الغاز اللبنانيّ… في انتظار تحرير فلسطين

مدة القراءة 5 د

في بلد لا رأس فيه، لا يعود مستغرباً أن يأخذ “حزب الله” المبادرة في كلّ مجال من المجالات، بما في ذلك ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل أو اتّخاذ موقف من الأزمة الأوكرانيّة التي تشغل العالم. يظلّ أفضل ما يدلّ على عمق الأزمة اللبنانيّة مطالبة جبران باسيل، صهر رئيس الجمهوريّة، ورئيس “التيّار الوطني الحرّ” بـ”دولة مدنيّة” في هذه الظروف بالذات.

تعكس هذه المطالبة الجانب الهزليّ في المأساة اللبنانية. ثمّة حزب مسيحي يسعى إلى استعادة ما يسمّيه “حقوق المسيحيّين” بسلاح “حزب الله”، الذي ليس سوى سلاح مذهبي في خدمة المشروع التوسّعي الإيراني. يختزل موقف جبران باسيل حال التخبّط اللبنانيّة في وقت طرح مصير البلد: ألا يزال قابلاً للحياة بموجب صيغة معيّنة لا يزال البحث جارياً عنها؟

يفضّل الحزب بقاء الغاز اللبناني مدفوناً إذا لم يكن هذا الغاز في خدمة إيران

افتقر لبنان، منذ غياب رفيق الحريري، إلى أيّ قدرة على قراءة الأحداث الإقليميّة والدوليّة وجعل البلد في منأى عنها. انتقل لبنان شيئاً فشيئاً إلى وضع الجرم الذي يدور في الفلك الإيراني. لا يوجد في لبنان حالياً مَن يدرك معنى كلام رئيس كتلة “حزب الله” النيابيّة محمد رعد الذي جعل كلام رئيس الجمهوريّة عن اعتماد الخط الرقم 23 في مفاوضات ترسيم الحدود من النوع الذي لا معنى له. قال محمّد رعد بالحرف الواحد إنّ “الأميركي (عاموس هوكشتاين) الوسيط في التنقيب عن الغاز في لبنان جاء إلى بيروت في الأيام الماضية للعب دور الثعلب في قسمة الجبنة بين المتخاصمين. وكي نتمكّن من التنقيب في مياهنا الإقليمية لاستخراج الغاز ونسدّد بثمنه ديوننا، يقول لك أنتَ ستحفر في الماء، ومن الممكن أن يكون حقل الغاز مشتركاً بينك وبين الإسرائيلي. نحن نقول إنّنا سنبقي غازنا مدفوناً في مياهنا إلى أن نستطيع منع الإسرائيلي من أن يمدّ يده على قطرة ماء من مياهنا. لسنا قاصرين، وليعلم العدوّ ومَن يتواصل معه، وسيطاً وغير وسيط، أنّ الإسرائيلي لن يتمكّن من التنقيب عن الغاز في جوارنا ما لم ننقّب نحن عن الغاز ونستثمره كما نريد، وليبلطوا البحر. لن نسمح للإسرائيلي أن ينقّب عن الغاز من دون أن نستطيع أن ننقّب عنه في مياهنا. إذا لم تكن قوياً، من أجل أن تنقذ حقّك، لن ينفعك الدعم من كلّ الدول”.

خلاصة كلام محمد رعد أنّ “حزب الله” يتحدّث باسم لبنان، وأنّ استفادة لبنان واللبنانيين من الثروة التي في البحر آخر هموم الحزب. على لبنان واللبنانيين انتظار تحرير فلسطين كي ينعموا بثرواتهم البحريّة!

يفضّل الحزب بقاء الغاز اللبناني مدفوناً إذا لم يكن هذا الغاز في خدمة إيران. ليس في لبنان من يستطيع اتخاذ قرار في غاية البساطة يتمثّل في اللجوء إلى التحكيم الدولي من أجل ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل، وذلك استناداً إلى قانون البحار وكلّ ما له علاقة بالشرعيّة الدوليّة.

