منذ أيام، استيقظ سكان بلدة أطمة السورية، الواقعة شمال سوريا على أصوات الطائرات المروحية التي أقلعت مجدّداً بعد هبوطها منتصف ليل الخميس في 3 من شباط الحالي. كانت الطائرات تقلّ فريقاً من القوات الخاصّة الأميركية نفّذ مهمّة قتل الأمير العراقي محمد سعيد المكنّى بأبي إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم تنظيم داعش.
خلال العملية حاصرت القوّات مبنى سكنيّاً، وعبر مكبّرات الصوت نادى الجنود بالعربيّة مَن في الداخل داعين إيّاهم إلى الاستسلام. لكن قبل أن تتمكّن تلك القوات من الوصول إليه، فجّر زعيم التنظيم قنبلة يدوية أدّت إلى انفجار قويّ قذف جثّته وجثثاً أخرى من المبنى إلى الشوارع المحيطة.
الاغتيال يفتح الباب أمام تساؤلات حول هويّة من سيخلف القرشي على رأس التنظيم المتطرّف، لكنّ لائحة المرشّحين تبدو محدودة
تصف سلمى العبيد، وهي سيّدة سورية يبعد منزلها عن المكان المستهدف أقلّ من 50 متراً، في اتصال مع “أساس”، تلك الليلة بالقول: “سمعنا أصوات اشتباكات أوّلاً، ثمّ طائرة تحوم في السماء، تبعها صوت قصف، ثمّ في الثانية صباحاً، كانت رشّاشات من المروحية تستهدف المبنى. وفي نهاية الأمر، سمعنا أصوات انفجارات متتالية”.
على بعد آلاف الأميال من أطمة وفي غرفة العمليات بالبيت الأبيض، تابع الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس وكبار الجنرالات العملية عن كثب. وقد استغرق التخطيط لمداهمة زعيم داعش، أبي إبراهيم الهاشمي القرشي، شهوراً. وكان بايدن قد أعطى الأمر النهائي لتنفيذ الغارة.
حديث الصورة: الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس وكبار الجنرالات يتابعون العملية عن كثب.
من سيخلفه؟
الاغتيال يفتح الباب أمام تساؤلات حول هويّة من سيخلف القرشي على رأس التنظيم المتطرّف، لكنّ لائحة المرشّحين تبدو محدودة، وفق ما يؤكّد خبراء. ومن المحتمل أن يتولّى القيادة جمعة عواد البدري، رئيس مجلس شورى التنظيم وشقيق زعيم التنظيم السابق أبي بكر البغدادي. وهو الاسم الذي يمكن أن يساعد على تماسك التنظيم ومنع حدوث انشقاقات محتملة أو انتهاء التنظيم بعد تصفية قيادات الصف الأوّل.
قد يتولّى أبو صفاء الرفاعي، وهو الرجل الأهمّ والأقوى في تنظيم “داعش” حالياً، والقيادي العسكري “الخفيّ”، قيادة التنظيم خلفاً لأبي إبراهيم القرشي. وتشير المعلومات إلى أنّ الرفاعي يُعتبر من مؤسّسي التنظيم الثلاثة الذين وضعوا النواة الأولى للتنظيم.
أياً كان، سيرث الزعيم الجديد مهمّة صعبة تتمثّل بقيادة تنظيم يواجه صعوبات، خصوصاً بعد خسارته أراضٍ واسعة، ومعظم قيادته، وسط تحوّل التنظيم إلى مجرّد بقايا مجموعات مسلّحة قوامها خلايا نائمة قادرة فقط على أن تقوم بهجمات متفرّقة بين سورية والعراق.
اليوم “لا يهمّ” من سيخلف الهاشمي، الذي لم يظهر قطّ منذ تولّيه قيادة التنظيم، بل المهمّ أنّ اختيار خلف للهاشمي قد يفتح المجال أمام انشقاقات في صفوف بقايا التنظيم قد تؤدّي به إلى الاندثار.
مستقبل داعش؟
الغريب أنّ “داعش” تعامل مع الاغتيال وفق نهج أقرب إلى “التجاهل”. على عكس ما حدث مع مقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي الذي فرض تداعيات عديدة على التنظيم، سواء على مستوى بنيته الداخلية وموقع بعض الأفرع داخلها، أو على مستوى الاستراتيجية التي يتّبعها التنظيم وتكتيكاته القتالية ونشاطه الإعلامي.
يشير باحث متخصّص في شؤون الإرهاب في حديث مع “أساس” إلى أنّه على الرغم من أهميّة نجاح عملية استهداف زعيم تنظيم “داعش” إلا أنّ اللافت للانتباه أنّ تداعياتها على التنظيم ربّما تكون محدودة مقارنة بالتأثيرات التي فرضها مقتل البغدادي”.
يشرح أنّ السبب كون القرشي لم يخرج بخطاب واحد منذ تولّيه المنصب على مدار عامين ونصف تقريباً. إذ لم يتمكّن من امتلاك كاريزما ولا تعزيز نفوذه داخل التنظيم بسبب قِصر المدة التي تولّى فيها القيادة، والتي لم تتجاوز عامين ونصف عام منذ تشرين الثاني 2019 حتى شباط 2022، وهي أقلّ مدّة لقيادة التنظيم مقارنة مع أبي عمر البغدادي وأبي بكر البغدادي.
