الخليج “أكثر لبنانيّة” من ساستنا!

مدة القراءة 5 د

قد يبدو للوهلة الأولى أنّ الدعوات السابقة والمبادرات الحاليّة الآتية من الخليج تندرج في إطار مصلحة عربية في الداخل اللبناني المزدهر، حيث يعيش الفرد متمتّعاً بكامل حقوقه وعيشه الكريم، وتطول سبحة التعداد لفضائل العيش في لبنان. ويُخيّل من هذه المبادرات أنّ العرب هم من اعتدَوا على لبناننا ويحاولون استدراك أخطائهم، فيطلقون مبادراتهم ويرسلون مبعوثيهم، وآخرهم وزير الخارجية الكويتي، مرسال الخليج لتحسين العلاقات. وقد يخيّل أنّهم يحاولون الاعتذار عن الاعتداءات اللفظية والفعليّة على لبنان، وعن تصدير المخدِّرات وفرض ميليشياتهم المسلّحة وإنشاء دويلة تابعة لهم قضمت الدولة ومَن فيها.

طبعا كلّ ما سبق لا يتعدّى الكوميديا السوداء عن واقعنا. الواقع المؤلم هو أنّ ساستنا تلكّأوا عن دعم المواطن وحقوقه ومصالحه. فلم نرَ رئيس الجمهورية يضرب يده على الطاولة بوجه فصيل إيراني يقطّع أوصالنا في الشرق والغرب ويحوِّل لبنان إلى جزيرة لا حول لها ولا قوّة. كيف لا والرئيس نفسه حليف هذا الفصيل وجاء إلى الرئاسة ببندقيته السياسية والعسكرية. ولم نرَ رئيس حكومة يستقيل من جرّاء هيمنة ميليشيا مسلّحة على مفاصل الدولة وسياستها الخارجية، تقرِّر متى ينعقد مجلس الوزراء وماذا على جدول أعماله. فيما يعيش مئات آلاف اللبنانيين في الخليج يتمتّعون بحقوقهم التي جرّدهم منها ساستهم.

هكذا هي الدول الخليجية، تحافظ على الجاليات اللبنانية، مقابل ساسة لبنانيين وفّروا الغطاء للحزب أو تواطأوا معه على معاداة مواطنيهم، في الداخل، وفي الخارج، وعلى الاعتداء على الأشقّاء العرب

الحوثيون والضاحية الجنوبية

وفي كل اعتداء لفظي من مسؤول لبناني أو فعليّ من حاكم لبنان الذي يدرّب الحوثيين على استخدام المسيَّرات وجمع الصواريخ الباليستية لإطلاقها على مدن الخليج وسكّانه، وفي كلّ عملية تهريب للكبتاغون تُضبَط أو لا تُضبَط ، وفي كل مرّة تُكشَف أو تُحبَط خليّة إرهابية، يتمسّك الخليج بـ”لبناننا”، على الرغم من كلّ ذلك.

هذا ما تؤكّده الوقائع والبيانات الصادرة عن هذه الدول، وهي تستثني اللبنانيين المقيمين على أراضيها من أيّ إجراءات، كردّة فعل على العدوان الصادر من ضاحية بيروت الجنوبية، حيث تتّخذ الميليشيات ملاذاً آمناً لها.

هكذا هي الدول الخليجية، تحافظ على الجاليات اللبنانية، مقابل ساسة لبنانيين وفّروا الغطاء لحزب الله أو تواطأوا معه على معاداة مواطنيهم، في الداخل، وفي الخارج، وعلى الاعتداء على الأشقّاء العرب.

