لوثة الثقافة.. أقذر حروب إيران!

مدة القراءة 3 د

من الظلم اختصار رداءة المشهد الثقافي الإيراني بواقعة معرض بيروت الدولي للكتاب المتمثّلة بضرب وسحل ناشطين جَرُؤوا على رفض رفع صورة قاسم سليماني في أحد الأجنحة الإيرانية وصرخوا “بيروت حرّة حرّة”، لأنّ الإشكاليّة أعمق من ذلك بكثير.

خيارات إيران رديئة حتى في اختيار توقيت شنّ هجماتها الثقافية المستفزّة للشعور الوطني اللبناني والعربي الذي شكّل معرض الكتاب على مدى سنوات طويلة متنفّساً حضارياً لإحيائه وإنعاشه بالمُلتقيات والمُنتديات والحوارات التي قاربت زوايا ثقافية وحضارية، وحتى سياسية، قبل ولوج مطرقة الملالي لسحق هذه الأجواء متدخّلةً في محتويات المعرض ومضامينه، ومانعةً الفعّاليّات الفنية والموسيقية التي تشكّل هي الأخرى عاملاً مكمّلاً لمنصّة ثقافية وحضارية شاملة مكتملة الأركان.

كان يمكن لطهران تجنّب حمل هذه اللوثة الثقافية إلى معرض بيروت الدولي للكتاب، لكنّها مع الأسف تصرّ في كلّ هجماتها على تصدير أسوأ وأردأ متحوِّلات ديماغوجيّتها السياسية والاجتماعية وحتى النفسية

من المفيد بمكان مجيء الاغتصاب الثقافي الإيراني للعاصمة اللبنانية بيروت، بعد الاغتصاب العسكري والسياسي طبعاً، فيما غابت أجنحة دور النشر العربية بالكامل عن المعرض لإخراج قناعة رديئة أيضاً مفادها أنّ “عُدّة الشغل” الإيرانية في أيّ استفزاز هي عزلتها عن الكوكب الديناميكي والمتفاعل!!

وما لاءات السخط والرفض اللبنانية لهذا التصرّف الإيراني إلا توضيح صارخ لمفردات الحرب ما بين ثقافة الحياة وثقافة الموت والقتل المجّاني المتمثّلة بصورة جنرال عسكري ينتمي إلى فلك الدم المسفوك والإرهاب وتغميس حضارتنا المعاصرة برماد العواصم المدمّرة ودماء المجازر المفتوحة.

مختارةً أعرق المنصّات الحضارية للعاصمة بيروت تُجبِر طهران اللبنانيين على تصفّح كتب الموت والحروب، فارضةً هذه المضامين عقائد ثقافية تُلغي الرسم والنحت والفنون التشكيلية وكتب الأدب والشعر والنثر والأمسيات الثقافية والحضارية والفنية في رسالة صارمة تريد من خلالها تعميم حالة الاحتلال الثقافي بعد الاحتلال السياسي في مشهديّة غوغائية غريبة عن كلّ المدارس الحضارية، وحتى عن الذوق العامّ الذي كان أوّل المتصدّين لهذه اللوثة الثقافية.

كان يمكن لطهران تجنّب حمل هذه اللوثة الثقافية إلى معرض بيروت الدولي للكتاب، لكنّها مع الأسف تصرّ في كلّ هجماتها على تصدير أسوأ وأردأ متحوِّلات ديماغوجيّتها السياسية والاجتماعية وحتى النفسية. ومن حسن الحظّ أن بيروت الحرّة لم تكن جاهزة لذلك فتصدّت بسلاح الكلمة والرأي لمفردات الموت والقتل والحروب العبثيّة!

إقرأ أيضاً: “ع المسطرة والبيكار.. بيروت ما بتنطال”

أخطر ما في واقعة معرض الكتاب أنّ إيران أعلنت رسمياً استخدام لوثتها الثقافية في بيروت، وأجمل ما حدث في المقابل أنّ بيروت عرّت هذه اللوثة بتوصيفها حرباً أقذر بكثير من حروب القتل والتفخيخ والتفجير والقهر والإفقار والتجويع.

بسلاح الصوت والكلمة والرأي الحرّ دوماً: بيروت حرّة حرّة.. إيران طلعي برّا!

مواضيع ذات صلة

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…