النفق العراقي: طهران تتشدّد.. والرهان على أربيل

مدة القراءة 6 د

أمام أزمة الانسداد السياسي الذي تعيشه الساحة العراقية بعد إجراءات المحكمة الاتحادية التي أخرجت مرشّح الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري من السباق الرئاسي، وترجيح أن تذهب هذه المحكمة أيضاً إلى الحكم بعدم دستوريّة فتح باب الترشيح للانتخابات الرئاسية مرّة ثانية، وهو ما يحرم هذا الحزب من مشاركة مرشّحه البديل ريبر أحمد بارزاني، بدأ البحث الجدّيّ لإيجاد مخارج وحلول تساعد على إعادة تفعيل الاستحقاقات الدستورية وانتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس جديد للوزراء.

في ظلّ هذه الأجواء التي توحي بعجز القوى السياسية العراقية عن تقديم مخارج أو حلول لهذه الأزمة، وحالة الشلل التي تعيشها وتمرّ بها الحياة السياسية والعمليّة الدستورية، يبدو أنّ العامل الإقليمي بدأ بالتحرّك والدخول على خط الأزمة بشكل أكثر وضوحاً ومباشرةً بهدف تقريب وجهات النظر بين الأطراف وفتح الطريق أمام حوارات جدّيّة من أجل الوصول إلى حلول وسطيّة تساعد على تفكيك العِقَد الموجودة بسبب أزمة الثقة بين الأطراف.

حالياً يبدو أنّ الأنظار الإقليمية والعراقية تتّجه إلى أربيل، والدور “الأبويّ” الذي من المتوقّع أن يلعبه الزعيم الكردي الرئيس مسعود بارزاني في تدوير الزوايا وإحداث خرق في جدار هذا الانسداد

وفيما استقبل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان اثنين من قادة البيت السياسي السنّيّ، هما رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، بحضور رئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان، وهو لقاء يحمل رسالة تتعلّق بالتوازنات الداخلية العراقية ويُظهر أنّ تركيا هي أحد أبرز اللاعبين إلى جانب بعض دول الجوار العربي، كان اللاعب الإيراني في المقابل يعيد تفعيل محرّكاته المباشرة وغير المباشرة لنقل رسائل إلى القوى المفتاحية في الأزمة العراقية وتحذيرها من تداعيات الأزمة الدستورية التي لن يسمح باستمرارها لأنّها باتت تقترب من دائرة التهديد المباشر للأمن القومي والمصالح الاستراتيجية الإيرانية في العراق والإقليم.

وإذا ما كان البيت السنّيّ قد استطاع العبور إلى دائرة الأمان بأقلّ خسائر ممكنة، وبإرادة من خارجه فرضت توافقاً فوقيّاً بين أقطابه الأساسيّين، فأخرجت زعيم تحالف العزم الخنجر من دائرة التحالف مع قوى الإطار التنسيقي الشيعي، وفرضته زعيماً لتحالف السيادة الممثِّل لغالبية البيت السنّيّ مع الحلبوسي، فإنّ الانقسام العمودي ما زال مسيطراً على البيت الكردي بين قطبيْه الحزب الديمقراطي بزعامة البارزاني والاتحاد الوطني بقيادة بافل طالباني، على خلفيّة الاختلاف على منصب رئيس الجمهورية، خاصة في ظلّ رفض الديمقراطي الحاسم لعودة الرئيس الحالي برهم صالح لتولّي هذا الموقع لدورة جديدة، وتمسّك الاتحاد به مرحليّاً.

الانقسام الشيعي

في هذه الأجواء، يبدو أنّ الانقسام داخل البيت الشيعي بات عمودياً في الأيام الأخيرة، بعدما كان في الأسابيع الماضية متعرّجاً. فالدخول الإيراني على خطّ القوى المكوِّنة للإطار التنسيقي، ساهم في تصليب موقف هذا الإطار والحفاظ عليه كياناً واحداً بعيداً عن التفكّك. بعدما كانت جميع التوقّعات تتحدّث عن إمكانية انسحاب بعض القوى منه والانضمام إلى التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، أحد أقطاب التحالف الثلاثي مع الحلبوسي والبارزاني. وهو ما يسهّل عليه تنفيذ مشروعه ورؤيته بتشكيل حكومة أغلبية وطنية وعزل تكتّل دولة القانون بزعامة نوري المالكي. من هنا تأتي أهمية التدخّل الإيراني الذي أحبط تطلّعات الصدر، وحوَّل الإطار إلى كتلة متراصّة بقرار واحد يرفض الاستفراد بأيّ من مكوّناته.

