إنّها الحرب بين البطريرك والرئيس؟

مدة القراءة 5 د

أثار جدلاً بين مؤيّد ومعارض ذلك التصفيق الحارّ وهتافات التأييد لرئيس الجمهورية ميشال عون أثناء دخوله الكنيسة بالجمّيزة، للمشاركة في احتفال عيد مار مارون.

اعتبره أنصار التيار الوطني الحر عفويّاً ومبرّراً، فيما رأى آخرون أنّه تصعيد ومواجهة معدّة مسبقاً ضدّ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بعد عظة نارية كان قد ألقاها الأحد الماضي.

فهل اشتدّت المواجهة بين بكركي وبعبدا؟ وكيف قرأت بكركي هذه الحادثة؟ وهل رأت فيها تكراراً لحادثة بكركي يوم هاجم أنصار عون البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير في بكركي؟ 

تشير مصادر بكركي إلى أنّ المواجهة هي في دفاع الراعي عن ثلاثيّة الجيش والقضاء والمصرف المركزي مقابل هجوم عون ونصرالله عليها

العلاقة التاريخية

تاريخيّاً لم تكن علاقة البطريركية المارونية بالرئاسة المارونية علاقة ثابتة. بل غالباً ما كانت تشوبها توتّرات حيناً وتقاطعات أحياناً أخرى. الأمثلة كثيرة، أبرز محطّاتها معارضة البطريرك صفير انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية على اعتباره حليفاً لسوريا، ومعارضته تسليم قائد الجيش ميشال عون السلطة من الرئيس أمين الجميّل.

المتابعون لمسار العلاقة بين الصرح الماروني الأوّل والموقع الرئاسي الأوّل، لا يقرأون في تقهقرها اختلافاً سياسياً فحسب، كما هي الحال أحياناً، بل تنافساً على النفوذ والتأثير داخل البيئة المسيحية تحديداً.

بالعودة إلى الجمّيزة وما أثارته من ضجّة مجموعة من “الحرس القديم” لعون، راحت تصفّق وتهتف باسم الرئيس، اكتفت مصادر مقرّبة من بكركي بالقول إنّ ما جرى بدا “خطأً تنظيمياً لأنّ المجموعة لم تكن لتستطيع الدخول من دون إذن من الحرس الجمهوري”، مضيفةً أنّ رئيس “الجمهورية ليس مرشّحاً وليست المناسبة لائقة للهتاف على الرغم من أن لا عيب في التصفيق للرئيس”. واستبعدت المصادر أن تكون الحادثة منظّمة مسبقاً، ولم ترَ فيها هجوماً موجّهاً إلى البطريرك الراعي الذي تعامل مع الأمر بهدوء.

 

إعلان الحرب

المشكلة لا تقف هنا. إذ تشير مصادر بكركي إلى أنّ المواجهة هي في دفاع الراعي عن ثلاثيّة الجيش والقضاء والمصرف المركزي مقابل هجوم عون ونصرالله عليها. فكما تقرأ المصادر، يشنّ التيار الوطني الحر هجوماً عنيفاً على القضاء عبر تصويبه على رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، وعلى الجيش عبر تصويبه على قائد الجيش جوزيف عون، وعلى المصرف المركزي عبر تصويبه على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وذلك لأهداف انتخابية وسياسية وشخصية تتعلّق بحسابات رئاسية مقبلة. خصوصاً أنّ الثلاثة هم شخصيّات مارونية قد يكون لها مستقبل أو طموح رئاسي.

أمّا حزب الله فتعيد المصادر هجومه عليهم إلى أسباب “كيانيّة”. فهو بانقلابه على مؤسسات الدولة يهدف إلى قيام دولة أخرى: “انطلقوا من وضع الليرة لضرب مصرف لبنان، وانطلقوا من تفجير المرفأ لضرب القضاء، وانطلقوا من مساعدة الأميركيين للجيش لضرب المؤسسة العسكرية”.

لم تكن علاقة البطريركية المارونية بالرئاسة المارونية علاقة ثابتة. بل غالباً ما كانت تشوبها توتّرات حيناً وتقاطعات أحياناً أخرى

هذا الكلام يعني الكثير في العمق المسيحي، إذ يعتبر المسيحيون أنّ أهمّ المؤسسات المارونية في البلاد، إلى جانب رئاسة الجمهورية، هي المؤسسات التي يتمّ التصويب عليها حالياً. ولذلك ترى بكركي أنّ الهجوم “يتخطّى المطالبة بالمحاسبة، بل أرادوا وسعوا إلى تحطيم آخر المؤسسات التي لا تزال صامدة وتدخل ضمن حصّة الموارنة في لبنان. على الرغم من ضرورة إجراء المحاسبة للمسؤولين عن تدهور الأوضاع من دون استنسابية”.

 

بين 6 و9 شباط

بناء على هذه المقاربة، كتب الراعي عظته يوم الأحد 6 شباط. حين قرّر رفع السقف السياسي، ثم اختار رفع السقف الوطني في عظة مار مارون في 9 شباط من الجمّيزة.

يروي بعض من حضر القداس أنّ أحد الرؤساء قال ممازحاً أحد زميليْه على الكرسي المجاور له: “ظمطنا”، بعد سماع عظة الراعي. إذ خالف البطريرك كلّ ما كُتِب قبل المناسبة عن سقف عالٍ وحادٍّ لعظته. وبدلاً من ذلك اختار أن يحدّد خمسة عناوين يمكن تحقيقها فبل نهاية العهد، وتلاها على الرؤساء الثلاثة على اعتبارها مسؤوليّتهم:

أوّلاً إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في مواعيدها الدستورية.

ثانياً، إعلان الحقيقة في تفجير مرفأ بيروت.

ثالثاً، تنفيذ الإصلاحات والاتفاق مع صندوق النقد.

رابعاً، استكمال تطبيق اتفاق الطائف ومعالجة الثغرات الناتجة.

وخامساً، اعتماد نظام الحياد الإيجابي في علاقات لبنان الخارجية.

عدم رفع السقف وعدم التعبير عن مدى انزعاج بكركي من مواجهة “تحالف مار مخايل لثلاثيّة القضاء والجيش والمصرف المركزي” جاءا احتراماً للرئيس، كما تنقل مصادر مقرّبة من بكركي. غير أنّ ذلك لا ينفي أن تكون المواجهة مفتوحة على مصراعيها للمحافظة على آخر وأهمّ المؤسسات المارونية في لبنان التي على أساسها قام هذا النظام.

متابعون يقولون إنّه إذا استمرّت هذه المواجهة فلن يكون الاستحقاق الانتخابي بمنأى عنها. وإذا اعتقد التيار الوطني الحرّ في الماضي أنّه يستطيع الفوز على الرغم من اختلاف موقفه السياسي مع موقف بكركي، فإنّ ذلك لن يكون سهلاً هذه المرّة. 

إقرأ أيضاً: الفاتيكان: لبنان بلا لبنانيّين؟

سيتوجّه البطريرك الراعي إلى الفاتيكان في الأيام المقبلة للمشاركة في مؤتمر هناك، فيما أعلنت دوائر الفاتيكان عن رغبة البابا فرنسيس بزيارة لبنان، لكن في الوقت المناسب.

متى يحين هذا الوقت؟

ربّما يعود الراعي بأجوبة أكثر وضوحاً.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…