من المتوقّع أن يتأخّر التنظيم في الاعتراف بمقتل زعيمه، ريثما تتمّ المشاورات لاختيار زعيم جديد، وإعادة ترتيب بيته الداخلي، على غرار ما حصل بعد تصفية “أمير دولة العراق الإسلامية” أبي عمر البغدادي في عام 2010، ثمّ زعيم “داعش” أبي بكر البغدادي في 2019.
من جانبهم، أكّد ثلاثة باحثين تواصل معهم “أساس” أنّ اختيار زعيم تنظيم داعش الشمال السوري للاختباء يعود إلى أنّ المنطقة تضمّ عدداً كبيراً من النازحين والمهجّرين، وهو ما يخلق بيئة مناسبة للاختفاء.
بالتأكيد لم يصلنا سوى القليل نسبياً عن القرشي. إذ كان أقلّ مكانة مقارنة بسلفه الذي أطلق على الأراضي التي يحكمها التنظيم ما يُسمّى بـ”الخلافة”. وهو كان زعيم “الهزيمة”، بعدما كان اسم البغدادي يترك في الأذن رنّة بكلّ التوسع الذي عاشه داعش في العراق وسوريا وكلّ الأهوال التي تسبّب بها.
لم يعد تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر على مساحات شاسعة في العراق وسوريا في عهد القرشي، كما كان الوضع في ذروة قوّته. ولم يعد موضع اجتذاب الجهاديين من كلّ أنحاء العالم والجنسيات والقوميات، كما كان في السابق.
حديث الصورة: آثار استهداف منزل زعيم تنظيم “داعش”، عبد الله قرداش الملقّب بـ”أبي إبراهيم الهاشمي القرشي”، في 3 شباط 2022.
لكن من هو عبد الله قرداش زعيم تنظيم ” داعش” الذي قُتل شمالي إدلب؟
تشير المعلومات التي حصل عليها “أساس” إلى أنّ عبد الله قرداش هو من مواليد بلدة المحلبية التابعة لمحافظة نينوى العراقية عام 1976، وكان والده مؤذّناً في أحد الجوامع، ومتزوّجاً بامرأتين أنجبتا سبعة ذكور، إضافة إلى تسع إناث.
حتى قبل مقتل زعيم تنظيم “داعش” السابق، “أبي بكر البغدادي”، كان قرداش يدير أغلب أمور التنظيم، وهو المعروف في أوساط التنظيم بأنّه “صاحب فكر ودراية كاملة بعناصر التنظيم”، على اعتبار أنّه بدأ العمل معه منذ العام 2003 – 2004.
هو يحمل العديد من الأسماء مثل: “المولى الصلبي”، “أمير محمد سعيد عبد الرحمن”، “عبد الله قرداش”، “حجي عبد الله”، ” أبو إبراهيم الهاشمي”، “أبو إبراهيم القرشي”.
لم يعد تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر على مساحات شاسعة في العراق وسوريا في عهد القرشي، كما كان الوضع في ذروة قوّته
المصير واحد؟
يرى الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الدكتور سمير تقي أنّ العمليّة تثبت مجدّداً قدرة الولايات المتحدة الفريدة على جمع مجموعة معقّدة من الإمكانيات، من الاختراق البشري للمنظمات الإرهابية، إلى تحصيل المعلومات الخاصّة بالظروف والبنية التنظيمية، ثمّ توفير المتطلّبات اللوجستية والميدانية والقتالية لتنفيذ عملية بهذا التعقيد.
تتشابه عمليّة قتل أبي إبراهيم الهاشمي القرشي مع قتل الزعيم السابق للتنظيم أبي بكر البغدادي، في 27 تشرين الأول 2019، من حيث التكتيك العسكري الذي استخدمته الولايات المتحدة الأميركية في عملية الاستهداف. إذ نفّذت القوات الخاصة الأميركية عملية إنزال عسكري على موقع اختباء القرشي الذي فجّر نفسه على غرار ما فعل أبو بكر البغدادي.
تسبّبت العملية بمقتل ستّة أطفال وأربع نساء من بين 13 شخصاً على الأقلّ، جرّاء القصف والاشتباكات التي جرت عقب عملية الإنزال الجوي في بلدة أطمة على الحدود السورية – التركية، بحسب الدفاع المدني السوري.
خليفة واشٍ؟
اللافت ما ذكره “مركز مكافحة الإرهاب الدولي” في “الأكاديمية العسكرية الأميركية”، في تقرير سابق، من أنّ زعيم تنظيم داعش، “أبا إبراهيم الهاشمي”، أعطى معلومات للمخابرات الأميركية خلال فترة اعتقاله في 2008 عن عناصر وقادة في تنظيم “داعش”.
بحسب التقرير، أعطى “الهاشمي” أسماء وأوصاف 88 من عناصر التنظيم، بينهم ما لا يقلّ عن 64 قدّم وصفاً أساسيّاً للقسم التنظيمي الذي يعملون فيه، سواء في الأقسام العسكرية أو الأمنيّة أو الإعلامية أو الإدارية.
إقرأ أيضاً: حكاية “سجن غويران”: الدواعش يستعيدون المبادرة؟
اعتُقل وقُتل بعضٌ الأسماء التي ذكرها “الهاشمي”، الذي أُفرج عنه في 2009، وتدرّج ضمن المناصب الإدارية في التنظيم، حتى سُمّي زعيماً له في 31 من تشرين الثاني 2019، بعد مقتل زعيمه السابق “أبي بكر البغدادي” بغارة أميركية.
فهل يكون الهاشمي هو “الواشي” الذي “سلّم” زعيم داعش إلى الأميركيين؟