السلاح يحمي الفساد

ثمّة واقع لا يستطيع رئيس الجمهورية وصهره استيعابه. يتمثّل هذا الواقع في العجز اللبناني. يظلّ موضوع الكهرباء والعجز عن معالجته في ظلّ إصرار “التيار الوطني الحر” على وضع يده عليه أفضل تعبير عن حال العجز والتخبّط التي يستفيد منها “حزب الله” إلى أبعد حدود.

يرفض “الثنائي الرئاسي” الاعتراف بالفشل الذي أوصلا البلد إليه، والخروج في الوقت ذاته من حسابات ضيّقة محصورة في الإتيان بجبران باسيل رئيساً للجمهوريّة. يرفض ذلك استناداً إلى معادلة “السلاح يحمي الفساد” التي هي في أساس وثيقة مار مخايل التي وقّعها ميشال عون وحسن نصرالله قبل ستة عشر عاماً. يكفي للتأكّد من الفشل اللبناني التجاذب الذي حصل بعد البيان الصادر عن وزارة الخارجية التي يتولّاها عبدالله بوحبيب الذي ارتأى، لأسباب خاصّة به وربّما أخرى مرتبطة بالعقوبات الأميركية المفروضة على جبران باسيل، إدانة الغزو الروسيّ لأوكرانيا. حسناً فعل بوحبيب في ظلّ المعادلات الدولية القائمة.

في بلد بلا رأس، اسمه لبنان، من الطبيعي غياب مَن يقرأ الحدث الأوكراني وخطورته وانعكاساته الإقليمية، خصوصاً على النظام السوري الذي أجبره فلاديمير بوتين على الاعتراف بجمهوريّتيْ دونيتسك ولوغانسك وانفصالهما عن أوكرانيا. ما حدث كان ربطاً روسيّاً مباشراً بين السيطرة على الساحل السوري من جهة، والانقضاض على أوكرانيا من جهة أخرى. عشيّة الهجوم الروسي، زار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قاعدة حميميم قرب اللاذقية واستدعى بشّار الأسد لإبلاغه أنّ الهجوم على أوكرانيا سيبدأ قريباً، وأنّ على النظام السوري الاعتراف بالجمهوريّتين الانفصاليّتين. لم تمضِ ساعات، وبعد مناورات للبحريّة الروسيّة قبالة اللاذقيّة وطرطوس، توجّه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى موسكو لتنفيذ المطلوب من النظام لا أكثر.

لا يوجد في لبنان، على مستوى رئاسة الجمهوريّة، مَن يدرك معنى إجبار النظام السوري على أن يكون تابعاً ذليلاً لروسيا، وانعكاسات ذلك على سوريا نفسها في ظلّ ردّ الفعل الأوروبي على ما أقدم عليه فلاديمير بوتين.

ثمّة فشل لبناني على كلّ الجبهات وفي كلّ المجالات، وجهل لكون إيران تبحث عن طريقة للاستفادة من غزوة أوكرانيا بغية تحقيق مكاسب في مفاوضاتها المباشرة وغير المباشرة مع الإدارة الأميركية.

إقرأ أيضاً: عالم يبحث عن نظام جديد

أسوأ ما في الأمر، أنّ لبنان يعيش في عالم خاصّ به لا علاقة له بما يدور في المنطقة والعالم. ما الذي يمكن توقّعه من بلد بلا رأس يرفض رئيس جمهوريّته وصهره الاعتراف بأنّ الأمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، هذا إذا كان هناك ما يمكن إنقاذه، مفقود تماماً بسبب معادلة “السلاح يحمي الفساد” أوّلاً؟

يبدو الأمل مفقوداً تماماً في غياب طرح موضوع سلاح “حزب الله” والاحتلال الإيراني للبنان… ومحاولة معرفة ما الذي سيستقرّ عليه الوضع السوري، الذي يسير داخليّاً من سيّء إلى أسوأ، في ضوء الحدث الأوكراني وربط موسكو لدمشق بها.

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…