن يطلبوا منه الإذن حتى في الأمور الصغيرة.

بالإضافة إلى ذلك، أثبت كبار الضباط الروس حتى الآن رغبتهم في تجنّب المخاطر. وقال مسؤولون أميركيون إنّ حذر الضباط الروس يفسّر جزئياً سبب عدم تمتّعهم بتفوّق جوّيّ على جميع أنحاء أوكرانيا، على سبيل المثال. وقال مسؤول كبير في البنتاغون إنّه في مواجهة سوء الأحوال الجويّة في شمال أوكرانيا، منع الضبّاط الروس بعض الطائرات والمروحيّات الهجومية الروسية من التحليق، وأجبروا أخرى على التحليق على ارتفاعات منخفضة، الأمر الذي جعلهم أكثر عرضة للنيران الأرضية الأوكرانية.

وقال مايكل كوفمان (Michael Kofman)، مدير الدراسات الروسية في CNA، وهو معهد أبحاث دفاعي، في رسالة إلكترونية: “كانت معظم القدرات الروسية على الهامش”. وأضاف: “توظيف القوة غير عقلاني تماماً. والاستعدادات لحرب حقيقية شبه معدومة. والروح المعنوية منخفضة بشكل لا يصدّق، لأنّ من الواضح أنّه لم يتمّ إخبار الجنود بأنّهم سيُرسلون إلى هذه المعركة”.

 

أسباب الخسائر العسكرية

على سبيل المثال قال مسؤولون إنّ وحدات الدبّابات الروسية على سبيل المثال زُوّدت بعدد قليل جداً من الجنود لإطلاق النار من الدبابات، ولحمايتها أيضاً. والنتيجة أنّ أوكرانيا، باستخدام صواريخ “جافلين” المضادّة للدبابات، أوقفت القافلة المتّجهة إلى كييف بتفجير دبابة تلو أخرى.

وقال توماس بولوك (Thomas Bullock)، وهو محلّل من شركة استخبارات الدفاع، جينيس (Janes)، إنّ القوات الروسية ارتكبت أخطاء تكتيكية تمكّن الأوكرانيون من الاستفادة منها. وأضاف: “يبدو أنّ الأوكرانيين كانوا أكثر نجاحاً في نصب الكمائن للقوات الروسية. أمّا الطريقة التي تقدّم بها الروس، فهي أنّهم التزموا السير على الطرق الرئيسية حتى يتمكّنوا من التحرّك بسرعة، وتجنّب خطر الوقوع في الوحل. لكنّهم يتقدّمون على طرق متعرّجة، وأجنحتهم وطرق إمدادهم معرّضة بشكل مفرط للهجمات الأوكرانية”.

الهزائم الروسية في ساحة المعركة، والخسائر المتزايدة، لها تأثير أيضاً. قال فريدريك و. كاجان (Frederick W. Kagan)، الخبير في شؤون الجيش الروسي، وهو مدير مشروع التهديدات الحرجة (Critical Threats Project) في معهد “أميركان إنتربرايز” إنّ “قيام الأوكرانيين بتدمير وحداتك المحمولة جوّاً، وحدات النخبة الروسية، يجب أن يكون مدمّراً للمعنويات الروسية. على الجنود الروس أن ينظروا إلى هذا ويقولون: ما الذي وضعنا أنفسنا فيه بحقّ الجحيم؟”.

كانت معظم الهجمات الروسية الأولى في أوكرانيا محدودة نسبيّاً، وانخرطت فيها كتيبتان أو ثلاث على الأكثر. وقال كاجان إنّ مثل هذه الهجمات تُظهر فشل تنسيق الوحدات المشتركة في ساحة المعركة، والفشل في الاستفادة من القوّة الكاملة للقوة الروسية.

وأضاف أنّ روسيا بدأت مناورات عسكرية بوحدات أكبر في الأيام الأخيرة، وحشدت قوة كبيرة حول كييف، ويبدو أنّها مستعدّة لهجوم محتمل متعدّد الجوانب على العاصمة قريباً. وبالنظر إلى الصعوبات التي واجهها الجيش الروسي في شنّ ضربات دقيقة لإجبار الوحدات العسكرية الأوكرانية على الاستسلام، فمن المرجّح أن تصعيد القوات الروسية من نطاق الهجمات التي تؤدّي في العادة إلى ارتفاع أعداد القتلى المدنيين.

إقرأ أيضاً: ماذا يقول ماضي بوتين عن أفعاله؟

لكن في النهاية، يقول المسؤولون العسكريون إنّهم ما زالوا يتوقّعون أنّ حجم القوات سيشكّل فارقاً في هذه الحرب.

وقال الجنرال المتقاعد فيليب بريدلوف (Philip M. Breedlove)، القائد الأعلى السابق لحلف شمال الأطلسي في أوروبا، في لقاء افتراضي عقده – لمؤتمر الأطلسي حول الأزمة يوم الجمعة الماضي: “التقدّم الروسي ثقيل. لكن لا هوادة فيه، ولا يزال هناك الكثير من القوة التي يمكن استعمالها.”

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

[VIDEO]

 

مواضيع ذات صلة

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…

ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب

يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط…

إغناتيوس: قطر تقود جهود تشكيل حكومة انتقاليّة في سوريا

كشف ديفيد إغناتيوس المحلّل السياسي في صحيفة واشنطن بوست أنّ “قطر، التي كانت لفترة طويلة داعمة سرّية لهيئة تحرير الشام، تقود الجهود العربية لإنشاء حكومة…