يقترب موعد الانتخابات النيابية والعين على المغترب اللبناني الذي سينتخب ممثّليه يوميْ الجمعة 6 أيار 2022 والأحد 8 أيار 2022، وذلك بحسب يوم العطلة الرسمية في الدول الجاري فيها الاقتراع.
تكثر التحليلات والفرضيّات المرتبطة بالميزان الاغترابي وكيفيّة استثماره في الانتخابات النيابية المقبلة، بعد وصول عدد المسجّلين للاقتراع في الخارج إلى ما يقارب ثلاثة أضعاف ما كان عليه في الانتخابات الفائتة. إذ بلغ الرقم النهائي للمسجّلين 225,114 لبنانياً مغترباً، فيما أرقام المسجّلين في انتخابات 2018 لم تتجاوز 83 ألفاً.
لا أرقام دقيقة عن التوزيع السياسي للمغتربين، ولا يمكن لأحد أن يتكهّن بآرائهم وقرارهم الانتخابي والميزان السياسي لهذه الأصوات إلا بعد إجراء الانتخابات والتمعّن في نتائجها
يتوزّع هؤلاء على المناطق والطوائف، وأيضاً على الأحزاب السياسية، بشكل غير متناسب يضرب جميع التحليلات. وبحسب “الدولية للمعلومات” حلّت أوروبا في الدرجة الأولى بـ 69,374 صوتاً، أي ما يشكّل 30.82%، ثمّ آسيا والدول العربية في المرتبة الثانية بـ 56,939 صوتاً (25.29%)، تلتهما أميركا الشمالية بـ 56,578 صوتاً (25.13%). أمّا بخصوص الأعداد والنسب وفقاً للدول فقد حلّت فرنسا بالمرتبة الأولى (28,083)، تلتها الولايات المتحدة الأميركية (27,925)، ثمّ كندا (27,413).
أمّا بالنسبة إلى الناخبين المسجّلين غير المقيمين وفقاً للطوائف، فحلّت الطائفة المارونية بالمرتبة الأولى بـ 74,076 ناخب، أو ما نسبته 32.91%، تلتها الطائفة السنّيّة بـ 45,815 (20.35%)، ثمّ الطائفة الشيعية بـ 44,967، أو ما نسبته %19.98.
لا أرقام دقيقة عن التوزيع السياسي للمغتربين، ولا يمكن لأحد أن يتكهّن بآرائهم وقرارهم الانتخابي والميزان السياسي لهذه الأصوات إلا بعد إجراء الانتخابات والتمعّن في نتائجها، إذ تجد بينهم مَن يجاهر بولائه للأحزاب السياسية، تماماً كما تجد مَن يجاهر بشتمهم، في صورة مصغّرة لِما يحدث في لبنان المقيم ولخياراته الانتخابية، وبينهم من لم يعُد يعنيه الوضع اللبناني ولا يعوِّل عليه أصلاً.
جولة على بعض المسجّلين
أحمد علم الدين، ابن طرابلس، الشاب الثلاثينيّ، الذي يعمل في المملكة العربية السعودية في مجال المحاسبة منذ ما يقارب عشر سنوات، كان من بين أوائل المسجّلين، لكنّه غير متأكِّد بعد من نيّته الاقتراع التي هي، وفق رأيه، رهن اللوائح التي ستتشكّل. يقول لـ”أساس” إنّ “ترشَّح أحدهم بشكل جدّيّ، وأقنعني بأنّه يمتلك رؤية تغييرية صحيحة ولديه وفاء لطرابلس وأهلها، فسأصوّت له في الانتخابات. أمّا الوجوه الممجوجة والتحالفات المعلوكة والترشّحات غير الجدّية ستجعلني أقاطع الانتخابات على الرغم من أنّني تسجَّلت بين لوائح المغتربين”.
حسن بيضون (41 سنة) يعيش في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية، ويعمل في مجال الإعلانات والسوشيل ميديا، يؤكّد أنّه كان حريصاً على تسجيل اسمه من أجل التصويت في الانتخابات. ويسخر حين نسأله عن الجهة التي سيصوّت لها: “سأصوّت للمكنسة في حال ترشّحت ضدّ الثنائي الشيعي في النبطية”، قاصداً بذلك أنّه سيصوّت للمعارضة الشيعية التي ستخوض الانتخابات جنوباً في وجه حزب الله وحركة أمل.
شمس الدين: هناك سرّيّة اقتراع في الخارج، ولا يمكن أن تؤثّر العقوبات على أصوات المناصرين لحزب الله في الخارج، لأنّ بعض الشيعة قد صوّتوا لحزب الله في الانتخابات الماضية على الرغم من العقوبات المفروضة على الحزب
الباسبور السريع
لكنّ جورج نصر ابن البترون، الذي يعمل في مجال السياحة في الكويت، يجاهر بولائه للقوات اللبنانية، ويؤكّد أنّه سيصوّت لمرشّحيها، لكن في الوقت نفسه يتخوّف من عدم انعكاس العدد الكبير للمغتربين المسجّلين على أرض الواقع يوم الانتخابات، لأنّه ليس كلّ مَن تسجّل سيستطيع التصويت. “فالتسجيل كان سهلاً جدّاً وممكناً ولو بجواز سفر منتهي الصلاحية، أمّا التصويت فصعب ويُوجِب على المغترب أن تكون لديه الهويّة اللبنانية أو جواز السفر اللبناني الجديد، فيما عدد كبير من المغتربين لا يملكون بطاقات هويّة، وجوازات سفرهم اللبنانية قديمة، وتجديدها مع “التعتير” الحاصل في الدوائر الرسمية اللبنانية يحتاج إلى أكثر من الوقت المتبقّي للانتخابات”. لذلك يطالب جورج الجهات المختصّة بجعل “الباسبور السريع”، الذي يكون صالحاً ليوم واحد، متاحاً للمغتربين مقابل أن يسلّموا الباسبور القديم، وذلك لتسهيل الاقتراع على المغتربين الذين لا يملكون هويّة، فيما جوازات سفرهم اللبنانية منتهية الصلاحية.
