لن يقصّر التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية في فعل أيّ شيء لاستمالة الأصوات المتفلّتة من تيار المستقبل، بعدما أحال نفسه إلى التقاعد الانتخابي والسياسي المُبكِر. وإذ يختلف مخطّط “التسلّل” إلى الحاضنة المستقبلية بين الحزبين، لكن تبقى النتيجة واحدة: من دون تيّار المستقبل ليس كما معه.
عقب انتخابات نيابيّة مخيّبة للآمال قبل أربع سنوات وَعَد زعيم تيار المستقبل سعد الحريري بـ”المحاسبة” الداخلية. اعترف علناً بسوء إدارة المعركة الانتخابية، مُطلقاً شعار “سعد الحريري 2018 غير ما قبله”.
لكنّ المحاسبة الفعليّة لم تحصل. اجتاح الخمول أحد أكبر وأنشط الماكينات الانتخابية، واقتصرت المحاسبة على “تشكيلات”، بناء على الصلاحيّات الاستثنائية لرئيس تيار المستقبل، أزاحت حزبيّين عن الواجهة وعوّمت آخرين، فيما تمّ تأجيل المؤتمر العام الثالث تحت ذريعة وباء كورونا. وبناءً على الصلاحيّات نفسها أعاد الحريري تشكيل هيئة الرئاسة لتضمّ من ضمنها خمسة نوّاب لرئيس تيار المستقبل.
صحيح أنّ تيار المستقبل خسر كلّ شيء بضربة واحدة بدخول الحريري “شرنقة الاعتزال” المعلّق، لكنّ حزباً كالقوات اللبنانية لن يكون بالتأكيد مرتاحاً على وضعه، ولا بطبيعة الحال التيار الوطني الحر
انفجار اللغم الأوّل
كلّ هذه الحركة في قلب التنظيم الحزبي لم تحجب وقع الضربات المتتالية التي تلقّاها تيار المستقبل ورئيسه في السياسة، والعطب الذي اعترى علاقته مع حلفائه “الطبيعيين”، وعلى رأسهم القوات اللبنانية.
قد يفسّر ذلك انفجار أوّل الألغام على خطّ بيت الوسط-معراب عقب إعلان الحريري الانسحاب من الحلبة السياسية.
لكن بعيداً عن جولات “حلش الشعر” على “تويتر” بين الحليفين السابقين، ثمّة معطيات على الأرض تفسّر “قلق” سمير جعجع ولجوئه إلى الاستفزاز المستمرّ من خلال الإيحاء بأنّه “صاحب مَونة” على جزء من البيئة السنّيّة.
صحيح أنّ تيار المستقبل خسر كلّ شيء بضربة واحدة بدخول الحريري “شرنقة الاعتزال”، لكنّ حزباً كالقوات اللبنانية لن يكون بالتأكيد مرتاحاً على وضعه، ولا بطبيعة الحال التيار الوطني الحر.
فوبيا الخسارة
تسيطر على الحزبين المسيحيّين “فوبيا” خسارة جزء من المقاعد، لذلك سيستميتان في تحصيل ما يمكن تحصيله من البلوك السنّيّ “الهائم” على وجهه.
في انتخابات 2018 تحالف تيار المستقبل مع التيار الوطني الحر في ثلاث دوائر، هي الشمال الثالثة، زحلة، وبيروت الأولى. وتحالف مع القوات في ثلاث دوائر، هي عكار، الشوف-عاليه، وبعلبك-الهرمل.
باسيل من دون حليف
عونيّاً، تبدّى الخطر الأكبر في دائرة الشمال الثالثة (زغرتا، بشرّي، الكورة، البترون) بعد استنفار الحريري يومذاك لنجدة “صديقه جبران”. أعطى تيار المستقبل ما يقارب أربعة آلاف صوت للائحة باسيل.
وراهناً، في ظلّ ماكينة المستقبل الانتخابية “المنحلّة”، وصعوبة التحالف مع “المردة”، واستحالته مع “القوات”، سيعيش جبران باسيل مأزقاً حقيقياً خوفاً من خسارة مقعده في البقعة الانتخابية المعروفة بـ”دائرة الرؤساء”.
في زغرتا سُجِّلت نسبة اقتراع عالية مكّنت اللائحة المدعومة من سليمان فرنجية و”القومي” من الفوز بأربعة مقاعد في الدائرة من أصل عشرة. فيما فازت لائحة التيار الوطني الحر بثلاثة مقاعد والقوات بثلاثة أيضاً.
تسيطر على الحزبين المسيحيّين “فوبيا” خسارة جزء من المقاعد، لذلك سيستميتان في تحصيل ما يمكن تحصيله من البلوك السنّيّ “الهائم” على وجهه
ستلعب الحساسيّات المسيحية دوراً كبيراً في تقرير مصير قيادات الطائفة في هذه الدائرة، لكنّ الصوت السنّيّ سيكون الشريك الأكبر والأهمّ في تقرير مصيرها، مع توقّع الخبراء انخفاض نسبة الاقتراع في كلّ الدوائر حيث لـ”المستقبل” ثقل فيها، إضافة إلى احتمال تشتّت الأصوات بين اللوائح الكثيرة.