من المتوقّع أن تساهم أزمة رئاسة الجمهورية وحرمان الديمقراطي من أن يكون له مرشّح في حين أنّ الاتحاد لديه أكثر من خيار، في الدفع باتجاه فتح باب الحوار داخل البيت الكردي، وأن تأتي المبادرة من البارزاني تعبيراً عن حرصه على وحدة البيت الكردي ومنع تشظّيه. خاصة أنّ الاستمرار في الانقسام ستكون له تداعيات خطيرة على وحدة الموقف الكردي داخل التركيبة العراقية الاتحادية. في المقابل، أدرك الصدر أنّ موقف الإطار التنسيقي بات عصيّاً على الخرق، بعد التوصية المشدّدة التي وصلته من طهران، وهو ما جعله أمام واحد من احتمالين:

– إمّا السير بالتحالف وحيداً مع مكوّنين موحّدين استطاعا حلّ أزماتهما الداخلية، فيكون الطرف الأضعف في التركيبة التي يرغب بها، وحينئذٍ ستحمّله صعوبة حصوله على غطاء البيت الشيعي بكلّ أطيافه مسؤولية التفريط بحقوق هذا المكوّن وإضعاف تمثيله في تركيبة السلطة.

– وإمّا أن يذهب إلى خيار الحوار والتحالف مع الإطار التنسيقي من دون استبعاد أيٍّ من مكوّناته، خاصة المالكي. الأمر الذي قد يفتح الطريق أمام التفاهم على آليّات الخروج من الأزمة القائمة ويمهِّد الطريق لتفاهم كردي – كردي (بين الديمقراطي والاتحاد) على مرشّح توافقي لرئاسة الجمهورية ما زال ينتظر الضوء الأخضر للإعلان عن نفسه بعد التوصّل إلى تفاهم داخل البيت الشيعي.

 

الأنظار إلى بارزاني

حالياً يبدو أنّ الأنظار الإقليمية والعراقية تتّجه إلى أربيل، والدور “الأبويّ” الذي من المتوقّع أن يلعبه الزعيم الكردي الرئيس مسعود بارزاني في تدوير الزوايا وإحداث خرق في جدار هذا الانسداد، لِما يمثّله من ثقل سياسي وعلاقات تاريخية مع جميع الأطراف المعنيّين بالأزمة من مختلف المكوّنات، من خلال العودة إلى تفعيل المبادرة التي قام بها قبل أزمة الترشيحات حين أرسل وفداً إلى النجف للتفاهم مع الصدر شارك فيه كلٌّ من رئيس الإقليم نيجريفان بارزاني ورئيس البرلمان الحلبوسي وزعيم تحالف السيادة الخنجر. خاصة أنّ إمكانية التوصّل إلى تفاهم بين البارزاني وطالباني على مرشّح توافقي لرئاسة الجمهورية باتت أقرب من أيّ وقت مضى، الأمر الذي سيساعد بدوره على تفعيل اختيار رئيس للوزراء مرهون بتوافق البيت الشيعي.

إقرأ أيضاً: العراق.. من هو رئيس جمهورية التسوية؟

وعلى الرغم من الجهود التي تُبذل إقليمياً وداخلياً للدفع بالبارزاني إلى كسر حلقة الأزمة الدستورية، قد يكون خيار الاستمرار بالفراغ في موقعيْ رئاسة الجمهورية والوزراء خياراً قائماً ومقبولاً من الصدر، الذي يُعتبر المستفيد الأول والأكبر منه. لا سيّما أنّه يُبعد عنه اللجوء إلى واحد من الاحتمالين السابقين، بانتظار ما ستخرج به التطوّرات الدولية والإقليمية من نتائج وما سيكون لها من تداعيات على المعادلات القائمة في المنطقة.

مواضيع ذات صلة

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتفاق وقف لإطلاق النار في…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…