يؤكّد المخرج سليم صعب الذي يعيش في باريس وينتخب في الشوف، أنّ ثورة 17 تشرين هي التي منحته الأمل بالتغيير، ولذلك تسجّل من أجل الاقتراع في الخارج، الأمر الذي لم يفعله في الانتخابات الماضية، وقرّر التصويت، ويشعر بأنّ أصوات اللبنانيّين قد تصنع الفرق هذه المرّة.
ماذا عن الأرقام؟
يقرأ الباحث في “الدولية للمعلومات” والخبير الانتخابي محمد شمس الدين هذه النتائج بتأنٍّ، ويؤكّد في حديث لـ”أساس” أنّ العدد النهائي للمسجّلين يشكّل 5.6% تقريباً من مجمل الناخبين المقيمين وغير المقيمين.
برأيه أنّ ارتفاع العدد من 83 ألفاً إلى 225,114، وهو ارتفاع كبير، يشير إلى أنّ شيئاً قد تغيّر أو سيتغيّر، لكن لا يمكن توقّع ماهيّة هذا التغيير ولمصلحة مَن وأين سيصبّ، “فالمسألة مرتبطة بكيفيّة توزيع هذه الأصوات على الأقضية والقوى السياسية وعدد المقترعين، لكن لا يمكننا القول إنّهم سيغيّرون الوجه الانتخابي، وفي الوقت نفسه لا يمكننا القول إنّ الرقم عاديّ، إذ إنّ ارتفاع عدد المسجّلين 3 مرّات تقريباً يؤكّد وجود تغيرر، لكن لا نعلم كيف سيُترجم وعلينا أن ننتظر الانتخابات. فهؤلاء المسجّلون لن يكونوا كتلة واحدة، وستكون للأحزاب حصّتها منهم، وبالتأكيد لن يقترع العدد كاملاً”.
عن الثقل الاغترابي في الدوائر اللبنانية، تقول الأرقام إنّ العدد الأكبر من المغتربين موجود في دائرة الشمال الثالثة حيث بلغوا 26,682، وفي الشوف وعاليه حيث قاربوا 25,445. لكن يرى شمس الدين أنّ الثقل الحقيقي، وفق اعتبارات الحاصل، هو في بيروت الأولى التي تضمّ 9,668 مغترباً. فإذا كان الحاصل الانتخابي في دائرة الشمال الثالثة 11 أو 12 ألفاً، فإنّه في بيروت الأولى يبلغ 5,500، وهو ما يعني أنّ المسجّلين من المغتربين، في حال اقتراعهم جميعاً، سيشكّلون ما يقارب حاصلين، أي أنّ الـ10 آلاف في بيروت أكبر من الـ26 ألفاً في الشمال أو الشوف وعاليه، “الأمر الذي يمكن أن نسمّيه تحوّلاً جديداً، لكن لا نعلم كيف وأين ستتمّ ترجمته الفعليّة”.
لماذا غياب الأرمن؟
ماذا عن تخوّف البعض في عدد من الدول من التصويت للّوائح التابعة بحزب الله، بسبب العقوبات الأميركية؟
يجيب شمس الدين بأنّ هذا القلق غير مبرَّر: “هناك سرّيّة اقتراع في الخارج، ولا يمكن أن تؤثّر العقوبات على أصوات المناصرين لحزب الله في الخارج، لأنّ بعض الشيعة قد صوّتوا لحزب الله في الانتخابات الماضية على الرغم من العقوبات المفروضة على الحزب”. وقد تسجّل عدد كبير من المغتربين الشيعة، وبلغ 45,815 مغترباً، وهو يزيد عن عدد المغتربين السُنّة المسجّلين البالغ 44,976 مغترباً، فيما العدد الأكبر كان للطائفة المارونية التي بلغ المسجّلون منها 74,076. أمّا الروم الأرثوذكس فتسجّل منهم 22,807، ويتقارب عدد المسجّلين المغتربين من الدروز (14,553) والروم الكاثوليك (14,978)، فيما بلغ عدد العلويّين المسجَّلين 315 فقط.
إقرأ أيضاً: الصوت السنّي: “دفاع” المستقبل.. في وجه تسلّل معراب
لكن أكثر ما يُلفت في أرقام الطوائف هو عدد الأرمن الأرثوذكس المسجّلين الذي بلغ 2100 مغترب، وهو قليل جدّاً نسبة إلى أعدادهم في الخارج. ما يمكن أن نسمّيه “اعتكاف المغتربين الأرمن” وعزوفهم عن المشاركة في الانتخابات على الرغم من وجودهم بأعداد كبيرة في الخارج، وذلك لمصلحة المغتربين الموارنة.