يُذكر أنّ الكتلة الناخبة السنّيّة في دائرة الشمال الثالثة تبلغ 23,011 ناخباً من أصل عدد الناخبين البالغ 249,416 (أي ما نسبته 9.2% من الناخبين). وقد حصل باسيل على 12,269 صوتاً تفضيلياً، وحلّ أوّلاً في الدائرة خلال انتخابات 2018.
تحالف في “خبر كان”
أمّا تحالف المستقبل مع القوات في الانتخابات الماضية في عكار وبعلبك-الهرمل والشوف-عاليه، فبات اليوم في “خبر كان”. وإذا استمرّ “التنتيع” بين القوات والمستقبل حتى موعد الانتخابات، فسينعكس هذا الواقع على نتائج الانتخابات بشكل دراماتيكي.
وعليه، سيكون مقعد وهبي قاطيشا في عكار، حيث الخزّان السنّيّ الأكبر، في خطر. وفي بعلبك-الهرمل حيث حصدت لائحة تحالف أمل وحزب الله ثمانية مقاعد من أصل عشرة، تمكّن تحالف القوات والمستقبل من الفوز بالمقعد السنّيّ (بكر الحجيري) والمقعد الماروني (طوني حبشي). لكن بعد انكفاء المستقبل واستعار الخلاف السياسي بين الحليفين السابقين لن يكون مقعد القوات الماروني في دائرة الأمان.
أمّا في الشوف-عاليه فإنّ تحالف جنبلاط-القوات-المستقبل صار من الماضي. ومع اكتمال صورة الترشيحات ستتبلور أكثر احتمالات الربح والخسارة.
مقعدا وائل وفيصل في دائرة الخطر
لكن في مقابل استمرار تحالف الاشتراكي-القوات فإنّ مطّلعين يؤكّدون أنّ جنبلاط سيستفيد في هذه الدائرة من غياب “المستقبل” كماكينة وحزب، ليستميل سُنّة الإقليم إلى حاضنته. خدماتياً، الفرق فاضح. “البيك” لا يزال ينغل على الصعيد الخدماتي في مقابل وهن كبير أصاب المستقبل على هذا المستوى.
ويقول خبير انتخابي لـ”أساس”: “بعكس ما يروّجه البعض، فإنّ جنبلاط “مش فارقة معو” الشوف-عاليه لأنّه قادر على التأقلم بارتياح مع الزلزال السنّيّ وتجديد زعامته في الإقليم. لكنّ الخطر الحقيقي يحيط بمقعد النائب وائل أبو فاعور في البقاع الغربي الذي لن يتمكّن من تجديد نيابته إذا لم تحصل اللائحة على حاصل انتخابي. تماماً كما حصل مع حزب الله في كسروان-جبيل حين فاز مصطفى الحسيني بعددٍ زهيدٍ من الأصوات التفضيلية، فيما نال مرشّح الحزب الشيعي الخاسر نحو 8,500 صوت”.
مع العلم أنّ كثيرين من المتابعين لشؤون البقاع الانتخابية يستبعدون قرضية المقارنة بين الحزب في كسروان، ووائل أبو فاعور الناشط في دائرته.
وفي دائرة بيروت الثانية قد يتعرّض الاشتراكي لاحتمال خسارة المقعد الدرزي في ظلّ نكبة “انكفاء سعد”.
في الانتخابات الماضية اختار جنبلاط ابن عاليه فيصل الصايغ ليمثّل دروز بيروت في ظلّ واقعين:
– الأوّل: عدم تحكّم تيار المستقبل بالمقعد الدرزي كما كان يفعل في ظلّ النظام الأكثري على شكل “هديّة” من الحريريّين لجنبلاط.
– والثاني: معركة الحواصل والأصوات التفضيلية.
إقرأ أيضاً: “الحريريّون” في غياب الحريري: مرشحون بدون اليافطة؟
وما بينهما رغبةٌ دفينةٌ لدى طلال أرسلان، بالتنسيق مع حزب الله، في وضع يده على هذا المقعد، حيث بات للصوت الشيعي ثقل مقرّر في بيروت الثانية. والمرشّح جاهز: الوزير السابق صالح الغريب. وهو سيناريو إن حصل سيرفع حرارة المعركة الانتخابية على مقعد أرسلان في الجبل.
يحدث ذلك في ظلّ تسليم كثيرين بتغيير حزب الله استراتيجيته الانتخابية في الشوف-عاليه التي ذهب ضحيّتها وئام وهاب عام 2018، وفي بيروت الثانية التي لم يجارِ فيها حليفه أرسلان في طرح مرشّحٍ عن المقعد الدرزي.