واشنطن لأبو مازن: سنتان لتحضير خليفتك

مدة القراءة 6 د

من جديد يقرّر المجلس المركزي، الذي انعقد في حالة من الجدل الداخلي في رام الله، إنهاء التزامات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بكلّ الاتفاقيات مع سلطة الاحتلال، وفي مقدَّمها تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل ووقف التنسيق الأمني بأشكاله المختلفة ورفض السلام الاقتصادي، إلى حين اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية ووقف الاستيطان.

لم تُبدِ إسرائيل أيّ قلق من القرارات التي اتّخذها المجلس والتي تمسّ عصب العلاقة بين السلطة والمنظمة وبين إسرائيل، وقلّلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” من أهميّة إعلان المجلس المركزي وقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف بدولة إسرائيل، وقال محرّر الشؤون الفلسطينية في الصحيفة أليؤور ليفي إنّ توصية المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني عبارة عن “شيك بدون رصيد” .

لم تُبدِ إسرائيل أيّ قلق من القرارات التي اتّخذها المجلس والتي تمسّ عصب العلاقة بين السلطة والمنظمة وبين إسرائيل، وقلّلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” من أهميّة إعلان المجلس المركزي وقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف بدولة إسرائيل

في كلّ الأحوال، فإنّ قرار إنهاء التزامات منظمة التحرير هو قرار يُفترض أن يحمل مضموناً انقلابياً على مرحلة تاريخية، ليشكّل بداية انقلابٍ كلّيّ على اتفاقيات أوسلو، وعلى أدوات وبنى سياسية واجتماعية واقتصادية هائلة تكوّنت على ضفّتيه، والأهمّ من ذلك أنّه لا يستقيم إطلاقاً مع استمرار السلطة الوطنية كحاكم فلسطيني. لأنّ الاتّفاقيات تنصّ على إقامة الهيكل التنفيذي لها، وهو السلطة الوطنية. لذا فإنّ إزالة السلطة الوطنية هو الأساس الرئيسي في إنهاء الاتفاقيات، وهو أمر دونه عقبات وصعوبات هائلة، عمليّاً وسياسياً ودولياً، نظراً إلى صعوبة الانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي لأنّه ببساطة ليس لدى فلسطين غلاف جمركي وتتبع الغلاف الجمركي الإسرائيلي، وليس لديها سيطرة على المعابر، وليس لديها موانئ، والسلطة هي جهاز خدميّ ضخم يقوم بتوفير رواتب جيش من الموظفين، العسكريين والمدنيين، في الضفة وقطاع غزة، وغيرها من الالتزامات الصحية والاجتماعية، التي مفتاحها التنسيق مع الإسرائيليين. بالإضافة إلى الضغوط الكبيرة على موازنات السلطة الوطنية التي تعاني عجزاً كبيراً لتخلّف المانحين عن الالتزام بتعهّداتهم الماليّة.

تحوّلات الإقليم

طبعاً لا يمكن تجاهل التحوّلات الجارية في الإقليم، حيث بدأت تظهر ملامح قويّة نحو إقامة حلف سنّيّ، تشترك فيه الدول العربية التي طبّعت علاقتها مع إسرائيل، بعدما أصبحت في قلب هذا التحالف وليس على أطرافه. ولم يعد أمراً يدعو إلى الحرج موضوع التحالف والتعاون الأمني والعسكري والاقتصادي وحتّى الثقافي بين “دول التطبيع” وإسرائيل.

مَن يراقب المشهد الفلسطيني الداخلي يستطيع أن يرى بوضوح حالة من فوضى المرجعيات والأجندات التي تتزاحم على الساحة الفلسطينية. إذ لم تعد منظمة التحرير الفلسطينية المرجعية الوحيدة التي يُجمع عليها وعلى برنامجها الشعب الفلسطيني، بعدما أصبحت مؤسسات المنظمة بيروقراطية وأبويّة ومتكلّسة ومنفصلة عن نبض الناس، وبخاصة في الشتات، وبعد الخلافات العميقة التي عصفت بفصائلها، وخصوصاً بين حركة فتح والجبهة الشعبية.