من هنا، وإن كان من مبادرة يمكن التقدّم بها لإنقاذ العلاقات بين لبنان والعرب، فلربّما كان من الأنجع أن تأتي من بعبدا أو السراي الحكومي أو عين التينة. فالمطلوب معلوم وواضح، لا لُبسَ فيه، وفق قوانين حسن الجوار والشرعية الدولية. والدليل ما تناقلته وسائل الإعلام، وما نشرته “رويترز” عن مضمون “المبادرة الكويتية – الخليجية – الدولية. إذ يطلب العرب من اللبنانيين الالتزام بدستورهم، باتفاق الطائف، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها. ومن ضمن المقترحات التي حملها وزير الخارجية الكويتي “تشديدالرقابة على الصادرات إلى الخليج، ومنع تهريب المخدِّرات.

فهل يطلب الخليج الكثير؟

المبعوث الكويتي أكّد على أنّ العرب “ينتظرون من المسؤولين اللبنانيين الردّ على رسالتهم”. والواضح أنّ كلّ هذه المقترحات عنوانها استعادة الثقة بلبنان. فهل يكون المسؤولون ولو لمرّة على قدر من المسؤوليّة؟!

لعلّ مبدأ الحياد الذي نادى به البطريرك الماروني بشارة الراعي، ولم يلقَ آذاناً صاغية من أذرع حزب الله السياسية، قد بات اليوم منتهي الصلاحيّة.

 

رفع الصوت جهاراً

يقتضي المعيار اللبناني أن ننبذ طرحنا التسوويّ الذي لم يرَ النور بسبب تعنّت حزب الله، وأن نعرف جليّاً كيفيّة التفريق بين الصديق والعدوّ، وأن نتخلّى عن التسامح والتساهل مع ممارسات حزب الله غير الحيادية التي لا تنأى بنا عن الصراعات الإقليمية، بل تضعنا في وسطها بسبب وضعيّة حزب الله الهجومية التي جرّت لبنان على مدار سنوات إلى قعر الهاوية. الحياد لم يعد مقبولاً مع وجود طرف لا يعترف بهذا الحياد، وأصبح واجباً على كلّ سياديّ أن يرفع الصوت جهاراً ويقول إنّنا نقف إلى جانب أصدقائنا في دول الخليج العربي، في مواجهة عدوّنا المشترك في طهران، الذي طالتنا كلّنا ممارساته هو وميليشياته التي يقودها ما يسمّى “الحرس الثوري”، الذي أُنشئ لحماية “الثورة” وتصديرها والقيام على ركام الدول وشعوبها.

إقرأ أيضاً: الورقة الكويتيّة الخليجية الدولية: إنذار أخير!

بكل احترام وإجلال، أصبح لزاماً على السياديين أن يطووا صفحة الحياد، لأنّ المعطيات الجيوسياسية في المنطقة تجاوزت طرحها، مثلما تجاوز تدخُّل حزب الله في شؤون المنطقة مصالح لبنان وشعبه، ووضعه في خندق المعتدي على الجوار والعالم.

بالإذن من غبطة البطريرك، “الحياد” مرفوض بعدما بات مدمِّراً للبنان. المطلوب هو رفع الصوت السيادي عالياً بوجه الاحتلال الإيراني للبنان المتجسّد في سيطرة حزب الله على القرار الرسمي السياسي.

 

*كاتب لبناني مقيم في دبي

مواضيع ذات صلة

الرياض: حدثان اثنان لحلّ لبنانيّ جذريّ

في الأيّام القليلة الماضية، كانت مدينة الرياض مسرحاً لبحث جدّي وعميق وجذري لحلّ أزمات لبنان الأكثر جوهرية، من دون علمه، ولا علم الباحثين. قسمٌ منه…

الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة

هل انتهى الحزب؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هو شكل اليوم التالي؟ وما هي الآثار السياسية المباشرة لهذه المقولة، وكذلك على المدى المنظور؟ وما هو…

أكراد الإقليم أمام مصيدة “المحبّة” الإسرائيليّة! (2/2)

عادي أن تكون الأذهان مشوّشة خارج تركيا أيضاً بسبب ما يقوم به دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية وحليف رجب طيب إردوغان السياسي، وهو يدعو…

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…