موسم الحجّ المسيحيّ إلى دار الفتوى

مدة القراءة 5 د

إنّه موسم الحجّ المسيحي إلى دار الفتوى في بيروت. وفود من كسروان وبعبدا والمتن، تقف على خاطر الدار، التي في كلّ المراحل تبدو الأكثر قدرة على جمع التناقضات، وتلعب الدور الذي لطالما لعبه سنّة لبنان: الوسط، والاعتدال، وأهل الدّولة.

فأمس حلّ رئيس الجمهورية ميشال عون ضيفاً في الدار، ليجتمع بالمفتي عبد اللطيف دريان. وكان سبقه إلى زيارة الدار رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميل قبل أيّام. وقبل أشهر زار وفد من القوات اللبنانية يتقدّمه الوزير السابق غسان حاصباني دار الفتوى يوم لم تُسمِّ الكتلة سعد الحريري رئيساً للحكومة، فقرّرت التأكيد للمرجعية السنّيّة في البلاد أنّ موقفها ليس موجّهاً ضدّ الطائفة بأكملها.

إنّه موسم الحجّ المسيحي إلى دار الفتوى في بيروت. وفود من كسروان وبعبدا والمتن، تقف على خاطر الدار، التي في كلّ المراحل تبدو الأكثر قدرة على جمع التناقضات

وإن كان حجّ القوى المسيحية هذا إلى دار الفتوى قد تمحور حول عنوان واحد، هو الحرص على دور السُنّة في المعادلة الوطنية والتوازن الوطني، غير أنّ ما بين سطوره حساباتٍ سياسيّةً تصفّيها هذه القوى بعضها مع البعض، في سباقها الانتخابي على الساحة المسيحية التي أُضيفت إليها اليوم الساحة السنّيّة، بعد قرار الرئيس سعد الحريري الانسحاب من المشهد السياسي.

من دار الفتوى أكّد عون “أهمّيّة دور الطائفة السنّيّة في المحافظة على وحدة لبنان وتنوّعه السياسي”. وردّاً على كلّ الكلام عن إمكانية مقاطعة الطائفة السنّيّة للانتخابات المقبلة، عبّر عون عن ضرورة “أن لا تخرج الطائفة من العمل السياسي في لبنان لأنّ ذلك يهدّد المجتمع اللبناني”.

جاء كلام عون بعد تغريدة رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل التي غازل فيها الحريري مصوِّباً باتّجاه دور القوات اللبنانية في إقصاء “ممثّل السُنّة الأوّل في لبنان”. تغريدة باسيل التي قال فيها إنّه خضع لعقوبات للمحافظة على السلم الأهلي، وإنّ الحريري خرج من الحياة السياسية أيضاً للمحافظة على السلم الأهلي. فاستنتج كثيرون أنّه يحاول استمالة الشارع السنّيّ الذي يشعر بتشتّت بعد قرار الحريري. وكان واضحاً أنّ الجمهور الحريري “اشتبك” مع القوات في الأيام الأخيرة ردّا على محاولات “تسلّل” معراب إلى “الصحن الانتخابي” السنّي.

سرعان ما جاء الجواب على باسيل من مسؤولين في تيار المستقبل أيضاً، تماماً كما حصل مع جعجع. غير أنّ لبّ الاشتباك السياسي ليس هنا، بل في صراع القوى المسيحية على أصوات السُنّة في المناطق المتداخلة بين بيئة المستقبل وبيئة القوى المسيحية المختلفة.

كذلك جاء “تحفّظ” الشيخ خلدون عريمط، القريب من دار الفتوى، ليصوّب هدف زيارة عون، معتبراً أنّ هدفها “تصحيح العلاقة مع شريحة أساسية في بناء لبنان فيما كان المطلوب أيضاً أنّ يصحح عون علاقته مع كل مكونات الشعب اللبناني”. وتابع: “من المؤسف أنّ عهد عون بدلاً من أن يكون حكماً بين اللبنانيين، مثل فريقاً من اللبنانيين. ومعالجة ذلك لا تكون بالزيارات بل بالأعمال. فلا بد من أن يعالج عون ويرمم علاقة السلطة مع الشعب اللبناني وعلاقة لبنان مع أشقائه العرب وأن يعمل على إخراج لبنان من المستنقع الإيراني”.