إصرار الرئيس محمود عباس على عقد المجلس المركزي بدلاً من المجلس الوطني، على الرغم من كلّ ما أُثير حول انعقاده في الساحة الفلسطينية من انقسامات وخلافات وتحفّظات عميقة، ووسط مقاطعة الجبهة الشعبية، وتنديد حركتيْ حماس والجهاد، بحجّة عدم وجود توافق وطني، يرى مراقبون أنّه لم يكن المقصود منه تحديد الاستراتيجية المقبلة للتعامل مع إسرائيل. فالأخيرة تصرّ على التنكّر للحقوق الفلسطينية، وترفض الاعتراف بحلّ الدولتين. بل كان المقصود من إصراره هو ترتيب المرحلة السياسية في حال غياب الرئيس محمود عباس لأيّ سبب. وفي هذا الإطار نقل المستشرق الإسرائيلي يوني بن مناحيم عن مصادر وصفها بـ”الرفيعة” في حركة فتح قولها إنّ “إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن منحت الرئيس الفلسطيني محمود عباس مهلة مدّتها عامان لتنظيم نقل السلطة”.

وما تركّزت عليه الأنظار في مخرجات المجلس المركزي هو التعيينات التي أقرّها المجلس لملء الشواغر في اللجنة المركزية لمنظمة التحرير، والتغييرات في رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني ورئاسة الصندوق القومي.

نقل المستشرق الإسرائيلي يوني بن مناحيم عن مصادر وصفها بـ”الرفيعة” في حركة فتح قولها إنّ “إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن منحت الرئيس الفلسطيني محمود عباس مهلة مدّتها عامان لتنظيم نقل السلطة”

المرشّحوم لخلافة عباس

فقد تمّ انتخاب عضو مركزية “فتح” روحي فتوح رئيساً للمجلس الوطني، بدلاً من سليم الزعنون، ما رأى فيه مراقبون تمهيداً لأن يكون روحي فتوح الرئيس المؤقّت للسلطة الفلسطينية، في حال حدوث أيّ فراغ رئاسي، إلى حين تنظيم إجراء الانتخابات. وتمّ انتخاب عضو مركزية الحركة، حسين الشيخ، عضواً في اللجنة التنفيذية في المنصب الشاغر الذي تركه الراحل صائب عريقات. وحصل رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني محمد مصطفى على مقعد حنان عشراوي التي استقالت سابقاً. ورأس رمزي خوري الصندوق القومي، وهو بمنزلة “وزارة مال” منظمة التحرير، في ترتيب واضح لمراكز القوى القانونية والأمنيّة والمالية داخل منظمة التحرير يميل بقوّة لحركة فتح.

انصبّت تساؤلات الشارع الفلسطيني على اختيار الوزير حسين الشيخ من قبل الرئيس محمود عباس لتسلّم مسؤولية أمانة سرّ المنظمة في اللجنة التنفيذية، وهو ما يعزّز فكرة الإعداد لخلافة الرئيس في حال غيابه.

لكنّ حسين الشيخ أكّد أنّ الرئيس الفلسطيني المقبل سيأتي عبر صناديق الانتخابات. باعتبار أنّ الرئيس الشهيد ياسر عرفات جاء بشرعيّته النضالية وعبر صندوق الاقتراع، والرئيس أبو مازن جاء بشرعيّته النضالية وعبر صندوق الاقتراع.

وكما هو متوقّع، سارعت حركتا حماس والجهاد والجبهة الشعبية إلى القول إن “لا شرعية للتعيينات الجديدة في المواقع”، وولم تعترف بها.

إقرأ أيضاً: إسرائيل وأزمة أوكرانيا

طبعاً كانت حركة حماس أكثر المهاجمين لفكرة انعقاد “المركزي” في هذه الدورة ولمخرجاته التنظيمية. إذ اتّهمت حركة فتح بالسطو على منظمة التحرير. وذلك يعود إلى إحساسها بخروجها من “المولد بلا حمص” بعد حلّ “التشريعي” ونقل صلاحياته إلى “المركزي”، وبعد نقل صلاحيّات المجلس الوطني إلى المركزي الذي تسيطر عليه حركة فتح وتتحكّم في قراراته، وتأجيل الانتخابات في محطاتها الثلاث التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني، والنتائج المتواضعة لجولة “سيف القدس”، التي كانت حركة حماس تمنّي نفسها من خلالها بوراثة حركة فتح. والأهمّ بعد التعيينات الجديدة في منظمة التحرير، أو بالأحرى الترتيبات السياسية الجديدة لنقل السلطة.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…