في المقال السابق بعنوان “إيران وميليشياتها الأذربيجانية: ما علاقة مرفأ بيروت؟”، جرى استعراض كيف أنّ أحد أهمّ جوانب الصراع في القوقاز يتعلّق باستمرار الخط البرّي بين إيران ومرافئ جورجيا على البحر الأسود، لكي يستمرّ تدفّق السلاح إلى حزب الله اللبناني. وكيف أنّ زلزال 4 آب 2020 هو نتيجة من النتائج الكارثية لسلاح إيران – حزب الله.
فقد انطلقت “شحنة الموت” من مرفأ باتومي في جورجيا، على متن باخرة الموت “روسوس”، محمّلةً بـ2750 طنّاً من نيترات الأمونيوم، بعد تزوير أوراقها ومستنداتها، واختيار قبطان الباخرة وبحّارتها، وإرسالها إلى مقصدها النهائي بيروت لمساعدة النظام السوري على قصف المدنيين السوريين بالبراميل المتفجّرة، وصناعة صواريخ حزب الله من هذه المادّة، وحفر الأنفاق في لبنان.
انفجار بيروت يبدأ من دور إيران في القوقاز وصولاً إلى مرفأ العاصمة اللبنانية قبل تدميرها
تفجير بيروت الذي صُنّف الأكثر هَولاً بعد التفجيرات النووية في التاريخ، لم يختَر بيروت بالصدفة أو نتيجة لحظة حظّ سوداء، بل نتيجة للدور الإقليمي المرسوم للبنان منذ أوائل الثمانينيّات، يوم أُنشئت التنظيمات المسمّاة “مقاومة” تحت نظر ورعاية الاحتلال السوري وبدعم مباشر من نظام إيران الحليف لحافظ الأسد.
مع اندلاع الحرب في سوريا في 2011 سكتت حكومة نجيب ميقاتي عن خرق حزب الله للدستور اللبناني وتخطّيه الحدود البرّية متّجهاً إلى سوريا لنصرة نظام الأسد بكلّ أشكال الدعم. في تلك المرحلة احتاج النظام في سوريا إلى نيترات الأمونيوم لإلقاء براميله من الطائرات على الأحياء السكنية وترويع أهاليها وتهجيرهم للحصول على سوريا “النقيّة المفيدة له”. التقت مصلحة حزب الله مع مصلحة النظام السوري في استخدام نيترات الأمونيوم في براميل الأسد وحشو صواريخ الحزب المصنّعة محليّاً. فتمّ استيراد هذه الموادّ إلى مرفأ بيروت السائب والذي يُطبق عليه حزب الله وأجهزة سوريا الأمنيّة التي تغطي حزب الله وتحميه.
لماذا مرفأ جورجيا؟
بما أنّ الحصار البحري الأميركي المضروب حول شواطئ إيران منع الأخيرة من شحن النيترات من مرافئها، ارتأى الحرس الثوري تصديرها برّاً بواسطة سكك الحديد التي تربط طهران بمرفأ باتومي التابع شكليّاً لدولة جورجيا على البحر الأسود (التفاصيل في المقال السابق). تمّ اختيار باخرة متهالكة (روسوس) يسهل إغراقها، وبحّارة من الهامشيين والسكارى لافتعال المشاكل معهم ومنعهم من اللجوء إلى القضاء للمطالبة بأجورهم، ولسهولة ضياعهم لاحقاً في أرجاء روسيا الشاسعة التي بدورها تفتقر إلى حكم القانون. فنُظّمت بوالص الشحن على أساس أنّ النيترات من إنتاج مصنع في جورجيا تبيّن أنّه وهميّ ولا وجود له في السجلّات. وتمّ التمويه بأنّ مقصد الشحنة النهائي هو شركة في مدغشقر سرعان ما أعلنت أنّها لم تستورد النيترات. عندها، تمّ تحويل الباخرة إلى مرفأ بيروت، بسحر ساحر من المخابرات الإيرانية والسورية. خصوصاً أنّ الداخل إلى مرفأ بيروت مجهول والخارج منه مفقود.
حزب الله هو المسؤول بالأدلّة والبراهين عن زرع هذه القنبلة في بيروت بأوامر إيرانية لمصلحة صواريخ هذه الميليشيا وبراميل الأسد. وأيّ كلام غير ذلك إنّما يُراد به باطلٌ
ليس هذا الكلام مبنيّاً على رمي اتّهامات من هنا وهناك، لكنّه مثبت بالوقائع. فقبل شهر تقريباً، تقاطع المُشار إليه مع ما خرج من الدنمارك عن تورّط الباخرة روسوس بالتهريب إلى سوريا. والحديث هنا عن دولة مثل الدنمارك لا تمتلك أجندات مخفيّة ومبطّنة ولا علاقة لها بأيّ “مؤامرة” كما يطيب لحزب الله اتّهام الآخرين عند كلّ مواجهة معه. أي أنّها “دولة محايدة” بالمعنى السياسي، والقضاء الدنماركي ليس من أنواع القضاء في أنظمة الاستبداد بالطبع.
قبلها كانت كشفت صحيفة “الغادريان” البريطانية معلومات تعزّز الشكوك في أنّ بيروت كانت الوجهة المقصودة لباخرة “روسوس” وليس الموزمبيق. وكانت لفتت الصحيفة إلى احتمال أن يكون انفجار أطنان نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت قد أتى نتيجة محاولات مسؤولين سوريين اللحصول عليها لاستخدامها في الأسلحة.
خوري وحسواني
كشفت معلومات لاحقة أنّ رجليْ أعمال مزدوجي الجنسيّة (سوريّيْن روسيّيْن) يقفان خلف إحضار هذه المواد إلى مرفأ بيروت، وهما مدلّل خوري وجورج حسواني اللذان يرتبطان بنظام الأسد وبتمويله. بحسب الصحيفة البريطانية هناك صلات بين شركات مرتبطة بحسواني وخوري من جهة، وبين شركة “سافارو ليميتيد” Savaro limited التي اشترت شحنة النيترات عام 2013. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ وزارة الخزانة الأميركية كانت قد اتّهمت مدلّل خوري بمحاولة الحصول على نيترات الأمونيوم قبل أشهر من رسوّ سفينة الشحن “روسوس” في بيروت خلال رحلتها المتعرّجة من جورجيا.
إقرأ أيضاً: إيران وميليشياتها الأذربيجانية: ما علاقة مرفأ بيروت؟
حزب الله هو المسؤول بالأدلّة والبراهين عن زرع هذه القنبلة في بيروت بأوامر إيرانية لمصلحة صواريخ هذه الميليشيا وبراميل الأسد. وأيّ كلام غير ذلك إنّما يُراد به باطلٌ. فانفجار بيروت يبدأ من دور إيران في القوقاز وصولاً إلى مرفأ العاصمة اللبنانية قبل تدميرها.
*كاتب لبناني مقيم في دبي.