مصادر مقرّبة من القوات اللبنانية: الزيارة جاءت متأخّرة بعد سلسلة مواقف اتّخذها عون منذ أن كان في الرابية ووضعت المسيحيّين بوجه الطائفة السنّيّة تحت عناوين عدّة

مصادر القوّات

تعلّق مصادر مقرّبة من القوات اللبنانية على زيارة عون دار الفتوى وتغريدة باسيل، بالقول إنّ الزيارة “جاءت متأخّرة بعد سلسلة مواقف اتّخذها عون منذ أن كان في الرابية ووضعت المسيحيّين بوجه الطائفة السنّيّة تحت عناوين عدّة”.

تستعيد المصادر نفسها بعض المحطّات الزمنيّة التي كان الاشتباك فيها على أشدّه بين فريق عون والحريري، بدءاً من إسقاط الحريري من الرابية، إلى وضْع السُنّة تحت ضغط اتّهامهم بأنّهم “بيئة حاضنة للمتشدّدين”، وصولاً إلى اعتبار حزب الله “المخلِّص” الذي حمى لبنان ومسيحيّيه من المتشدّدين والإرهابيين.

مصادر بعبدا

بينما تزدحم الذاكرة بمحطّات لم يشفَ منها بعدُ المزاج السنّيّ، كما تقول هذه المصادر القواتية، يرى فريق رئيس الجمهورية أنّ هجوم القوات هذا ليس إلّا للتعمية على دورها في إقصاء الحريري، خصوصاً بعد الدور الذي لعبه رئيس القوات سمير جعجع بعد أزمة الحريري في المملكة العربية السعودية. وتعتبر مصادر فريق رئيس الجمهورية أنّ محاولة جعجع قيادة الشارع السنّيّ لن تنجح لأنّ مزاج هذه البيئة لا يزال يتذكّر سوء العلاقة بين معراب وبيت الوسط، وفشل كلّ محاولات إعادة ما يمكن من لحمة إلى هذه العلاقة بعد شعور الحريري بأنّ جعجع طعنه في الظهر.

وفيما يندلع هذا الاشتباك المسيحي المسيحي على مغازلة الشارع السنّيّ عبر مواقف وزيارات وتصاريح تؤكّد دور السُنّة في المعادلة الوطنية، وجد رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميل فرصة لتسجيل هدف في مرمى خصمه اللدود الذي يتقاسمه البيئة نفسها، أي القوات اللبنانية، فقرّر زيارة دار الفتوى والوقوف إلى جانب الطائفة في عزّ الهجوم على دور جعجع في عزل الحريري.

إقرأ أيضاً: ميشال عون عند المفتي من موقع “المنتصر”

واحد من الجوامع المشتركة، التي تجمع البيئتين السنّيّة والمسيحية، هو انتشار الطائفتين في معظم الدوائر الانتخابية، بحيث يلعب التحالف بينهما دوراً مهمّاً في نجاح أو سقوط أيّ لائحة. من هذا المنطلق يرى القارئون في المشهد الانتخابي أنّ السباق بين القوى المسيحية المتفرّقة إلى مغازلة الشارع السنّيّ على أبواب الانتخابات النيابية سيشتدّ. فيما يعتبر مقرّبون من هذا الشارع أنّه سيفرز قيادات وشخصيات تعبِّر عنه وعن تطلّعاته على أبواب الاستحقاق المقبل.

يبدو كلّ هذا اللعب على حافّة الوقت، استباقاً لمشاريع بدأت تظهر على الساحة السنيّة، لا شكّ أنّها ستقلب الطاولة على “موسم الحجّ” هذا. فالصراع داخل الساحة السنيّة سيشتدّ، وهناك الكثيرون ممن لم يقولوا ما لديهم بعد.

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…